اتفق خبراء مصرفيون على أن كبار العملاء هم الأكثر تأثيرًا في دعم المراكز المالية لدى البنوك، مؤكدين أن أهمية تلك الشريحة لا تقتصر فقط على ارتفاع حجم الودائع، بل هي ركيزة استراتيجية لارتفاع الربحية وتُحسن جدارة المحافظ، بالإضافة إلى تعزيز الثقة في البنوك.
بينما تباينت آراء الخبراء، حول طبيعة المنافسة على شريحة كبار العملاء في السوق المصرية.
وقال أحمد شوقي، الخبير المصرفي، إن البنوك في الفترة الأخيرة بدأت إنشاء وحدات متخصصة داخل كل فرع، تكون مسئولة عن العملاء الكبار، ويتم تصنيف هؤلاء العملاء بناءً على حجم أرصدتهم من الودائع، وهو المعيار الأساسي والرئيسي للتصنيف.
وأضاف أن زيادة حجم الأرصدة تستلزم تقديم معاملة خاصة لا يمكن مقارنتها بمعاملة العملاء العاديين، إذ تركز وحدات خاصة على تلبية احتياجاتهم من خلال برامج وخدمات مصممة خصيصًا لتتناسب مع أرصدتهم وأنماط استخداماتهم المالية وتعمل باستمرار على دراسة سلوك العميل لضمان الاحتفاظ به، من خلال تقديم معدلات عوائد تنافسية مقارنة بالسوق.
وأوضح أن كبار العملاء غالبًا ما يحتفظون بأرصدتهم لفترات طويلة، عكس العملاء ذوي الأرصدة الصغيرة أو المتوسطة، الذين يستخدمون حساباتهم على المدى القصير ويجرون عمليات سحب وإيداع متكررة.
أكد شوقي أن العملاء المقترضين ممن لديهم حدود ائتمانية كبيرة، يحظون بمعاملة مميزة، إذ يتم رفع حدود البطاقات الائتمانية لتسهيل معاملاتهم وتوفير الوقت والجهد، كما قد يحصلون على خصومات على العمولات تحفيزًا لهم، نظرًا لحجم تحويلاتهم، مشيراً إلى أن وحدات كبار العملاء تسعى دائمًا لتسهيل المعاملات وجعلها أسرع وأكثر مرونة.
واستنكر شوقي وجود صراع بين البنوك لجذب كبار العملاء، موضحًا أن طبيعة تلك الشريحة داخل البنوك الحكومية تختلف عن نظيرتها في القطاع الخاص، ويعود ذلك إلى انتماء العملاء للبنك وثقتهم في نوع البنك الذي يتعاملون معه.
« سليمان »: تنافسية الأسعار والمزادات الخفية يوجهان ولاء العملاء للبنوك
بينما يرى أيمن سليمان، الخبير المصرفي، أن صراع البنوك المصرية على عملاء الـ ” VIP ” هو منافسة شرسة ترتكز على تقديم تجربة مصرفية شخصية وحصرية لهذه الفئة من العملاء بهدف تأمين السيولة الكبيرة والولاء طويل الأمد لهذه الشريحة التي تمثل نسبة كبيرة من صافي أرباحها.
وأوضح أن هناك ما يشبه “صراع أسعار” و”مزاد خفي” بين البنوك على شريحة كبار العملاء، والذي لا يتم بشكل معلن أو رسمي، مؤكداً أن العملية غالبًا ما تتم عبر مفاوضات فردية وحساسة للغاية.
أضاف سليمان، أن البنوك تُحقق من شريحة كبار العملاء عائداً فعلياً مرتفعاً ، رغم منحهم أسعاراً تفضيلية، ويكمن سر الربحية في هذه الشريحة في الحجم ونوع الخدمات التي يحصلون عليها وليس في الهامش الضيق على سعر المنتج الواحد.
وأشار إلى أن البنوك المصرية تتفق بشكل عام على مفهوم ” العميل ذو الثروة العالية ” .. لكنها تختلف في المعايير والحدود الفاصلة لتصنيف العملاء وفقًا لمستويات الخدمة المقدمة، موضحاً أن المعيار الحاسم للتصنيف هو إجمالي الأموال المدارة، إذ يُحتسب بناءً على مجموع أصول العميل داخل البنك، ويُقاس عادةً بالجنيه المصري أو ما يعادله بالعملات الأجنبية.
وأكد أن البنوك تقدم أيضًا حلول إدارة ثروات وقيمة مضافة، تشمل تسهيلات ائتمانية وقروضًا بشروط مرنة، بطاقات فاخرة عالمية تمنح امتيازات دولية، بالإضافة إلى التأمين البنكي لتوفير حلول تأمينية متكاملة للعميل وعائلته.
أضاف سليمان، أن أحد أبرز أسباب انتقال أحد كبار العملاء هو فشل العلاقة الشخصية، سواء بسبب ضعف استجابة مسئولي العلاقات أو افتقاره للخبرة والصلاحيات اللازمة لإنهاء المعاملات الكبيرة بسرعة.
كما أشار إلى أن التغير المفاجئ في المعايير، مثل شعور العميل بفقدان الأولوية أو التقدير، يدفعه للبحث عن بنك آخر يوفر له تجربة أفضل.
وأضاف أن محدودية الحلول الاستثمارية، مثل غياب صناديق إدارة الثروات المتخصصة أو استشارات الأسواق العالمية، قد تجعل العميل يبحث عن بنوك أخرى تقدم حزمة متكاملة لإدارة وتنمية ثروته.
