شهد السوق العقاري، خلال السنوات القليلة الماضية تحولًا جذريًا في أساليب التسويق والبيع، بعدما أصبح التسويق الإلكتروني أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المطورون والشركات العقارية في الوصول إلى العملاء، محققًا طفرة ملحوظة في حجم المبيعات عبر المنصات الرقمية.
ورغم هذا التطور، إلا أن غياب التنظيم والرقابة على الإعلانات العقارية الإلكترونية فتح الباب أمام ممارسات غير مهنية وإعلانات مضللة، ما أثار مطالبات بضرورة وضع إطار قانوني واضح ينظم النشاط ويحافظ على ثقة المتعاملين في السوق.
قال علاء الشيخ خبير التسويق العقاري، إن التسويق الإلكتروني أسهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة في زيادة المبيعات بشكل ملحوظ، خاصة عبر منصتي “فيسبوك” و”جوجل” ومحركات البحث.
وأوضح أن هذه الوسائل أسهمت في رفع معدلات البيع بنسبة تتراوح بين 30 و40%، إذ تعد وسيلة فعالة وأقل تكلفة مقارنة بالقنوات التقليدية مثل المعارض والإعلانات الخارجية.
أضاف الشيخ، أن التسويق الإلكتروني جذب فئات جديدة من المستثمرين والمشترين، بفضل التقنيات التي تتيح توجيه الإعلانات بدقة إلى الفئات المستهدفة، مؤكدا أن التسويق الإلكتروني لم يؤثر على شكل المنافسة بين الشركات، لكنه أدى إلى زيادة المبيعات بشكل عام.
وأشار إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه السوق في تنظيم الإعلانات العقارية، غياب الرقابة على المحتوى الإعلاني، وانتشار بعض الإعلانات المضللة التي تستهدف جمع بيانات العملاء، مما يضر بسمعة الشركات العاملة في المجال.
ولفت إلى أن جهاز حماية المستهلك يتلقي الشكاوى الخاصة بالإعلانات العقارية، إلى جانب منظومة “NTRA” التي تظهر للمواطن ما إذا كان المتصل به مسوقًا عقاريًا أو مطورًا أو جهة تسويقية، ويتم غلق الخط في حال ورود شكاوى متكررة.
وأكد أن هذه الخطوات تمثل بداية لتنظيم السوق، لكنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوضوح والقوة في التنفيذ.
أوضح الشيخ، أن السوق العقاري المصري يواجه تحديات أمام التحول الرقمي الكامل، من أبرزها ضرورة تأهيل العاملين في المجال، وتوحيد البيانات من مصادر رسمية موثوقة، وضمان مصداقية المطورين، إلى جانب أهمية وجود جهة تنظيمية تمنح تراخيص أو شهادات للمسوقين العقاريين لضمان جودة الأداء والمهنية.
المنشاوي: لا توجد جهة تتولى المتابعة أو فرض عقوبات على المخالفين
وقال رضا المنشاوي مدير قطاع التسويق والمبيعات بشركة ديارنا العقارية، إن وسيلتا التسويق الإلكتروني والمعارض العقارية أصبحت المحرك الرئيس للسوق العقاري في الوقت الراهن، إذ يستحوذ التسويق الإلكتروني على 70 ـ 75% من إجمالي المبيعات.
وتعد منصات التواصل الاجتماعي خصوصا “فيسبوك” و”إنستجرام” و”تيك توك”، إلى جانب المواقع العقارية المتخصصة مثل “عقار ماب”، من أبرز الأدوات المستخدمة في تسويق وبيع الوحدات العقارية.
لكن توسع الاعتماد على هذه المنصات خلق حالة من الفوضى في السوق، نتيجة غياب الرقابة وضعف التحقق من دقة المعلومات والإعلانات المنشورة.
ويُعد غياب جهة تنظيمية مختصة بالإعلانات العقارية، أحد أبرز التحديات التي تواجه السوق حاليًا، إذ لا توجد جهة تتولى مهمة المتابعة أو فرض العقوبات على المخالفين.
