تتجه الأنظار إلى أسهم شركات القطاع الغذائي في البورصة المصرية، بعد قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات يوم الخميس الماضي، وسط تساؤلات حول مدى انعكاس الزيادة على تكاليف التشغيل وهوامش الربحية، في وقت يشهد فيه السوق تحركات حذرة للمستثمرين في أسهم السلع الاستهلاكية الأساسية.
ورغم أن القرار يثير عادةً مخاوف من ضغوط تضخمية جديدة، فإنهم يرون أن التأثير المباشر على شركات الأغذية سيكون محدودًا للغاية، نظرًا لانخفاض مساهمة الطاقة في هيكل التكاليف، والتي لا تتجاوز 1% في المتوسط من إجمالي المصروفات التشغيلية، بينما يظل الأثر غير المباشر مرتبطًا بقدرة المستهلك على استيعاب أي زيادات سعرية محتملة في المنتجات.
القطاع يظل دفاعيًا
قال هاني جنينة، رئيس قسم البحوث بشركة «الأهلي فاروس»، إن الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين والسولار لن تشكل عبئًا جوهريًا على شركات الأغذية، موضحًا أن الطاقة ليست عنصرًا رئيسيًا في تكاليف الإنتاج، وأن التأثير الأكبر يقع على الشركات التي تمتلك أساطيل توزيع ضخمة أو تدير شبكات نقل مباشرة.
أضاف جنينة، أن معظم شركات القطاع تعتمد على موزعين خارجيين، ما يقلل حساسيتها تجاه ارتفاع الوقود، لافتًا إلى أن التأثير الأكبر قد يأتي من سلوك المستهلك، وليس من التكلفة التشغيلية نفسها، إذ قد يتجه بعض المستهلكين لتقليص مشترياتهم من السلع غير الأساسية، بينما تظل السلع الغذائية الأساسية – كالألبان والجبن والمخبوزات – مستقرة في الطلب بحكم طبيعتها الدفاعية.
وأوضح أن العوامل الأكثر تأثيرًا على أداء القطاع خلال الفترة المقبلة ليست الطاقة، بل أسعار المواد الخام العالمية وسعر صرف الجنيه، مشيرًا إلى أن التحسن في كليهما يمنح الشركات قدرة على امتصاص أي زيادات طفيفة في تكاليف التشغيل.
وأشار جنينة، إلى أن الشركات الكبرى مثل “إيديتا” و”عبور لاند” و”دومتي” تستفيد من استقرار أسعار المواد الأساسية عالميًا، إذ شهدت أسعار القمح والسكر والكاكاو وتراجعًا ملحوظًا، كما تحسنت كلفة استيراد اللبن البودرة مع صعود الجنيه أمام الدولار.
تراجع هوامش الربحية رغم نمو الإيرادات
وتشير بيانات النصف الأول من 2025 ، إلى أن الشركات كانت تواجه أصلًا ضغوطًا على هوامش الربح قبل الزيادة الأخيرة في الوقود.
فوفقًا لمسح أجرته «البورصة» على 6 شركات مدرجة، تراجع هامش مجمل الربح إلى 15.1% مقابل 17.53% في الفترة المقابلة من العام الماضي، رغم تحقيقها نموًا في الإيرادات.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت إيرادات جهينة للصناعات الغذائية بنسبة 23.5% إلى 14.6 مليار جنيه، لكن التكاليف قفزت بنسبة 45% لتصل إلى 11.25 مليار جنيه، ما أدى إلى انكماش هامش مجمل الربح إلى 21.4% مقابل 33.2% قبل عام.
ويرى محللون، أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات لن تضيف ضغطًا كبيرًا على تلك الهوامش، لكنها قد تُبقي مستويات الربحية الحالية مستقرة دون تحسن يُذكر في الأجل القصير.
القدرة على تمرير التكلفة
قال أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر» لتداول الأوراق المالية، إن التأثير الفعلي لزيادة أسعار الوقود، سيتباين بين الشركات حسب هيكل توزيع منتجاتها وطبيعة عملياتها اللوجستية.
