يشهد عدد من الأندية الجماهيرية فى مصر أزمة مالية وإدارية ممتدة تهدد مستقبل كيانات تاريخية مثل الزمالك والإسماعيلى، فى ظل تراكم الديون، وغياب الحوكمة، وتعثر المشروعات الاستثمارية.ويظل الدورى المصرى عاجزاً عن تحويل جماهيريته الكبيرة إلى موارد مستدامة، بينما تستمر الأندية الشعبية فى الاعتماد على التبرعات والدعم الحكومى، وهو نموذج لم يعد قادراً على الصمود.
«عونى»: الأندية تمتلك أصولاً غير مستغلة.. والحل يبدأ من التحول لشركات مساهمة
فى السياق ذاته، قال سيف عونى، العضو المنتدب لشركة «إيليت» للاستشارات المالية، إن غياب الإطار المؤسسى والتمويلى هو جوهر الأزمة، مؤكداً أن الأندية تمتلك أصولًا معنوية ضخمة لا يجرى استثمارها بالشكل الصحيح.
ولفت إلى أن التحول إلى شركات مساهمة رياضية المدخل الأهم لتجاوز تلك الأزمات، بما يسمح بضخ استثمارات جديدة وإصدار أدوات مالية مثل السندات والصكوك والأسهم القابلة للتحويل.
وأوضح أن قانون سوق المال يتيح للأندية إصدار أوراق مالية حتى لو لم تكن مدرجة، شريطة وجود إدارة محترفة قادرة على خلق قيمة استثمارية حقيقية.
وأشار «عونى» إلى أن المشكلة لا تتعلق بالتمويل فقط؛ بل تمتد لضعف الهيكل الإدارى وغياب الرؤية طويلة الأجل، ما يؤدى إلى فقدان المواهب وتراجع العوائد.
وأضاف أن نماذج التمويل الحديثة عالمياً، مثل توريق الإيرادات أو الطروحات الجزئية أمام المستثمرين، قابلة للتطبيق محلياً بشرط وجود حوكمة فعالة وضمانات تنظيمية.
من جانبه، قال هيثم قبانى، العضو المنتدب لشركة «بيتا كابيتال» للاستشارات المالية، إن الأندية الجماهيرية تمتلك قيمة تسويقية مرتفعة لكنها تفتقر إلى قنوات دخل مستدامة؛ إذ تعتمد على البث التلفزيونى والمشاركات الجماهيرية، وهى مصادر غير كافية فى ظل تضخم المصروفات، وارتفاع أسعار اللاعبين.
واعتبر أن طرح حصص من هذه الأندية فى البورصة قد يمثل خطوة جيدة، لكنها مشروطة بإعادة هيكلة شاملة تجعلها جاذبة للمستثمرين، الذين يبحثون عن خطط نمو واضحة وعوائد مستقرة.
وأوضح «قبانى» أن إنشاء صناديق استثمارية لإدارة أصول الأندية أو امتلاك حصص فيها يمكن أن يوفر تدفقات مالية منتظمة، مستشهداً بتجارب الدوريات الأوروبية التى نجحت فى تحويل الأندية إلى مؤسسات هادفة للربح.
ولفت إلى أن تطبيق تلك التجارب فى مصر يحتاج إلى بيئة تشريعية وثقافية داعمة.
فى السياق ذاته، أكد رجل الأعمال طارق قنديل، أن تراكم الديون والغرامات الدولية يمثل التهديد الأكبر للأندية الشعبية؛ إذ يعرضها لعقوبات من الفيفا قد تصل إلى خصم النقاط أو الحظر من القيد، ما يفاقم المشكلات الفنية والمالية.
وضرب مثالاً بنادى الزمالك الذى تجاوزت ديونه 2.5 مليار جنيه؛ نتيجة صفقات مكلفة وفقدان أراضٍ استثمارية مهمة.
كما أشار إلى تجربة الإسماعيلى الذى تعثر إداريًا ومالياً، ما أدى إلى حل مجلس إدارته وإحالته للتحقيق.
«الشاذلى»: عائدات البث وتمكين شركات القطاع العام مفتاح الدعم حالياً
وتعمل وزارة الشباب والرياضة، بحسب المتحدث الرسمى محمد الشاذلى، على مجموعة حلول تشمل تخصيص نسبة من عائد البث التلفزيونى للأندية الشعبية قد تصل إلى 25%، إلى جانب إنشاء شركات مساهمة لإدارة النشاط الرياضى.
وأشار «الشاذلى» إلى أن شركات القطاع العام، مثل شركات البترول التابعة لأندية إنبى وبتروجت، يمكن أن تقدم رعاية مباشرة للأندية الجماهيرية مقابل عوائد تجارية.
وترى نيرة الأحمر، عضو مجلس إدارة نادى الزمالك، أن عقود الرعاية تمثل طوق نجاة حقيقياً للأندية الشعبية، مشيرة إلى تجربة النادى الأهلى الذى أبرم عقود رعاية ضخمة عززت موارده ومشروعاته.
وأكدت أن اعتماد الأندية الأخرى على التبرعات والجهود الذاتية يثبت عدم قدرتها على مواجهة أزماتها دون شراكات تجارية واستثمارات حقيقية.
ودعا محمد الغزاوى، عضو مجلس إدارة النادى الأهلى، إلى ضرورة فصل النشاط الكروى عن الإدارة التقليدية عبر تأسيس شركات كرة مستقلة تمتلك صلاحيات كاملة فى التسويق والإدارة المالية، بما يضمن استدامة الموارد وجذب المستثمرين دون المساس بالهوية الرياضية للأندية.
وتتيح هذه الشركات إدارة حقوق البث والرعاية والانتقالات وفتح الباب أمام مشروعات استثمارية جديدة.
«خميس»: مقترحات بتكوين تحالفات استثمارية لإنقاذها
واقترح محمد خميس، عضو مجلس إدارة الاتحاد السكندرى، تأسيس شركة استثمارية مشتركة بين الأندية الجماهيرية لإدارة الأصول وتغطية المصروفات، مع طرح أسهم للجماهير.
وشدد على أهمية تدخل البرلمان لتقديم إعفاءات ضريبية وتقليل رسوم الاتحادات الرياضية بما يخفف الأعباء التشغيلية.
وأوضح «خميس» أن تخصيص جزء من عوائد البث الفضائى للأندية الشعبية، كما حدث فى 2023، يمثل أحد الحلول العملية لضمان استمرارية النشاط.
وفى سياق متصل، يرى عصام عبدالعزيز، عضو مجلس إدارة المصرى البورسعيدى، أن الاستثمار الإعلانى يمثل مصدراً مهماً لتعزيز موارد الأندية الشعبية، من خلال استغلال شعبية هذه الأندية لزيادة العوائد الإعلانية.
واقترح دمج الأندية الاستثمارية التابعة للشركات مع شركات الكرة بالأندية الجماهيرية بما يزيد من فرص التمويل والاستثمار.
وأشار إلى أن الأندية الجماهيرية أصبحت مهددة بفقدان دورها التاريخى مع تمدد أندية الشركات التى تمثل 75% من فرق الدورى، مقابل وجود محدود لأندية جماهيرية كالأهلى، والزمالك، والمصرى، والاتحاد، والإسماعيلى، وغزل المحلة.








