تواجه صناعة السكر في أوروبا ركودا مريرا يبدد أرباح المصانع ويجبرها على الإغلاق تحت وطأة تدهور أسعار السكر في الأسواق وارتفاع تكاليف إنتاجه وتعاظم الضغوط التنظيمية والبيئية الملقاة على عاتق المصانع في أرجاء القارة.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن أسعار السكر في أوروبا تدهورت إلى أقل مستوياتها في ثلاث سنوات بسبب تضخم المخزون الفائض الناتج عن ازدياد الصادرات الأوكرانية، وزيادة إنتاج بنجر السكر وانخفاض استهلاك السكر في الأسواق.
ونقلت الصحيفة عن بيير هنري دييتز المدير العام لشركة “كريستالكو” الذراع التجاري لمجموعة “كريستال يونيون” أحد المصانع الكبرى في القارة، قوله ” في ظل الأسعار الراهنة فإن السوق بمنتهى البساطة غير مستدام وإذا لم يطرأ تصحيح على الأسعار فسوف نرى المزيد من مصانع السكر تغلق أبوابها في أنحاء أوروبا”.
ولفت ديفيد سوريو المدير التجاري لشركة “تيريوس” أكبر مجموعة لإنتاج السكر في فرنسا، إلى أن انخفاض الأسعار وارتفاع التكلفة المرتبطة بالمناخ، والأمراض، والإجراءات التنظيمية كانت “تمثل خطراً بعيد المدى على قدرة إنتاج السكر الأوروبي على الاستمرار”.
وهبطت أسعار السكر في أوروبا بأكثر من الثلث منذ الصيف الماضي ليصل إلى 536 يورو للطن في يونيو، وفق آخر أرقام أصدرتها المفوضية الأوروبية.. وأظهرت بيانات المفوضية لعقود التداول الآجلة للسلعة، أن المتداولين المضاربين راكموا في حوزتهم أكبر صافي للعقود الآجلة للسكر في نيويورك منذ عام 2019، وهو أكبر رهان جماعي على انخفاض الأسعار منذ سنوات.
وأفادت شركة “تيريوس” في أغسطس الماضي أن إيراداتها على مدار ثلاثة أشهر حتى نهاية يونيو هبطت بنسبة 25 في المائة على أساس سنوي مقارنة بالعام السابق لتسجل 1.2 مليار يورو، بينما مكاسبها قبل استقطاع الفوائد، والضرائب، ومعدلات الإهلاك، ومخصصات الديون، انحدرت بنسبة 79 في المائة لتسجل 56 مليون يورو.
وكشفت الشركة عن تسجيلها خسائر تشغيلية متكررة بلغت 22 مليون يورو، كما ارتفع صافي الدين إلى 2.265 مليار يورو، بيد أن المجموعة الفرنسية الأكبر لتصنيع السكر أبقت على توجيهاتها بالنسبة للعام كاملاً.
من جانبها، أعلنت شركة “سودسوكر” الألمانية أكبر منتج للسكر في أوروبا في يوليو أن ربحها التشغيلي انحدر بنسبة 85 في المائة ليصل إلى 22 مليون يورو في الربع الأول وحتى نهاية مايو، حيث انحرف قسم السكر إلى تسجيل خسائر تشغيلية بلغت 56 مليون يورو..وتوقعت المجموعة الألمانية أن تصل الخسائر السنوية لقسم السكر إلى أكثر من 200 مليون يورو، رغم أن هناك تقديرات بحدوث انتعاش للأسعار في النصف الثاني من العام.
وأفادت شركة “كريستال يونيون” ثاني أكبر شركة فرنسية لإنتاج السكر، بأنها سجلت هذا الصيف انحساراً في صافي الربح نسبته 62 في المائة مسجلاً 117 مليون يورو للعام المالي 2024- 2025، وحذرت من “مزيد من ظروف سوق غير مرغوبة”
وقالت “فاينانشيال تايمز” إن تلك الأوضاع المريرة أدت إلى إغلاق خمسة مصانع سكر في أوروبا خلال هذا العام، إضافة إلى 14 مصنعاً أغلقت في المملكة المتحدة ما بين عامي 2010 و2025، لينخفض عدد المصانع العاملة في قطاع السكر الأوروبي إلى 83 مصنعاً..ومن المتوقع أن يتراجع عدد المساحات المزروعة ببنجر السكر في أوروبا بما يقرب من 10 في المائة خلال هذا الموسم، نظرا لما يتعرض له المزارعون من تدني الأسعار وازدياد مخاطر البيع بقيم أقل.
وقال نائب المدير العام لشركة “كريستال يونيو” ستانسيلا بوشار “إننا بالفعل نشهد انكماشا لرقعة الأراضي المنزرعة ببنجر السكر، وسيكون لذلك تداعيات ترتد على الإنتاج.”
بينما أبقت شركة “تيريوس” على مستوى زراعتها لبنجر السكر، فقد أعلنت المجموعة أن تكلفة الإنتاج قفزت بصورة حادة، وقد ارتفع متوسط إنتاج السكر في أوروبا بواقع 200 يورو لكل طن منذ 2017، حسبما أكدت الشركة، وعللت ذلك بأنه يعود إلى ارتفاع كلفة مخرجات المزارع، وأسعار الطاقة، والمخاطر ذات الصلة بالمناخ.
ويلقي المدير التجاري للشركة، ديفيد سوريو، باللوم على السياسات الأوروبية معتبرا أنها تسببت جزئيا في معاناة قطاع السكر في القارة “إذ أنها ألزمت منتجي التكتل بمعايير بيئية أكثر تشددا من المنافسين الأجانب” الذين يستفيدون من إعفاء ضريبين، مؤكدا أن ذلك “أضر بشدة القدرة التنافسية الأوروبية.”
وتابع “هناك اليوم اختلال شديد جدا بين السياسات البيئية للاتحاد الأوروبي وسياسته التجارية التي تواصل زيادة استيراد السكر، والكحول، والإيثانول بدون تعريفات جمركية من دول لا تطبق نفس اللوائح التنظيمية البيئية”.
ومن وجهة نظر المدير العام لشركة “كريستالكو” بيير- هنري دييتز، فإن الواردات الأوكرانية بالذات مدمرة لصناعة السكر في أوروبا.
وهناك أكثر من مليون طن سكر من أوكرانيا التي أنهكتها الحرب، دخلت الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2023 و2024، ما دفع مستويات المخزون إلى أعلى، وتسبب في تراجع الأسعار..وقد وافقت بروكسل على خفض حصة الواردات الأوكرانية بنسبة 80 في المائة اعتبارا من يوليو المقبل.








