تبرز صناديق الاستثمار العقاري كأحد الأدوات التي تعيد تشكيل خريطة الاستثمار في القطاع، معتمدة على معايير أكثر صرامة في الاختيار تركز على العائد طويل الأجل والحوكمة، وليست مجرد البيع السريع.
ولم تعد الصناديق تبحث فقط عن مشروع جيد أو موقع مميز، بل باتت قراراتها الاستثمارية تقوم على حزمة متكاملة من المعايير تشمل قوة المطور، ووضوح الموقف القانوني، وجدوى المشروع، وقدرته على تحقيق عائد مستدام.
وترصد «البورصة» في هذا التقرير آليات تفكير الصناديق العقارية قبل ضخ استثماراتها، والمعايير التي تحكم قراراتها في السوق المصري، والتحديات التي تواجه التعاون مع المطورين، إلى جانب ملامح مستقبل هذا النشاط خلال الفترة المقبلة.
قال أيمن مجدي العضو المنتدب لشركة ناوي شيرز، إن الصناديق العقارية تعتمد على مجموعة من المعايير الأساسية قبل اتخاذ قرار الاستثمار في أي مشروع عقاري، يأتي في مقدمتها اسم المطور وسابقة أعماله، ومعدلات التسليم، وجودة التنفيذ، ومستويات الأسعار خلال السنوات الأربع الأخيرة، وحجم الزيادات التي شهدتها، بما يضمن امتلاك المطور قدرة مالية كافية تمكنه من الالتزام بالتسليم في التوقيتات المحددة.
اقرأ أيضا: الرقابة المالية توافق على تأسيس شركتين بأنشطة الصناديق العقارية
وأوضح أن تقييم المشروع يشمل أيضًا موقعه، ونوعية المشروعات أو الوحدات القائمة به، وكثافة المشروع، وتحليل العرض والطلب على أنواع الوحدات المختلفة، إلى جانب مقارنة سعر المتر بالأسعار السائدة في المناطق المحيطة، باعتبارها من التحليلات الأساسية التي تسبق قرار الاستثمار، مشيرًا إلى أنه حال توافر هذه المعايير تبدأ الصناديق في ضخ استثماراتها بالمشروعات.
وأشار مجدي، إلى أن الهدف الاستثماري للصندوق هو العامل الحاسم في تحديد نوعية المشروعات المفضلة، لافتًا إلى أن المشروعات تحت الإنشاء تعد من الخيارات الجاذبة، نظرًا لما تحققه من زيادات سعرية كبيرة منذ بدء طرح الأراضي وحتى الانتهاء من تنفيذ الوحدات.
وأكد أن الالتزام بالجداول الزمنية يمثل عنصرًا حاسمًا في قرارات الصناديق العقارية، وهو ما يدفعها إلى تفضيل المطورين الكبار المعروفين بالالتزام بمواعيد التسليم، موضحًا أن دخول الصناديق العقارية في المشروعات يسهم بدوره في تعزيز التزام المطورين بالجداول الزمنية، خاصة مع بيع نسبة كبيرة من المشروع لصالح الصناديق، إلى جانب العملاء الأفراد.
صقر: الصناديق تميل إلى المشروعات ذات العائد الإيجاري المنتظم
وقال الدكتور أحمد صقر، رئيس مجلس إدارة شركة SDC لإدارة الأصول العقارية والاستثمار، إن المطورين يسهمون في تنشيط عمل الصناديق العقارية من خلال توفير منتجات عقارية جيدة تدار بكفاءة، وقابلة للطرح أمام المستثمرين، مؤكدًا أن التزام المطور وجديته وقدرته التنفيذية تمثل حجر الزاوية في نجاح هذه الصناعة.
وأوضح أن الصناديق العقارية تميل في الأساس إلى المشروعات التي تحقق عائدًا إيجاريًا منتظمًا، باعتبارها الأكثر توافقًا مع طبيعة الاستثمار طويل الأجل، لافتًا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه التعاون بين المطورين والصناديق تتمثل في ضرورة ضبط الإطار القانوني المنظم لهذا النشاط، وتفعيل حسابات الضمان للبيع على الخريطة بما يحفظ حقوق حملة الوثائق.
