يشهد السوق المصري تحولًا لافتًا في اتجاهات الاستثمار المباشر ، مع صعود واضح في شهية المستثمرين تجاه القطاعات القادرة على توليد عوائد دولارية، وعلى رأسها السياحة والزراعة والصناعات التصديرية، بحسب سعيد حنفي، الشريك بمكتب MHR & Partners بالتعاون مع “وايت آند كيس White & Case”.
أضاف حنفي لـ”البورصة”، أن حركة الصفقات داخل هذه القطاعات سجلت واحدة من أكثر الموجات نشاطًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بعوامل تشغيلية واقتصادية متزامنة.
واوضح أن افتتاح المتحف المصري الكبير كان نقطة تحول رئيسية في إعادة جذب رؤوس الأموال الموجهة لقطاع السياحة، سواء من مستثمرين محليين أو إقليميين أو دوليين.
لفت حنفي، إلى أن السوق شهد رواجًا ملموسًا في صفقات شراء الفنادق قبل الافتتاح الرسمي للمتحف، لكن الزخم تضاعف بعد تشغيله جزئيًا وارتفاع إشغالات المناطق المحيطة به، ما أعاد تقييم الأصول الفندقية ورفع من تنافسية الاستثمار بها.
وأضاف أن “وايت آند كيس” يدير في الوقت الحالي عدة صفقات لشراء فنادق يقودها مستثمرون عرب وخليجيون، في ظل رغبة تلك الشريحة في الدخول بقوة إلى السوق المصرية عبر أصول قادرة على توفير تدفقات نقدية بالدولار.
ويرى حنفي أن الفنادق تمثل عنصرًا مهمًا لتنويع المحافظ الاستثمارية، وتمنح المستثمرين قدرة على تحقيق عائد تشغيلي منتظم، فضلًا عن كونها أداة استراتيجية لجذب العملة الصعبة في وقت تحتاج فيه السوق المصرية إلى تعظيم موارد النقد الأجنبي.
ويتزامن هذا النشاط مع حركة نشطة في صفقات الدمج والاستحواذ داخل القطاع السياحي خلال العام الحالي، إذ يوضح حنفي أن المكتب يتعامل مع موجة قوية من عمليات الاستحواذ على شركات تشغيل فندقي أو أصول مباشرة.
ويعزو هذا الاتجاه إلى ارتفاع توقعات العائد ونمو الإيرادات التشغيلية بعد التعافي الكبير في حركة السياحة الوافدة وتنوع الأسواق المستهدفة.
أكد حنفي أن هذه الموجة مرشحة للاستمرار خلال العام المقبل، مدعومة بدخول صناديق استثمار إقليمية في محادثات لاقتناص أصول جديدة.
“وايت آند كيس” يعمل على إدارة طرح في البورصة العام المقبل
كشف حنفي أن “وايت آند كيس” يعمل على إدارة طرح مرتقب لإحدى شركات القطاع الخاص في البورصة المصرية خلال العام المقبل.
ورغم تباطؤ السوق العقاري خلال العام الحالي، يواصل المكتب إدارة صفقات نوعية ذات طابع استراتيجي، إذ يعمل حاليًا كمستشار لشركة الإسماعيلية للتطوير العقاري فيتعظيم قيمة الأصول المدارة من قبلهم فى منطقة وسط البلد، مشيرًا إلى أن المنطقة التاريخية في قلب القاهرة تستحوذ على اهتمام المستثمرين الذين يمتلكون رؤى طويلة الأجل، نظرًا لإمكانات التطوير وإعادة الإحياء العمراني والثقافي التي تطرحها هذه الأصول.
ووصف الطلب على هذه النوعية من الأصول بأنه “مستقر رغم ظروف السوق”، بدعم من جاذبيتها التاريخية وقيمتها الاستثمارية المرتفعة على المدى البعيد.
