سرّعت 67% من شركات التأمين عالميًا جهودها نحو التحول الرقمي، ما يشير إلى ابتعاد القطاع عن الممارسات التقليدية نحو عمليات أكثر انسيابية مدفوعة بالتكنولوجيا، حسب تقرير توقعات التأمين في 2026 الصادر عن شركة ديلويت (Deloitte) للخدمات المهنية.
يعد التحول الرقمي نقطة انتقالية مهمة نحو تحديث تجربة العملاء وتعزيز الكفاءة التشغيلية والحفاظ على القدرة التنافسية في بيئة رقمية متغيرة.
في التقرير الحالي، تستعرض “البورصة” كيفية مساهمة الرقمنة في إحداث ثورة داخل قطاع التأمين عبر مجالات متعددة.
ماذا أحدثت رقمنة التأمين في 2025؟
شكّلت رقمنة عمليات التأمين القطاع بأكمله، ما أدى إلى تحسين الكفاءة ورضا العملاء وإدارة المخاطر، ما جعل “Mordor Intelligence” لاستخبارات السوق والاستشارات، تتوقع وصول حجم سوق منصّات التأمين الرقمية إلى 229 مليار دولار بحلول 2029.
ولا يشمل ذلك الخيارات الإلكترونية فقط، بل يدمج أيضًا تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي والأتمتة، لإدارة أسلوب شراء الأفراد لخدمات التأمين بكفاءة.
وحسب مجموعة KPMG للخدمات التدقيق والضرائب والاستشارات، فإن 74% من شركات تأمينات الحياة تستثمر في التحول الرقمي لتحسين تجربة العملاء وكفاءتها التشغيلية.
بينما قالت بيانات شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) للخدمات المهنية، إن نحو 81% من شركات تأمينات الحياة تعتزم تبنّي القنوات الرقمية لتعزيز تفاعل العملاء.
ووفق شركة أكسنتشر (Accenture) للخدمات الاستشارية والإستراتيجية، فإن 4 من كل 10 شركات تأمينات حياة لا تستخدم الذكاء الاصطناعي في أتمتة تسوية المطالبات والاكتتاب.
ذكر تقرير لشركة Equisoft لبرمجيات صناعات التأمين وإدارة الثروات، أن 62% من عملاء تأمينات الحياة يفضّلون التواصل عبر القنوات الرقمية، مثل التطبيقات المحمولة بدلًا من الوسائل التقليدية، إذ يمكن للمنصّات الرقمية تقليل زمن إصدار الوثائق بنسبة قد تصل إلى 30%.
ولذلك استثمرت نحو 69% من شركات تأمينات الحياة في تقنية البلوك تشين، لتعزيز أمن البيانات والشفافية، حسب جمعية جنيف (Geneva Association).
وقد أدّت المنصّات الرقمية إلى خفض الاحتيال بنسبة 25% في قطاع تأمينات الحياة عالميًا، وفق (FAnews) المتخصصة في أخبار الخدمات المالية والتأمين بجنوب أفريقيا.
وعالميًا، ارتفعت تكاليف الرعاية الصحية، ما أدى إلى زيادة الأقساط والخصومات والمدفوعات المباشرة على العاملين وأصحاب العمل، إذ تشير أرقام “Lewis & Ellis” للاستشارات الاكتوارية، إلى أن 48% من البالغين المؤمن عليهم يشعرون بالقلق حيال قدرتهم على سداد مدفوعات التأمين، ما يعكس تأثير ارتفاع التكاليف على الجميع، كما يُتوقع أن تشهد 58% من شركات التأمين ارتفاع نفقاتها الطبية خلال السنوات الـ3 المقبلة.
وحسب تقرير Majesco لبرمجيات التأمين، يظل التضخم أكبر المخاطر التي تثير قلق شركات التأمين، بينما ارتفعت إجمالي الأقساط عالميًا (للتأمين على الحياة والممتلكات) بمعدلات أقل من المتوسط عند 1.1% في 2023 و1.7% بنهاية 2024.
وشهدت سوق التأمين السيبراني عالميًا نموًا بلغ نحو 60% خلال العامين الماضيين، بينما توقع أوليج باراششاك، الرئيس التنفيذي ومؤسّس منصّتَي Beinsure.com وForinsurer.com للإعلام الرقمي المتخصص في التكنولوجيا التأمينية، نمو السوق بأكثر من 50% خلال السنوات الـ5 القادمة.
وتعد الرقمنة مناسبة لقضايا الاحتيال التي تتطلب تصنيف كميات ضخمة من البيانات والكشف عن الاختراقات، مثل اكتشاف إعادة استخدام الصور، فوفق دراسة لـ”سويس ري” العالمية لإعادة التأمين، وجدت أن 44% من مطالبات التأمين احتوت على عمليات تزوير.
كيف تسهم تقنية البلوك تشين في رقمنة التأمين؟
البلوك تشين دفتر رقمي لامركزي يسجل المعاملات بشكل آمن وشفاف، عبر العديد من الحواسيب، حسب دراسة منشورة بـ”MDPI”.