اقرأ أيضا: النص الكامل لتنظيم إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار في وثائق الصناديق العقارية
وأشار إلى أن الصناديق تضع مجموعة من المعايير الأساسية قبل الاستثمار في أي مشروع عقاري، من بينها إعداد دراسة جدوى واضحة، وتحديد متطلبات الاستثمار، وسعر وطريقة السداد، ومواصفات المشروع، والجدول الزمني لتنفيذه، إلى جانب الموقع الكلي للمشروع.
أضاف صقر، أن الصناديق لا تفضل نمطًا واحدًا من المشروعات، إذ تتعامل مع المشروعات المكتملة وكذلك المشروعات تحت التطوير، بحسب طبيعة كل فرصة استثمارية، موضحًا أن وجود مستأجرين بعقود طويلة الأجل يعد عامل تحفيز إضافيًا لجذب الصناديق، خاصة في حالة العقارات المكتملة.
وأكد أن جذب الصناديق العقارية يتطلب من المطور الالتزام بتنفيذ المشروع في التوقيتات المحددة ووفق المواصفات المتفق عليها، مع إدارته بكفاءة عالية، متوقعًا أن تصبح الصناديق العقارية الوجهة الأساسية للمستثمر العقاري في مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، في ظل التغيرات الحالية التي يشهدها السوق.
الشربيني: وضوح الملكية والإطار القانوني من أبرز الشروط
وأكد باسم الشربيني الرئيس التنفيذي لشركة إتقان للاستشارات المالية والتسويقية ، أن جذب الصناديق العقارية يتطلب من المطور تقديم مشروع واضح الرؤية، منضبط الحوكمة، وقابل للتشغيل والاستدامة، وليس مجرد مشروع يستهدف البيع السريع.
وأوضح أن الصناديق تولي أهمية كبرى لعدة عناصر أساسية، في مقدمتها اكتمال ووضوح الملكية القانونية للأرض وخلوها من النزاعات، إلى جانب إعداد دراسة جدوى مالية وتشغيلية واقعية تتضمن سيناريوهات متعددة للتدفقات النقدية.
وأشار إلى أن التصميم والتشغيل يجب أن يركزا على تحقيق العائد طويل الأجل، خاصة في المشروعات المدرة للدخل، وليس على البيع فقط، فضلًا عن الالتزام بالحوكمة والشفافية في الإدارة وإعداد التقارير المالية، مع وجود سجل سابق للمطور يثبت الالتزام بالجداول الزمنية وجودة التنفيذ.
ولفت الشربيني إلى أن أبرز التحديات التي تواجه التعاون بين الصناديق العقارية والمطورين تتمثل في اختلاف الثقافة الاستثمارية، حيث يميل المطور إلى البيع السريع، بينما تبحث الصناديق عن عائد مستقر طويل الأجل، إضافة إلى نقص البيانات التشغيلية الدقيقة في بعض المشروعات، وعدم جاهزية عدد منها للتحول إلى أصول استثمارية مدرة للدخل، فضلًا عن تحديات تنظيمية وتشريعية لا تزال في طور التطور، خاصة فيما يتعلق بآليات التقييم والتخارج.
أضاف أن الصناديق العقارية تعتمد في قراراتها الاستثمارية على معايير رئيسية تشمل وضوح الملكية والإطار القانوني، والعائد المتوقع المعدل بالمخاطر، وقابلية المشروع للتأجير أو التشغيل واستدامة الطلب عليه، إلى جانب موقع المشروع ونوعية المستخدم النهائي، وكفاءة فريق الإدارة والتشغيل، وليس المطور فقط، مع وجود استراتيجية خروج واضحة سواء بالبيع أو الإدراج أو إعادة التمويل.
