بقلم/ جاستين فوكس
كاتب مقالات رأى لدى “بلومبرج”
هناك دول على هذه الأرض، تفرض ضرائب على مواطنيها بقدر أكبر من الولايات المتحدة، وكانت أكثر الأماكن التى احتلت المراكز الأولى لتصنيف منطقة التعاون الاقتصادى والتنمية لإيرادات الضرائب كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى فى 2017، هى فرنسا (46.2%)، والدنمارك (46%)، وبلجيكا (44.6%) والسويد (44%)، وفنلندا (43.3%)، وشكلت النسبة في الولايات المتحدة 27.21% من الناتج المحلى الإجمالى، أى فى المركز الواحد و30 من أصل 36 عضواً فى المنظمة، وتشمل نسبة الـ 27.1% ضرائب، الولايات والمراكز البلدية، ولا تحتسب التخفيضات الضريبية الكبيرة التي أقرها الرئيس، دونالد ترامب، فى ديسمبر 2017.
وقمت بمراجعة إحصائيات الضرائب تلك لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية عدة مرات على مدار السنوات القليلة الماضية، وربما يرجع ذلك إلى أننى احب مراجعة الإحصائيات، لكن أيضاً لكيى اختبر ادعاءات ترامب المتكررة بأن الضرائب في الولايات المتحدة مرتفعة بشكل غير طبيعى، ومع ذلك، كان معظم الحديث مؤخراً عن رفع الضرائب لتمويل برامج الديمقراطيين، وكانت الزيادات فى معظم الحالات تستهدف فاحشى الثراء.
وأعتقد أنه ربما حان الوقت لعرض كيف أن الدول التى تجمع الكثير من الأموال من الضرائب أكثر من الولايات المتحدة، تتعامل مع رفعها.
وتجمع الولايات المتحدة إيرادات أعلى بكثير من متوسط دول المنظمة من ضرائب الدخل الشخصى، ولكن في الواقع، تجمع فنلندا والسويد والدنمارك أكثر بكثير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالى، فكيف يفعلون ذلك؟
بالتأكيد من خلال فرض ضرائب اعلى على شرائح الدخل الأعلى، وأيضاً من خلال تقييم هذه الضرائب الأعلى على مجموعة أوسع بكثير من دافعى الضرائب، مقارنة بحالة الولايات المتحدة، وكلما كان مضاعف متوسط الأجر الذي ينطبق عليه ضريبة الدخل الأعلى صغيراً، كان نظام ضرائب الدخل أقل تقدمية، و”التقدمية” فى هذه الحالة تعني أن الضرائب ترتفع مع ارتفاع الدخل.
وفي الدنمارك، كانت أعلى شريحة لضريبة الدخل البالغة 55.8% تنطبق على دخل يبلغ 77.730 دولار فقط العام الحالى، أما فى الولايات المتحدة، فتطبق أعلى ضريبة فيدرالية بنسبة 37% على دخل يبلغ 510.300 دولار، وما يثير الاهتمام أن هذه الدول التي لديها انظمة ضرائب دخل اكثر تقدمية عن الولايات المتحدة (فرنسا واليابان والمكسيك)، تجمع إيرادات أقل بكثير من ضرائب الدخل الشخصي من الولايات المتحدة، ويكمن الاختلاف الرئيسى بين الولايات المتحدة والدول مرتفعة الضرائب فى الضرائب على البضائع والخدمات، فجميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بخلاف الولايات المتحدة، لديهم ضرائب قيمة مضافة على البضائع والخدمات فى كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
وتأتى إيرادات الاستهلاك المتواضعة نسبيا في الولايات المتحدة من الضرائب التي تفرضها الولايات والبلديات المحلية والضرائب الفيدرالية غير المباشرة على الوقود وتذاكر الطيران، والتبغ، والكحول وخلافه، ويحب كثير من الاقتصاديين، الضرائب الاستهلاكية لأنها لا تحبط العمل والاستثمار، وإنما تميل الضرائب إلى أن تكون “رجعية” (أى تنخفض الضربية مع زيادة الدخل)، وينفق الفقراء من دخلهم على السلع والخدمات قدراً أكبر، مما يفعل الأغنياء.
أما خصومات التأمينات الاجتماعية والضرائب لمدخرات التقاعد والرعاية الصحية وتأمين البطالة وغيرها من الأغراض تكون أقل تقدمية عن ضرائب الدخل، وتعتمد الدول مرتفعة الضرائب بشدة عليها، فى حين لا تعتمد أمريكا عليها بقدر أقل.
ماذا إذن بشأن فرض ضرائب مباشرة على الأغنياء؟
هناك القليل جداً من الضرائب المباشرة فى العالم (فرنسا كانت لديها واحدة ولكن ألغتها العام الماضي) لدرجة أن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية تتبع الضرائب على الأملاك التى تتضمن ضريبة على صافى الثروة وأيضاً على العقارات والهدايا والموروثات والصفقات المالية والرأسمالية.
وتعد ضرائب الأملاك الأمريكية على الأغلب ضرائب على العقارات، وتبلغ نسبتها 4% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى نسبة ليست بكبيرة، ولكن فى بعض الأماكن عالية الضرائب، تكون مرتفعة بالفعل.
وتضغط ضرائب الثروة، كما أشار زميلى كاتب المقالات فى “بلومبرج”، نواه سميث، الشهر الماضى، على الطبقة المتوسط بقدر أكبر من الأغنياء، لأن الاغنياء يملكون معظم ثرواتهم في الأسهم وليس المنازل، ومع ذلك، لاتزال تلك الضرائب ضرائب على الأغنياء، وهى أعلى في الولايات المتحدة من كل الدول الأعضاء فى المنظمة باستثناء دولتين، كما أنها أعلى بكثير من دول شمال أوروبا عالية الضرائب.
وبشكل عام، يكون لدى الدول التى تجمع إيرادات ضريبية أعلى من الولايات المتحدة، ضريبة أعلى على أكبر الدخول، ولكن أنظمة ضرائب دخل أقل تقدمية، وتعتمد أنظمتهم على الإنفاق وليس على سياسة الضريبة التى تساعد الفقراء وتكافح عدم المساواة فى الدخل، وإجمالاً سار ذلك بشكل جيد.
وقال الاقتصادى بيتر إتش لينديرت: “لا توجد تكلفة صافية واضحة على الناتج المحلى الإجمالى نتيجة الإنفاق الاجتماعى القائم على الضرائب العالية”، مضيفاً أن أحد أسباب ذلك، أن استراتيجيات الضرائب فى الدول ذات ميزانيات الخدمات الاجتماعية العالية تكون أكثر دعماً للنمو وأقل تقدمية، مما يعتقد الكثيرون.
وبالفعل، لدى الولايات المتحدة بعض الثغرات الضريبية التى لا توجد فى الدول الأوروبية الأصغر، ولكن سيكون الأمر مزعجاً للأغنياء أن يتركوا الولايات المتحدة بسبب الضرائب عن ترك فنلندا على سبيل المثال، كما أن أمريكا سوق ضخمة سترغب الشركات والمستثمرين، فى البقاء فيها أياً كان هيكلها الضريبى.
وسيكون لفرض ضرائب جديدة على فاحشى الثراء فوائد عديدة بخلاف جمع الكثير من الأموال، ولكن إن كان جمع الكثير من الأموال هو الهدف، فإن أفضل نهج ضرائب بدا أنه نجح جيداً فى أماكن أخرى هو ذلك الذى يتضمن جعل معظم الناس يدفعون.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”