وأوضح أن الشركات التي تمتلك وسائل نقل خاصة قد تواجه زيادة أكبر في المصروفات، لكنها لن تفقد ميزة تنافسية مقارنة بنظيراتها، لأن التأثير سيصيب الجميع بنسب متقاربة.
ورجح عبدالنبي، أن تلجأ الشركات إلى تمرير جماعي للزيادة في الأسعار خلال الفترة المقبلة لتفادي تآكل الأرباح، وهو ما قد يحافظ على مستويات الربحية دون تغيّر جوهري في التقييمات السوقية للأسهم.
وأشار إلى أن تقييمات شركات الأغذية عادة ما تتأثر بصافي الربح بعد خصم المصروفات، وليس فقط بحجم التكاليف، موضحًا أنه طالما تمكنت الشركات من تمرير الزيادة للمستهلك، فإن التأثير على الأرباح النهائية — وبالتالي على أسعار الأسهم — سيكون محدودًا.
تأثير تضخمي محتمل في الأفق
يرى عبدالنبي، أن الزيادة في أسعار المحروقات سيكون لها انعكاس أوسع على معدلات التضخم، خاصةً مع اتجاه الشركات إلى رفع أسعار السلع الغذائية لتعويض ارتفاع تكاليف النقل، مشيرًا إلى أن ذلك قد يرفع معدل التضخم السنوي إلى نحو 14% بنهاية 2025، مقابل 11.7% في آخر قراءة معلنة.
وقال إن المستثمرين في البورصة يراقبون بدقة أثر القرار على الأسهم الاستهلاكية، إذ يميل بعضهم إلى التحوّط من التضخم بشراء أسهم القطاعات الدفاعية مثل الأغذية والمشروبات، ما قد يحافظ على جاذبية القطاع في السوق خلال الفترة المقبلة رغم ارتفاع التكاليف.
التحسن في الجنيه يخفف الأثر
في المقابل، قال أمجد محمد، رئيس قطاع المستثمرين بشركة «فوديكو»، إن الأثر الصافي لزيادة أسعار الوقود قد يكون محدودًا في ظل تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ما يقلل تكلفة استيراد المواد الخام.
وأشار إلى أن معظم الشركات تعتمد على استيراد مكونات إنتاج رئيسية، وبالتالي فإن انخفاض تكلفة الاستيراد يمنحها مرونة لامتصاص أي زيادات في البنود المحلية مثل الوقود أو النقل دون تمرير كامل للزيادة إلى المستهلك.
أضاف محمد، أن القطاع يتمتع بقدرة عالية على التكيف، خاصة مع استقرار أسعار السلع الأساسية عالميًا، وهو ما يتيح للشركات الحفاظ على مستويات ربحية قريبة من المستهدف في موازناتها لعام 2025.
توقعات بمواصلة التحسن
كشف عبدالحميد إمام، رئيس قسم البحوث بشركة «بايونيرز» لتداول الأوراق المالية، أن تحريك أسعار الوقود عادة ما يؤدي إلى تذبذبات قصيرة الأجل في أسهم الأغذية، لكن السوق سرعان ما تستوعبها مع وضوح قدرة الشركات على تمرير التكلفة.
وأضاف أن القطاع الغذائي من القطاعات القليلة القادرة على الحفاظ على معدلات نمو مستقرة حتى في فترات ارتفاع التضخم، مشيرًا إلى أن المستثمرين المؤسسين يعتبرونه ملاذًا آمنًا نسبيًا داخل البورصة المصرية.
وأشار إمام، إلى أن تقييمات الشركات تأخذ بالفعل في الاعتبار سيناريوهات تحريك أسعار الوقود، ضمن توقعات التكاليف في النصف الثاني من العام، وأن رفع الأسعار الأخير لن يغيّر جذريًا من النظرة الإيجابية طويلة الأجل تجاه أسهم القطاع.