ويؤدي اعتماد البلوك تشين في صناعة التأمين إلى
تعزيز الشفافية والمصداقية، والحد من الاحتيال، وأتمتة المطالبات عبر العقود الذكية، وتحسين تجربة العملاء، وتطوير تقييم المخاطر والاكتتاب، وتحسين عمليات إعادة التأمين، حسب دراسة لـ”أكسنتشر”.
ووفق بيانات منصة WifiTalents، وصل حجم سوق البلوك تشين في قطاع التأمين عالميًا إلى نحو 1.39 مليار دولار بنهاية 2024، بينما يُتوقع تحقيق القطاع وفورات تكليفية تصل إلى 1.16 مليار دولار بحلول 2025، كما يُتوقع أن تجعل 77% من شركات التأمين عالميًا البلوك تشين أساسًا في عملياتها خلال العامين المقبلين.
إصلاح البنية التحتية التكنولوجية
قال آدم برايس، مدير تسويق المنتجات والحلول بشركة Ping Identity للبرمجيات، إن قطاع التأمين عالميًا يزخر بنشاط الذكاء الاصطناعي، لكن تحقيقه “عمليًا” ما يزال “قيد التنفيذ”، إذ تعاني بعض شركات التأمين من انتشار الفوضوية والأنظمة القديمة.
وأضاف لـ”البورصة” أن على شركات التأمين إعطاء الأولوية لجودة البيانات وتحديث الأنظمة القديمة واستبدال الأنظمة الضخمة، واختيار الحلول التكنولوجية بعناية، بما في ذلك خدمات الذكاء الاصطناعي المتكاملة.
وتابع أن خيارات البنية التحتية لا تقتصر على أنظمة البرمجيات فحسب، بل تشمل الأجهزة أيضًا، مشيرًا إلى أن بعض شركات التأمين على الحياة تستفيد من الحوسبة عالية الأداء لوحدات معالجة الرسوميات (GPUs) لنمذجة الاكتتابات المعقدة.

يمكن لشركات التأمين على الممتلكات والحوادث توفير ما يصل إلى 160 مليار دولار بحلول 2032، حال اعتمادها أدوات الذكاء الاصطناعي الكاشفة عن التزوير والانتحال، حسب دراسة لـ”deloitte”.
أطلقت شركة AIG للتأمين مساعد اكتتاب يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي بالتعاون مع “Anthropic و”Palantir” يقوم باستيعاب وتحديد أولويات كل طلب تأمين جديد زائد وفائض، ما سمح باكتشاف الخلل دون إضافة موظفين جدد.
وفي أوروبا، تطلق بعض شركات التأمين مثل “Allianz” و”AXA” وكلاء بالذكاء الاصطناعي في مجالات المطالبات، ومع ذلك تظل الشركات حذرة في مشاريعها وتضاعف جهودها في تحديث البيانات، حسب “رويترز”.
كما تستثمر العديد من شركات التأمين في الذكاء الاصطناعي لمشاركة العملاء، بما في ذلك مراكز الاتصال والمساعدين الافتراضيين.
وفي آسيا، بدأت بعض الشركات الرائدة بالفعل في تشغيل روبوتات خدمة العملاء وأنظمة تصنيف المطالبات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لحالات الاستخدام “الآمنة” التي لا تخضع لتدقيق تنظيمي صارم، مثل تجربة شركة مانولايف.
وفي العديد من الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة وهونج كونغج، يبدو أن المنظمين يشجعون تجارب الذكاء الاصطناعي من خلال المنح ومختبرات الابتكار وبرامج التسريع، إذ أطلقت هيئة النقد في سنغافورة مبادرات تمويل لتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي، بينما قدمت هيئة التأمين في هونج كونج برامج لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي التجريبية.
وكذلك يسمح إطار التأمين المفتوح في البرازيل للعملاء بمشاركة البيانات عبر شركات التأمين، ما يتيح عروضًا مخصصة وزيادة المنافسة، إذ يسهم ذلك في إنشاء قنوات توزيع جديدة وتعزز التعاون مع شركات التكنولوجيا التأمينية، ويدفع شركات التأمين لتطوير برمجة التطبيقات للاتصال بمجموعة أوسع من العملاء الرقميين المحتملين.
كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في رقمنة التأمين؟
يقول آرون أوداني، نائب رئيس العمليات بشركة AmWINS Group للتأمين، إن أدوات الذكاء الاصطناعي رائعة في تجميع المعلومات، لكنها ليست الأفضل في تحديد المهم وغير المهم، لأن كل شيء يبدو مهمًا”.

وأضاف لـ”البورصة” أن اعتماد شركات التأمين على الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى 79% عالميًا، مشيرًا إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي تسهم في دعم التنفيذيين بشركات التأمين وطريقة حصولهم على المعلومات وتفاعلهم مع العملاء.
وذكر أن على شركات التأمين الحفاظ على المعرفة القديمة وتوظيف المواهب من الجيل القادم وإعادة تأهيل القوى العاملة في منتصف حياتهم المهنية وتبني الدور المتطور لمراكز الابتكار.
