شهدت مصر تحوّلاً ملموساً فى استعدادها لاعتماد الذكاء الاصطناعى فى القطاعات الصناعية والخدمية، فى ضوء جهود الحكومة والقطاع الخاص لتطوير البنية التحتية الرقمية وبناء القدرات البشرية، وتعزيز التكامل بين الصناعة والتقنيات الحديثة.
وبالرغم من التحديات التنظيمية والفنية، يرى خبراء أن الاستثمار فى الذكاء الاصطناعى يمثل فرصة كبيرة لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف وفتح مجالات جديدة لسوق العمل.
قال عماد غالى، عضو الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة، إن التوسع فى النماذج المحلية للذكاء الاصطناعى يفرض متطلبات جديدة على مستوى البنية التحتية، حتى على صعيد الأجهزة الشخصية، إذ لم تعد أجهزة الحاسوب التقليدية قادرة على تشغيل النماذج اللغوية الكبيرة محلياً.
وأضاف خلال الجلسة التى نظمتها الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة حول مستقبل الذكاء الاصطناعى فى مصر، وتأثيره على سوق العمل، أن الفجوة بين الموظفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعى وبين من يتجنبونه تتسع بسرعة، وأن المهارات التقنية باتت العامل الحاسم فى استمرارية الوظائف.
ولفت «غالى» إلى ما أعلنه وزير المالية مؤخراً بشأن بدء استخدام الذكاء الاصطناعى فى تحليل الموازنة العامة للدولة بهدف تحسين إدارة الموارد وتحديد أنماط الإنفاق، مشيراً إلى أن هذا التوجه قد يشكل نموذجاً يحتذى به فى جهات حكومية أخرى.
من جانبه، أكد محمد سامى، العضو المنتدب والمدير التنفيذى لشركة SAP مصر، أن الشركة تعتمد فلسفة دمج الذكاء الاصطناعى داخل التطبيقات التشغيلية للمؤسسات، بحيث يصبح مدمجاً فى النظام وليس طبقة إضافية.
وأوضح أن قوة هذا النهج تكمن فى الاعتماد على بيانات المؤسسة المالية والتشغيلية واللوجستية وربطها ببيانات الموردين والشركاء، ما يسمح بتوقع الأعطال وتقليل فترات التوقف وزيادة كفاءة الموارد عبر سلاسل التوريد.
وشدد «سامى» على أن جودة البيانات وتكاملها يمثلان الأساس الذى لا يمكن لأى نموذج ذكاء اصطناعى العمل بدونهما بكفاءة، مؤكداً أن المؤسسات التى ترغب فى التحول يجب أن تبدأ من بناء قواعد بيانات قوية ومنظمة.
قال الدكتور هشام فاروق، مستشار التطوير التكنولوجى بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن التحولات الجارية فى قطاع التكنولوجيا تتطلب رؤية واضحة قادرة على استيعاب التغيرات المتسارعة.
وأوضح أن إستراتيجية الوزارة تقوم على أربعة محاور رئيسية هى: البنية التحتية الرقمية، والتحول الرقمي، والابتكار ودعم الحاضنات التكنولوجية، وبناء القدرات البشرية.
ولفت إلى أن مصر نجحت، رغم التحديات الفنية التى شهدتها بعض المناطق مؤخراً، فى الحفاظ على صدارتها أفريقياً فى سرعات الإنترنت، وهو ما يمثل قاعدة أساسية لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعى بكفاءة.
وأشار «فاروق» إلى أن بوابة مصر الرقمية باتت تضم أكثر من 200 خدمة حكومية تشمل المرور والتوكيلات والشهر العقارى وغيرها، ما يعكس تقدماً فى مسار رقمنة الخدمات العامة.
أكد أن مراكز «كرياتيفا» للإبداع الرقمى المنتشرة فى المحافظات تجاوزت 22 مركزاً، وتستهدف الوزارة من خلالها دعم رواد الأعمال وتطوير مهارات الشباب.
وأضاف أن ما يزيد على 400 ألف متدرب حصلوا على برامج تدريب تكنولوجى خلال العام الماضى، مع خطة للوصول إلى أكثر من 800 ألف خلال العامين المقبلين.
وكشف «فاروق» أن المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى أصدر قبل نحو 6 أشهر نسخة محدثة من إستراتيجية الذكاء الاصطناعى، تقوم على ستة محاور تشمل تطوير البنية التحتية، وتنمية المواهب، وتعزيز التعاون مع الصناعة، وبناء منظومة متكاملة قادرة على خلق فرص عمل جديدة.
كما تستهدف الوزارة تدريب أكثر من 50 ألف شخص فى تخصصات الذكاء الاصطناعى خلال السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى رفع الوعى التكنولوجى لدى طلاب المدارس.
وأشار إلى التسارع غير المسبوق فى تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، موضحاً: «قبل عام كنا نتحدث عن الذكاء الاصطناعى التوليدي، واليوم أصبح الحديث يدور حول الذكاء الاصطناعى الوكيلي، وهو ما يتطلب استعداداً أكبر لاستيعاب هذه القفزات».
وأكد أن أغلب ركائز الثورة الصناعية الرابعة، مثل الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، ترتبط بشكل وثيق بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ما يفتح آفاقاً واسعة للتكامل مع مختلف القطاعات الاقتصادية.
من جهته، قال الدكتور هيثم حمزة، عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعى بجامعة القاهرة، القائم بأعمال مركز تقييم واعتماد هندسة البرمجيات «إيتيدا»، إن الهيئة تعمل على مسارين متوازيين؛ الأول يركز على رفع مهارات العاملين فى قطاع البرمجيات لتمكينهم من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى بكفاءة، والثانى يهدف إلى إعداد كوادر متخصصة قادرة على تطوير الخوارزميات والنماذج المتقدمة داخل الجامعات.
وأكد أن إعادة تأهيل المهارات تمثل حجر الأساس فى تطوير صناعة التكنولوجيا، وأن قياس نجاح مصر خلال السنوات المقبلة سيكون مرتبطاً بعدد الشركات الناشئة التى يطلقها خريجو التخصصات التقنية، وكذلك قدرة المؤسسات العامة على زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعى.
وقال حازم شتيلا، رئيس قسم الذكاء الاصطناعى بشركة السويدى إليكتريك، والمستشار التكنولوجى لرئيس مجلس الوزراء إن التحدى الأول لم يكن تقنياً بقدر ما كان ثقافياً، إذ واجه مقاومة داخلية ناتجة عن الخوف من فقدان الوظائف.
وأوضح أن التحديات التقنية تمثلت فى البيانات المبعثرة، وضعف جودة المعلومات، وغياب الحوكمة المؤسسية.
وأشار إلى أن إقناع الشركات بضخ استثمارات ضخمة فى الذكاء الاصطناعى يستند إلى إثبات دوره فى زيادة الإيرادات وتقليل التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية، لافتاً إلى أن المؤسسات التى تتبنى هذه التقنيات مبكراً ستكون الأكثر قدرة على المنافسة.
قال خالد سالم، الرئيس التنفيذي للتحول الرقمي بشركة سيمنس مصر، إن استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي يساهم في زيادة الإنتاجية، وتوفير الطاقة مشيرا إلى أهمية الآليات التنبؤية في القطاع الصناعي، التي تساعد على التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها، مما يقلل وقت التوقف عن العمل بنسبة تصل إلى 40%، ويزيد العمر الافتراضي للأصول ويقلل تكاليف الصيانة، كما أنها تعزز استفادة الشركات من الأصول وتحسن إنتاجيتها بشكل عام.