كما أن الخدمات الرقمية والشبكة الدولية تلعب دورًا كبيرًا في احتفاظ العميل أو انتقاله، فالأفراد الذين لديهم تعاملات دولية أو سفر متكرر يفضلون البنوك ذات الشبكة العالمية القوية لتسهيل معاملاتهم، بينما قد يؤدي ضعف الخدمات المصرفية الرقمية أو انقطاعها المتكرر إلى فقدان العميل، خاصة الشباب الذين يعتمدون بشكل كامل على التعاملات الإلكترونية السريعة.
« أبو الخير»: البنوك تجني أرباحًا مضاعفة رغم التكلفة التفضيلية
وقال أحمد أبو الخير، الخبير المصرفي، إن البنوك تحقق عوائد كبيرة من كبار العملاء رغم المزايا التفضيلية التي يحصلون عليها، مثل أسعار فائدة مميزة على القروض أو معدلات مرتفعة على الودائع.
وأرجع السبب إلى ضخامة حجم ودائع هذه الشريحة، التي تشكل مصدرًا أساسيًا لتمويل القروض والاستثمارات، ما يولد عائدات تفوق تكلفة المزايا المقدمة لهم.
أضاف أن كبار العملاء يعتمدون أيضًا على مجموعة من الخدمات ذات العمولات المرتفعة، مثل إدارة الثروات، وصناديق الاستثمار، والوساطة المالية، ما يوفر للبنوك مصادر دخل مستدامة وغير مرتبطة بالفائدة.
والعديد من هؤلاء العملاء يمتلكون شركات أو أعمالًا كبرى، ما يمنح البنوك فرصة للاستفادة من العلاقة المصرفية المزدوجة على المستوى الشخصي والمؤسسي.
أوضح أبو الخير، أن الحفاظ على ولاء كبار العملاء أصبح تحديًا حقيقيًا في ظل المنافسة القوية بين البنوك، مشيراً إلي أن البنوك تعتمد لتحقيق ذلك على استراتيجيات متعددة، أبرزها تعزيز البعد الإنساني للعلاقة المصرفية عبر مديري علاقات يقدمون استشارات مالية دورية، وتوفير صالات مصرفية متميزة وخدمات رقمية متطورة تقلل وقت المعاملات وتمنح العملاء شعورًا بالتفرد.
أضاف أن الحوافز المقدمة لجذب كبار العملاء تشمل أسعار فائدة تفضيلية على الودائع والقروض، وخدمات استثمارية متقدمة مثل إدارة المحافظ والصناديق الحصرية، وبطاقات ائتمانية فاخرة، إضافة إلى تطبيقات مصرفية مخصصة لإدارة الأصول والاستثمارات، بما يدمج بين المزايا المالية والتجربة الشخصية لضمان رضا العميل على المدى الطويل.
« وجيه »: السيولة الكبيرة تمنح الفرصة لتحقيق أرباح ملموسة
وقالت شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، إن شريحة كبار العملاء تُعد من أكثر الفئات حساسية وتأثيرًا في القطاع المصرفي المصري. فهي من جهة تمثل مصدرًا رئيسيًا للودائع الضخمة، ومن جهة أخرى تتطلب تكلفة مرتفعة في الخدمة عبر أسعار فائدة تفضيلية وتسهيلات خاصة، ومن هذا التوازن بين العائد والتكلفة تنشأ المنافسة الشرسة بين البنوك على اجتذاب هذه الفئة والحفاظ على ولائها.
وأضافت أن هناك عائدًا فعليًا ضخمًا تحققه البنوك من كبار العملاء، فرغم ما يحصلون عليه من أسعار فائدة تفضيلية وتسهيلات غير متاحة لبقية الشرائح، إلا أن السيولة الكبيرة التي يضخونها في شكل ودائع واستثمارات تمنح البنوك قدرة عالية على توظيف هذه الأموال وتحقيق أرباح ملموسة.
وتابعت وجيه، أن هذه الفئة تتيح فرصا واسعة لتقديم منتجات استثمارية وصناديق واستشارات مالية بعوائد متضاعفة، إلى جانب تعزيز القوة التنافسية للبنك ورفع سمعته السوقية.
وأوضحت أن الحفاظ على ولاء كبار العملاء أصبح تحديًا حقيقيًا في ظل المنافسة الشرسة بين البنوك، ما دفع المؤسسات إلى اتباع أساليب أكثر تخصيصًا ومرونة، وتشمل تعيين مدير علاقات مصرفية شخصي لكل عميل، وتوفير قنوات تواصل مباشرة وسريعة، إلى جانب تقديم خدمات واستشارات مالية وحلول استثمارية مبتكرة.
وشددت على أن المنافسة على هذه الشريحة لا تتعلق فقط بالودائع أو القروض، بل تُعد معركة متكاملة على الثقة والولاء. ورغم ما قد يراه البعض من ارتفاع تكلفة خدمة كبار العملاء، فإن عوائدهم الاستراتيجية بعيدة المدى تجعلهم «الكنز الحقيقي» الذي تتسابق البنوك على امتلاكه.
وأشارت إلى وجود حركة مستمرة لانتقال بعض كبار العملاء بين البنوك، ويأتي في مقدمتها السعي للحصول على أسعار فائدة أو شروط أكثر ملاءمة، إضافة إلى مستوى الخدمة المصرفية من حيث السرعة والمرونة والمتابعة.