أكد المنشاوي أن تنظيم السوق لا يتطلب حلولًا جديدة، مشيرًا إلى أن هناك تجارب ناجحة في دول عدة، منها الإمارات والبحرين وقطر التي تعتمد على هيئة التنظيم العقاري (RERA)، وكذلك الولايات المتحدة التي تنظم النشاط من خلال الرابطة الوطنية للوكلاء العقاريين (NAR).
أضاف أن التنظيم في تلك الدول يمتد ليشمل جميع مراحل النشاط العقاري، بدءًا من العقود والإعلانات والمعلومات، وحتى ترخيص الوسطاء والمسوقين، بحيث تكون جميع العمليات موثقة ومرقمة من قبل الدولة.
وشدد على ضرورة إنشاء جهة رقابية مصرية تمنح تراخيص وشهادات مزاولة للمسوقين العقاريين لضمان المهنية وجودة الأداء.
وأشار المنشاوي، إلى أن تراجع ثقة المواطنين في الإعلانات العقارية يستلزم تفعيل منظومة التسجيل العقاري، ومنح كل وحدة كود -رقمًا قوميًا عقاريًا-، للحد من ظاهرة الإعلانات المضللة التي تروج لعقارات غير موجودة أو غير حاصلة على قرارات وزارية. كما طالب بوجود آلية فعالة للرقابة والرصد والمتابعة داخل السوق العقاري الإلكتروني.
وأوضح أن السوق المصري لا يزال غير مؤهل للتحول الرقمي الكامل، رغم أن التسويق الإلكتروني أتاح فرصًا أكبر للشركات الصغيرة في الظهور والمنافسة أمام الشركات الكبرى.
وتابع: “جهاز حماية المستهلك لا يمتلك الصلاحيات الكاملة للتعامل مع المطورين العقاريين، ولم يعد قادرًا على التصدي لمعظم الشكاوى العقارية”.
ولفت إلى أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت عددًا من المقترحات لتنظيم السوق العقاري، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
عبدالمنعم: تنظيم السوق يحتاج آليات محددة مثل كود خاص للمشروع
وأكد إبراهيم عبدالمنعم، رئيس شركة يونايتد كونسالتنج للتسويق العقاري أن التسويق الإلكتروني أصبح المحرك الرئيسي للسوق العقاري المصري في الفترة الأخيرة، إذ تعتمد عليه الشركات بنسبة تصل إلى 75% من إجمالي المبيعات، ما أسهم في زيادة حجم المبيعات بنسبة تتراوح بين 25 و30%.
وأوضح أن المنصات الإلكترونية مثل “عقار ماب” و”OLX” ، بالإضافة إلى الحملات التسويقية المتخصصة التي تديرها الشركات عبر مواقعها الخاصة، تعد من أبرز الأدوات التي تمكن الشركات من الوصول إلى الفئات المستهدفة بدقة، سواء داخل مصر أو خارجها، مع توجيه الإعلانات أحيانًا لفئة العاملين بالخارج بغرض جذب استثمارات عقارية تحت شعار تصدير العقار.
وشدد عبدالمنعم على ضرورة توخي الحذر عند اختيار المسوقين ذوي الخبرة المحدودة، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص قد ينشئون شركات وهمية ويستخدمونها في تنفيذ عمليات نصب عبر الإعلانات الإلكترونية، ما يعرض المستهلكين لمخاطر الشراء من مشاريع وهمية أو تعرضهم لخداع معلوماتي.
وأوضح أن استشارة خبراء موثوقين في السوق قبل شراء أي وحدة عقارية تعد خطوة أساسية لتجنب الوقوع في فخ الإعلانات المضللة.
ولفت إلى أن السوق المصري يملك الإمكانات للتحول الرقمي الكامل، مشيرا إلى أن فترة جائحة كورونا كانت بمثابة اختبار حقيقي، إذ عملت جميع الشركات بقوة على إدارة عمليات البيع والتسويق عبر الإنترنت، ما أثبت قدرة السوق على الاستمرار والنمو خلال التحول الرقمي.
