بالتزامن مع الدفعة التى يتلقاها قطاع التكنولوجيا من الذكاء الصناعى، العمالقة ومنهم “مايكروسوف”، و”ألفا بت” لا يحققون فقط مكاسب دراماتيكية.. لكن أيضًا يغيرون منحنى التطور التكنولوجى.
جلبت الموجات الأولى فى العصرالرقمي، أسماء جديدة على قمة خريطة أسهم التكنولوجيا، لكن عقب الانهيار عام 2000، عدد قليل من الشركات فقط بدأ فى ترسيخ أقدامه، وبقي على القمة مع صعود الإنترنت على الهاتف المحمول فى 2010، وازدهرت أسهمهم من جديد هذا العام مع جنون الذكاء الصناعى، وبدأ الاضطراب فى الصناعة يتلاشى رغم أنه كان الأجدر به أن يكون أقوى.
وبنظرة على الوضع التاريخى، نظرت على الموجات السابقة للإبداع، بداية من ظهور الحواسب الكبيرة فى أواخر الستينيات إلى الحواسيب الشخصية فى أوائل الثمانينيات، والإنترنت فى الألفينيات، والذكاء الصناعى هذا العام، وبالرجوع إلى الرابحين من ذروة كل موجة، ظهرت حقيقة أن قادة الذكاء الصناعى كانوا الأقدم والأكثر سيطرة مقارنة بالرابحين فى الماضى.
حينما بلغت موجة الحواسيب الكبيرة ذروتها فى 1969 كان سوق التكنولوجيا به 25 سهما، والقادة كانوا مزيجا من مصنعى الآلات القديم، مثل شركة “بوروز”، ومنتجون جدد مثل “دى إيه سى”، والتى تجنبت استخدام لفظ “كمبيوتر” لأنه كان بمثابة راية حمراء للمستثمرين، وكان متوسط عمر أكبر خمس شركات نحو 40 عاما.
وانخفض متوسط العمر للشركات الخمس الكبار إلى 28 عاما مع ذروة الحواسيب الشخصية فى 1983، بفعل دخول لاعبين جدد ومنهم “أبل” والتى تم تأسيسها قبل الذروة بسبع سنوات، و”تاندون” وكانت قد سبقت “أبل” بعام.
وفى 2000 تراجع متوسط العمر من جديد إلى 12 عاما، حينما كان أقدم الخمس الكبار قد تأسس قبل 19 عاما قبل الذروة، وأحدثهم تم عامه الرابع فى الألفينيات.
وأثناء ذلك لم تستقر شركة بين الخمس الكبار خلال موجتين متتاليتين، لكن منذ عام 2000، بدأت الأسماء تلعب لعبة الكراسى الموسيقية، فالشركات نفسها باتت تتبادل القمة.
فأكبر 5 شركات، وأكثرهم جاذبية يشملون، “ألفابت”، و”مايكروسوفت” والتى أطلقت تطبيقات مشهورة للذكاء الصناعى التوليدى، وأيضًا هناك “أبل” و”أمازون” اللتان يجزم المستثمرون أنهما ستؤدون بشكل جيد لأن تطوير الذكاء الصناعى يتطلب موارد كبيرة ومخازن للبيانات.
ومع تزايد التفاؤل بشأن آفاق الذكاء الصناعى، ربما أكثر من التفاؤل بالإيرادات الفعلية منه، يراهن المستثمرون أن العمالقة سيحكموت لفترة طويلة، وبات متوسط عمل أكبر 5 شركات حاليًا نحو 40 عاما تقريبًا، مع عدم دخول وافدين جدد تقريبًا.
وفى ذروة الموجات السابقة، كان أكبر 5 شركات تكنولوجيا والتي تمتلك أكبر زخم سعرى لأسهمها تمثل نحو 1.3% من القيمة الإجمالية لمؤشر ستاندرد أند بورز 500، وكان ذلك تحديدًا عام 2000.
أما اليوم فتمثل نحو 20%، و”أبل” بمفردها تمثل 7%.
ورغم أنه بالعادة كلما كان حجم الشركة كبيرا، كان نموها أصعب، لكن بنهاية العام الماضى، “أبل” و”مايكروسوفت” بلغت قيمتهما مجتمعة 5.7 تريليون دولار، وهي أكثر من قيمة كافة أسهم التكنولوجيا فى 2000 والبالغ عددها 1850 شركة.
ونصيب أسهم أكبر 10 شركات الآن عند أعلى مستوى منذ 1970.
وتعي الحكومات ما يحدث، وتحاول أن تحتويه.. لكن دون جدوى.
ولذلك يجب تعزيز منافسة أكبر والحد من التركز دون تدمير الشركات الكبرى، فبعد كل شىء، العمالقة ضخوا استثمارات ضخمة، والتى جلبت الحياة للذكاء الصناعى، الذى ربما يؤتي ثماره بزيادة الإنتاجية والازدهار.
من هذا المنطلق، تبدو وكأنها “احتكارات جيدة”، من النوع الذي يبرر الأرباح الهائلة من خلال المساهمات في الاقتصاد، وليس كل كبير سىء، خصوصاً إذا كان يركز على الابتكار أكثر من الهيمنة – ولكن أيهما هو الآن؟
ويبدو أن جهود الحكومة لتنظيم القطاع أتت بنتائج عكسية فى ترسيخ اللاعبين الحاليين بدلًا من السماح بدخول مزيد من المنافسين.
فالقوانين التى تم تصميمها لحماية خصوصية العملاء، جعلت تكاليف التشغيل مرتفعة على شركات التكنولوجيا، ومنحت العمالقة فرصة جديدة لترسيخ أقدامهم من خلال جماعات الضغط.
وفى نحو عقد، أنفقت شركات الإنترنت فى الولايات المتحدة دولارات كثيرة على جماعات الضغط وصلت إلى 100 مليون دولار، وجاءت أكبر 3 شركات تكنولوجية بين قائمة أكثر 10 شركات أمريكية انفاقًا على جماعات الضغط، وكانت “أمازون” و”ميتا” فى المركزين الأول والثانى.
وبهذا المنظور يمكن أن تراهم كمثال سىء للاحتكار، ذلك النوع الذى يهيمن عبر النفوذ السياسى، لكن فى كلا الحالتين، كلما زادت فترة الاحتكار ات، قلت فرص أن يكون نفعها أكبر.
فلا توجد أى مساهمة يمكنهم تقديمها للمجتمع بوسعها تعويض انخفاض المنافسة والتركز الشديد خاصة فى صناعة تتغذى على عدم الاستقرار والتطور.
وحقيقة تصدر عمالقة التكنولوجيا لموجة جديدة من الابتكار التكنولوجى يشير إلى خلل كبير فى النظام.
بقلم: روتشر شارما
رئيس شركة روكفيلر إنترناشيونال
المصدر: فاينانشيال تايمز








