كشف التقرير الثالث لمتابعة تنفيذ “وثيقة سياسة ملكية الدولة” عن تحول جذري في أداء برنامج الطروحات الحكومية، مدفوعًا بصفقة “رأس الحكمة” التي أبرمتها الحكومة مع شركة “القابضة” (ADQ) الإماراتية.
وأظهرت الوثيقة الرسمية أن نسبة إنجاز البرنامج قفزت إلى 244.8% من المستهدفات بعد احتساب الصفقة، مما يعكس تجاوز البرنامج لأهدافه المعلنة من حيث جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبلغت الحصيلة الإجمالية للطروحات خلال الفترة من مارس 2022 حتى يونيو 2025 نحو 5.86 مليار دولار. وفي حال استبعاد صفقة رأس الحكمة، تصل نسبة الإنجاز إلى 48% من المستهدف البالغ 12.2 مليار دولار، وهو ما يسلط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته الصفقة في تسريع وتيرة تحقيق أهداف الدولة.
وأشار التقرير إلى أن وثيقة سياسة ملكية الدولة تستهدف تمكين القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد إلى 65% بحلول 2025/2026. فالطروحات الحكومية لم تُصمم فقط لتوفير سيولة أو دعم رصيد الاحتياطي النقدي، بل كأداة لإعادة هيكلة الأصول وتعميق سوق المال وجذب مستثمرين جدد محليين ودوليين، ما يسهم في توسيع قاعدة الملكية وتحسين كفاءة إدارة الشركات العامة.
ولتوفير خريطة واضحة للمستثمرين، حددت الحكومة قائمة تضم 35 شركة مستهدفة للطرح، بعد إضافة “الشرقية للدخان” و”العز الدخيلة للصلب” و”المصرية للاتصالات” إلى القائمة الأولية.
كما أنشأت وحدة مركزية للطروحات برئاسة مجلس الوزراء لمتابعة التنفيذ بشكل مباشر، وأسندت إليها مهمة اختيار بنوك الاستثمار والمستشارين القانونيين، وتصميم خطط تسويقية لكل طرح، فضلاً عن التعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية في يونيو 2023 لتقديم الدعم الفني وصياغة استراتيجية متكاملة للتنفيذ.
وقسمت الحكومة البرنامج إلى أربع مراحل زمنية تغطي الفترة من مارس 2022 حتى يونيو 2025، لكل مرحلة مستهدفات مالية وزمنية محددة.
المرحلة الأولى التي امتدت حتى أغسطس 2022 استهدفت التخارج من ست شركات مدرجة بحصيلة قدرها 3.3 مليارات دولار، وتمكنت الحكومة من جمع 3.11 مليارات دولار بنسبة إنجاز بلغت 94.2%، عبر صفقتين رئيسيتين مع شركة ADQ الإماراتية وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
أما المرحلة الثانية استهدفت سبع شركات بحصيلة ملياري دولار وحققت 1.99 مليار دولار بنسبة إنجاز 99.5%، وشملت صفقات التخارج من باكين للبويات وحصة من العز الدخيلة للصلب إلى جانب حصص في الحفر المصرية وإيلاب وإيثيدكو.
بينما المرحلة الثالثة التي امتدت حتى يونيو 2024 فكانت الأكثر طموحاً بحصيلة مستهدفة خمسة مليارات دولار شملت أصولاً استراتيجية مثل محطة جبل الزيت لطاقة الرياح وشركتي دمياط وبورسعيد لتداول الحاويات وشركة وطنية للمنتجات البترولية، لكن تأثرت وتيرة التنفيذ بتقلبات الأسواق العالمية وظروف سعر الصرف، لتصل الحصيلة المحققة إلى 625 مليون دولار فقط بنسبة إنجاز 12.5%.
ومع بداية المرحلة الرابعة المستمرة حتى يونيو 2025 تستهدف الحكومة التخارج من أربع شركات وأصول استراتيجية بحصيلة قدرها 1.9 مليار دولار تشمل شركات أمل والشريف ومصر للأدوية وسيد للأدوية وميدور وصافي ووطنية وسيلو فودز والشركة الوطنية للطرق وتشيل آوت إلى جانب استكمال طرح محطة جبل الزيت، وقد بلغت الحصيلة المحققة حتى تاريخ إعداد التقرير نحو 142 مليون دولار بنسبة إنجاز 7.5% فقط مع استمرار العمل على تعيين المستشارين وتنفيذ الطروحات خلال النصف الأول من 2025.
ورغم أن نسبة الإنجاز الإجمالية قبل احتساب صفقة رأس الحكمة تقف عند حدود 48%، فإن التقرير يبرز أن الأثر الأوسع للبرنامج يتجاوز مجرد الأرقام، إذ ساهمت الطروحات في زيادة عمق السوق المصرية، حيث ارتفع متوسط رأس المال السوقي للبورصة إلى نحو 1.95 تريليون جنيه خلال عامي 2023 و2024 مقابل متوسط 662.7 مليار جنيه خلال العقد السابق، لترتفع نسبة رأس المال السوقي للناتج المحلي الإجمالي إلى 16.3% مقارنة بـ 12.3% في 2022، مقتربة من مستوياتها القياسية التاريخية.
كما أسهم البرنامج في توسيع قاعدة المستثمرين وزيادة السيولة وجذب مؤسسات استثمارية كبرى، وهو ما يعزز قدرة السوق على استيعاب طروحات أكبر حجماً مستقبلاً.
أكد التقرير التزام الحكومة باستكمال البرنامج كأداة رئيسية لتحقيق مستهدفات الإصلاح الاقتصادي، والوصول بمعدل الاستثمار الكلي إلى ما بين 25% و30%، وتحقيق نمو اقتصادي يتراوح بين 7% و9% على المدى المتوسط.
وأشار التقري إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد التركيز على قطاعات واعدة وذات جاذبية استثمارية عالية، مثل الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والصناعات الغذائية، والتكنولوجيا المالية.
كما سيتم إدراج شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية، مما يفتح آفاقًا أوسع للشراكة مع القطاع الخاص، مع الاستفادة من الدروس المستخلصة والنجاحات السابقة، مثل الإقبال الكبير على طرح “المصرف المتحد” الذي تمت تغطيته 59 مرة.