أضاف عبدالمنعم أن تسهيل دخول الشركات الصغيرة للسوق الإلكتروني أصبح ممكنًا.. لكن العملاء لا يزالون يميلون للشراء من الشركات الكبرى والعلامات التجارية المعروفة لضمان جودة المشروع وموثوقية المعاملة.
وأوضح أن المنافسة بين الشركات الصغيرة والكبيرة في ظل التسويق الإلكتروني تمنح السوق مزيدًا من الحيوية، إلا أنها تتطلب وجود أطر تنظيمية واضحة لضمان المصداقية وحماية المستهلك.
واختتم عبدالمنعم، بالإشارة إلى أن تنظيم السوق يحتاج إلى آليات محددة مثل وجود كود خاص لكل مشروع، سجل تجاري وختم إلكتروني، لضمان استقرار السوق ومنع دخول المسوقين العشوائيين الذين قد ينشرون إعلانات مضللة، مؤكدا أن هذا التنظيم يمثل خطوة أساسية نحو سوق عقاري أكثر أمانًا وشفافية.
الطماوي: السوق لا يزال يفتقر إلى منصة موحدة تضم كل المعروض
وقال الدكتور عمرو الطماوي عضو مجلس إدارة شركة بيتا للتطوير العقاري ورئيس القطاع التجاري، إن التسويق الإلكتروني لم يعد أداة مساعدة كما كان في السابق، بل أصبح قناة رئيسية للتواصل مع العملاء والوصول إلى شرائح جديدة من الجمهور، مشيرًا إلى أنه يتيح نطاقًا أوسع من الانتشار مع القدرة على تحديد الجمهور المستهدف بدقة عالية.
وأوضح أن نجاح أي حملة تسويقية رقمية يعتمد على تحديد الهدف والجمهور والرسالة والقناة المناسبة، لافتًا إلى أن الفوضى الإعلانية على مواقع التواصل أفقدت بعض العملاء الثقة في الإعلانات العقارية، خاصة بعد انتشار مكالمات تسويقية غير فعّالة أو وهمية، وهو ما تسبب في عزوف البعض عن التسجيل أو التفاعل مع الحملات الإعلانية.
أضاف الطماوي، أن الشركات بدأت مؤخرًا في الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير خدمة العملاء وتحسين كفاءة التواصل، من خلال ما يُعرف بـ”المسئول الإلكتروني للمبيعات”، والذي يتولى التواصل مع العميل حتى مرحلة متقدمة من عملية الشراء، قبل تحويله إلى موظف المبيعات.
وتابع أن “فيسبوك” لا يزال المنصة الأكثر نشاطًا في مجال التسويق العقاري الإلكتروني، رغم أن الشركات أصبحت تنفذ حملاتها عبر أكثر من منصة في الوقت ذاته لضمان الوصول لأكبر عدد من العملاء.
أشار الطماوي، إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه السوق حاليًا هي ضعف ثقة العملاء، ما يتطلب من الشركات تقديم محتوى حقيقي من أرض الواقع، مثل الفيديوهات الميدانية للمشروعات، لتعزيز المصداقية وكسب ثقة الجمهور.
ولفت إلى أن تشابه الرسائل الإعلانية على “السوشيال ميديا” أفقدها عنصر الابتكار، مطالبًا الشركات بتبني أفكار جديدة في المحتوى الإعلاني، وتدريب الكوادر التسويقية لفهم الصناعة بشكل أعمق.
وأوضح أن السوق المصري لا يزال يفتقر إلى منصة موحدة تضم كل المعروض العقاري كما هو الحال في بعض الدول، وهو ما يجعل التنظيم ضرورة عاجلة لضبط الأداء. فالتسويق الإلكتروني أتاح للشركات الصغيرة فرصًا للدخول إلى السوق والوصول إلى شرائح محددة من العملاء، لكنه في المقابل لم يغير حقيقة أن الشركات الكبرى ما زالت تمتلك اليد العليا بفضل الثقة والعلامة التجارية.
واختتم بأن السوق المصري قادر على التحول الرقمي الكامل طالما توافرت الإرادة والرغبة في التطوير، مؤكدًا أن مصر تمتلك الكفاءات القادرة على قيادة هذا التحول خلال السنوات المقبلة.