وفي القطاع الصناعي، لفت حنفي إلى نشاط ملحوظ من المستثمرين الأجانب، وبخاصة الأمريكيين، الذين تقدموا بطلبات لاقتناء مصانع قائمة في قطاع المنسوجات بغرض التصدير.
وقال إن هذه الطلبات تأتي في إطار سعي الشركات الأمريكية للاستفادة من التعريفات الجمركية التفضيلية الممنوحة للمنتجات المصرية، إلى جانب انخفاض تكلفة الإنتاج مقارنة بأسواق أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية.
طلبات عديدة من المستثمرين الصينيين والأمريكيين على مصانع بالروبيكى
ويضيف أن إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية خلال الأعوام الماضية دفعت الشركات إلى البحث عن وجهات تصنيع أكثر مرونة، ما جعل مصر ضمن قائمة الدول الجاذبة للصناعة التصديرية.
ولا يقتصر الاهتمام الصناعي على المستثمرين الأمريكيين فقط، إذ يؤكد حنفي تلقي المكتب طلبات من مستثمرين صينيين وأمريكيين لشراء مصانع داخل منطقة الروبيكي الصناعية.
وأشار إلى أن الروبيكي اكتسبت مكانة متقدمة كمجمع صناعي متكامل في الصناعات الجلدية وما يرتبط بها، بما توفره من بنية تحتية مؤهلة للتمدد ورفع الطاقات الإنتاجية.
واعتبر حنفي، أن دخول مستثمرين من الصين – التي تعد أكبر قاعدة تصنيع عالمي – يعكس تنافسية المنطقة الصناعية المصرية، بينما المستثمرين الأمريكيين يتعاملون مع الروبيكي باعتبارها منصة إنتاج قادرة على تلبية طلبات أسواقهم بجودة عالية وكلفة أقل.
الأصول الزراعية من أكثر الأدوات الاستثمارية استقرارًا على المدى الطويل
ويرى أن هناك رواجا كبيرا يشهده قطاع الزراعة خلال العام الحالي، مؤكدًا أنه أصبح أحد أكثر القطاعات جذبًا للمستثمرين، خاصة مع تزايد الاهتمام بالزراعات التصديرية وسلاسل القيمة الغذائية.
واستطرد أن الأصول الزراعية باتت من أكثر الأدوات الاستثمارية استقرارًا على المدى الطويل، لاسيما مع ارتفاع الطلب العالمي على الغذاء وارتباط القطاع بدورة تشغيلية سريعة وقدرته على توفير تدفقات نقدية مستقرة.
أوضح حنفي أن القطاع العقاري يشهد تباطؤًا ملحوظًا، نتيجة عوامل تمويلية وتغيرات في الطلب، غير أن القطاعات النشطة – وعلى رأسها السياحة والزراعة والتصنيع التصديري – تعوض هذا التباطؤ عبر استقطاب جزء كبير من التدفقات الاستثمارية التي كانت موجهة في السابق للعقار.
ويؤكد أن المستثمرين باتوا يميلون إلى الأصول الأكثر قدرة على توليد عملة صعبة وعائد تشغيلي مستمر، وهو ما يعيد توجيه بوصلة الاستثمار داخل السوق المصرية.
واختتم بأن العام المقبل سيكون امتدادًا للموجة الحالية من النشاط في صفقات السياحة والصناعة، مع توقع استمرار الطلب على الأصول المدرة للدولار، خاصة في ظل مساعي الحكومة لتعزيز بيئة الاستثمار وتسهيل دخول المستثمرين الأجانب.
ويرى أن وضوح الرؤية الاقتصادية وتحسن توقعات الإيرادات السياحية والتصديرية سيواصلان دفع المستثمرين نحو القطاعات التي تمتلك قدرة تنافسية واضحة، بما يسهم في إعادة تشكيل خريطة الاستثمار المباشر داخل مصر خلال المرحلة المقبلة.







