رغم إقرار زيادات سعرية على عدد من الأصناف الدوائية بنهاية العام الماضي، أظهرت نتائج الأعمال فجوة واضحة بين تحركات التسعير وأداء ربحية شركات الأدوية المقيدة بالبورصة المصرية، فبينما عوّل القطاع على تلك الزيادات لتخفيف الضغوط المتراكمة على الهوامش، كشفت القوائم المالية أن أثرها جاء محدودًا، بل سلبيًا لدى بعض الشركات، ما أعاد طرح تساؤلات جوهرية حول كفاءة آلية تسعير الدواء في سوق شديد الحساسية تتداخل فيه اعتبارات التكلفة والعملة وسلاسل الإمداد مع البعد الاجتماعي للمنتج.
وكانت مصر قد شهدت خلال عام 2023 وبداية 2024 نقصاً في عدد من الأصناف الدوائية وفي أكتوبر الماضي، أعلنت الحكومة حل أزمة النواقص بالكامل عقب تحريك أسعار عدد من الأدوية بنسب تراوحت بين 35% و40%.
ووفقًا لمسح أجرته «البورصة» على القوائم المالية لـ7 شركات أدوية مقيدة، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، تراجع متوسط هوامش الربحية إلى نحو 195.9%، مقابل 211% خلال الفترة المقارنة من العام الماضي، في مؤشر واضح على استمرار الضغوط الربحية رغم الزيادات السعرية المقررة مطلع العام.
وأظهر المسح أن عددًا محدودًا من الشركات نجح في تحسين هوامش الربحية، في مقدمتها مينا فارم للأدوية والصناعات الكيماوية، التي ارتفع هامش ربحيتها إلى 36% خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، مقابل 29.9% خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مدعومة بهيكل مبيعات أكثر ربحية.
كما سجلت ابن سينا فارما تحسنًا طفيفًا في هامش الربحية، ليصل إلى 8.4% مقابل 7.8% خلال الفترة المقارنة، في ظل محاولات الشركة احتواء أثر الارتفاع في التكاليف التشغيلية.
في المقابل، أظهرت القوائم المالية تراجعًا في هوامش الربحية لدى عدد من الشركات الكبرى، حيث انخفض هامش الربحية في المصرية الدولية للصناعات الدوائية – إيبيكو إلى 44.7% خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، مقابل 46.3% خلال الفترة المقارنة.
وسجلت جلاكسو سميثكلاين تراجعًا حادًا في هامش الربحية ليصل إلى 20%، مقارنة بنحو 39% خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بما يعكس حدة الضغوط التي تواجه الشركات متعددة الجنسيات العاملة بالسوق المحلية، في ظل تصاعد التكاليف وعدم كفاية الزيادات السعرية لمواكبتها.
غريب: «تركيبة المبيعات» العامل غير المرئي وراء ضعف تحسن الربحية
وقال عبد الرحيم غريب، مدير علاقات المستثمرين بشركة «إيبيكو»، إن عدم انعكاس الزيادات السعرية التي أُقرت مطلع العام على هوامش ربحية شركات الأدوية يرجع إلى مجموعة من العوامل، موضحًا أن العامل الأهم والأقل وضوحًا يتمثل في «تركيبة المبيعات» أو ما يُعرف بـ Marketing Mix.
أوضح غريب أن الشركات تمر بفترات ترتفع فيها مبيعات منتجات ذات طابع تصديري أو قيمة مضافة أعلى، ما ينعكس إيجابًا على هوامش الربحية، بينما تشهد فترات أخرى تركّز المبيعات في منتجات أقل ربحية، وهو ما يؤدي إلى تراجع الهوامش، معتبرًا هذا العامل من الأسباب “غير المرئية” التي غالبًا ما يتم تجاهلها عند تقييم أداء القطاع.
وأضاف أن الضغوط لا تقتصر على هيكل المبيعات، بل تمتد إلى عوامل التكلفة، وفي مقدمتها اضطرابات سلاسل التوريد، إلى جانب الزيادات في أسعار المحروقات، التي أثّرت بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج.
أشار إلى أن الزيادات السعرية عادة ما تأتي انعكاسًا لزيادات في التكلفة حدثت قبلها بفترة قد تصل إلى عام، وليس استجابة فورية للمتغيرات الحالية.
ولفت إلى أن «إيبيكو» تعمل حاليًا على تعميق وتوطين صناعة الخامات الدوائية محليًا، بهدف خفض الفاتورة الاستيرادية وتقليل الضغط على العملة الصعبة، فضلًا عن تقليص زمن تدبير الخامات ودعم استدامة الإنتاج.
رشاد: الزيادات السعرية لم تستوعب القفزة الدولارية في التكلفة
من جانبه، قال عادل رشاد، مدير علاقات المستثمرين بشركة «سبأ»، إن الزيادات السعرية التي أُقرت لم تكن كافية لاستيعاب الارتفاع الكبير في التكلفة، بما يسمح بتحقيق تحسن فعلي في هوامش الربحية.
وأوضح رشاد أن صناعة الدواء تعتمد بشكل أساسي على استيراد المواد الخام، ما يجعل التكلفة مرتبطة مباشرة بسعر صرف الدولار، وبالتالي فإن أي زيادات سعرية محدودة لا تنجح في امتصاص تلك الأعباء المتزايدة.
شفيع: تباطؤ التسعير أعاد أزمة النواقص ودفع بعض الشركات للتصدير
ويرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة «عربية أون لاين»، أن زيادات تسعير الدواء لم تواكب الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج، ما حال دون انعكاسها بصورة واضحة على هوامش ربحية الشركات.
وأوضح شفيع أن هذه الزيادات ساهمت جزئيًا في تحسين الإيرادات، لكنها لم تُحدث فارقًا ملموسًا على مستوى الربحية، مشيرًا إلى أن الشركات لا تزال بحاجة إلى زيادات سعرية إضافية تتناسب مع مستويات التكلفة الحالية.
وأشار إلى أن تباطؤ وتيرة الزيادات السعرية، في ظل تعامل حكومي حذر مع ملف تسعير الدواء باعتباره قضية استراتيجية، أسهم في عودة أزمة نقص بعض الأصناف، حيث لجأت بعض الشركات إلى توجيه جزء من إنتاجها للتصدير، باعتباره أكثر جدوى وربحية مقارنة بالسوق المحلي في ظل القيود السعرية المفروضة.