وقالت نيدا شاهين، الباحثة بمؤسسة Crowell & Moring للخدمات القانونية، إن نجاح العمل بمؤسسات التأمين لا يتوقف على سرعة تبني الذكاء الاصطناعي، بل على مدى فعالية شركات التأمين في دمج الأدوات الرقمية في سير العمل.

وأضافت لـ”البورصة” أن التطوير يتطلب أكثر من أتمتة المهام، إذ لا بد من إعادة تقييم إستراتيجية للقوى العاملة وتصميم تجارب عمل يتعاون فيها البشر والذكاء الاصطناعي بشكل أكثر جدوى.
وبيّنت أن التحول نحو الرقمنة يتطلب من شركات التأمين إعادة التفكير، ليس في كيفية إنجاز العمل، ولكن من يقوم بالعمل وكيف يتم تمكينه وكيفية الاستعداد للقادم.
تحديات تضمين الرقمنة بالتأمين
يتطلب تحديث القوى العاملة في قطاع التأمين تحديث مهارات الموظفين، بينما يغادر الموظفون ذوو الخبرة مناصبهم باضطراد ولا يواكب التوظيف تلك الفجوة، ومن ثم، تكافح شركات التأمين عالميًا لجذب المواهب والاحتفاظ بها، فعلى سبيل المثال، في اليابان، يرفض الخريجون عروض وظائف التأمين بشكل ملحوظ، حسب تحقيق نُشر بمجلة “Insurance Journal” للتأمين.
ولا يكون العديد من الموظفين الجدد على دراية بالمتطلبات المتطورة لأدوار التأمين، فبينما يتجه القطاع إلى الرقمنة والتركيز على العملاء ما يزال يتطلب معرفة تقنية عميقة وفهمًا قويًا للأطر التنظيمية المعقدة.
فعندما يدخل الخريجون الجدد سوق العمل بشركات التأمين بمبادرات متقدمة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ولغات البرمجة ويسعون للمساهمة بمبادرات تحويلية، فإنهم يصطدمون بالبرامج التجريبية بشركات التأمين، ومن ثم، تتحول تلك المواهب تدريجيًا إلى مسارات عمل تقليدية، ما يؤدي إلى عدم المشاركة المبكرة.
ويكمن التحدي الأكثر تعقيدًا في موظفي قطاع التأمين بمنتصف حياتهم المهنية، إذ إن كثيرًا منهم متجذرون بعمق في الأنظمة القديمة ويحتاجون إلى أن يصبحوا ملمّين بالذكاء الاصطناعي.
تحولات الرقمنة في سوق التأمين
تؤكد الاتجاهات العالمية أن القطاع بصدد موجة توسّع رقمية غير مسبوقة، إذ تخطط 86% من الشركات لزيادة استثماراتها الرقمية خلال العام القادم.
كما أشارت توقعات شركة CWAN لتحليل البيانات المالية والاستثمارات، إلى أن 60% من معاملات التأمين ستتم عبر الأجهزة المحمولة بنهاية 2024، وصولًا إلى تحول إستراتيجي في 2026، إذ ستصبح التخصيص الفائق (Hyper-personalization) عنصر التميّز الأبرز لنحو 45% من شركات التأمين.
وتوضح الدراسات أن التطور الرقمي لا يقتصر على تحسين الخدمات، بل يمتد ليعيد بناء هيكل التشغيل ذاته، إذ يؤدي إلى خفض التكاليف بنسبة 65%، وتقليص أوقات إنجاز العمليات الأساسية بنسبة 90%، ورفع معدلات التحويل بنحو 20%.
كما شكّلت الكوارث الطبيعية تحديًا ضخمًا للقطاع عام 2022، بعدما بلغت خسائرها 270 مليار دولار، كان أكثر من 55% منها دون تغطية تأمينية، حسب ما صرحت به “ميونخ ري” العالمية لإعادة التأمين.
ووفق استبيان لـ”KPMG”، ذكر 96% من الرؤساء التنفيذيين لشركات التأمين حول العالم أن جائحة كوفيد-19 كانت نقطة التحول الكبرى نحو تسريع الرقمنة وبناء هياكل تشغيل أكثر مرونة.
تشير الواقع إلى أن البقاء في دائرة التنافسية لم يعد ممكنًا دون إعادة تعريف جذرية لدور التكنولوجيا داخل شركات التأمين.
ولتحقيق تلك التنافسية، بات لزامًا على القطاع إعطاء الأولوية للالتزام بالابتكار الديناميكي، وتطوير حلول تتمحور حول العميل، وتعزيز القدرة على التكيف مع المتغيرات.
فالتحول الرقمي لم يعد خيارًا إضافيًا أو ترفًا تقنيًا، بل تحوّل إلى معيار أساسي يحدد مستقبل الصناعة، وستكون الشركات الناجحة في استثماره بفاعلية قادرة على قيادة المشهد ووضع قواعد اللعبة خلال السنوات المقبلة.