وأوضح الشربيني، أن الصناديق تميل في الغالب إلى الاستثمار في المشروعات المكتملة أو شبه المكتملة والمدرة للدخل باعتبارها أقل مخاطرة، إلا أن بعض الصناديق قد تقبل الدخول في مشروعات تحت التطوير بشروط صارمة، من بينها وضوح الجدول الزمني، وتوافر شراكة تشغيلية قوية، وتحقيق عائد أعلى يعوض المخاطر، لافتًا إلى أن العمل بنظام حسابات الضمان (Escrow Account) يعد عنصرًا إيجابيًا في هذا السياق.
أضاف أن الصناديق العقارية لن تحل محل البيع على المخطط بشكل كامل، لكنها تمثل بديلًا أو مكملًا ذكيًا له، خاصة في المشروعات التجارية والإدارية والفندقية، وفي مراحل معينة من المشروع لتخفيف الضغط على التدفقات النقدية، وتحسين جودة المنتج ومستويات الحوكمة بدل الاعتماد الكلي على أموال العملاء.
وتوقع الشربيني نموًا ملحوظًا ولكن انتقائيًا للصناديق العقارية في مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، مدفوعًا بارتفاع تكلفة التمويل التقليدي، وحاجة السوق إلى أدوات استثمار مؤسسية أكثر استقرارًا، وزيادة الطلب على الأصول المدرة للدخل، مؤكدًا أن النجاح سيكون من نصيب المشروعات الأكثر جاهزية وانضباطًا، وليس بالضرورة الأكبر حجمًا، وأن الصناديق ستلعب دورًا أكبر في إعادة هيكلة السوق وليس فقط تمويله.
وفي إطار دعم حماية المستثمرين وتعزيز استقرار ونمو القطاع العقاري، تم تدشين أول منصة رقمية للاستثمار في وثائق صناديق الاستثمار العقاري في مصر، تقدمت بها شركة أزيموت للاستثمارات – مصر.
وتعد المنصة الأولى من نوعها في السوق المصري، إذ تمثل نقلة نوعية في آليات الاستثمار العقاري، من خلال حلول رقمية مبتكرة تتيح للأفراد الاستثمار في حصص ملكية مشاعة بوحدات عقارية، عبر وثائق استثمار يتم طرحها من خلال منصات رقمية مرخصة وخاضعة لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية.
رمضان: المشروع الجيد لم يعد كافيًا دون سجل أعمال واضح
وقال وائل رمضان رئيس شركتي نجم للتطوير العقاري وسنترو للاستثمار العقاري، إن صناديق الاستثمار العقاري تبحث في الأساس عن مطور يعمل بعقلية مؤسسية، موضحًا أن وجود مشروع جيد وحده لم يعد كافيًا لجذب الاستثمار، بل يشترط توافر سجل أعمال واضح، والالتزام بمواعيد التنفيذ، والشفافية الكاملة في البيانات المالية وسلامة الموقف القانوني للأراضي والتراخيص.
وأوضح أن الصناديق تولي اهتمامًا كبيرًا بإعداد دراسات سوق واقعية، ونموذج مالي واضح يحدد العائد المتوقع وآليات إدارة المخاطر، إلى جانب وجود هيكل إداري منظم وتقارير دورية تضمن متابعة الأداء.
أشار رمضان إلى أن أبرز التحديات تتمثل في اختلاف ثقافة العمل بين بعض المطورين والصناديق الاستثمارية، حيث تعمل الصناديق وفق معايير صارمة في الإدارة والالتزام، بينما لا يزال بعض المطورين يعتمدون على أساليب تقليدية، لافتًا إلى أن إجراءات الفحص المالي والقانوني، واختلاف تقييم المخاطر والعوائد، فضلًا عن بعض التعقيدات التنظيمية، تمثل تحديات إضافية، وإن كانت تشهد تراجعًا تدريجيًا مع تطور السوق.
وأضاف أن الصناديق تركز في قراراتها الاستثمارية على سلامة الموقف القانوني للأرض والمشروع، وقوة المطور وخبرته التنفيذية، وجدوى المشروع الاقتصادية، والموقع ومدى استدامة الطلب عليه، إلى جانب أهمية وجود خطة خروج واضحة وآليات فعالة لحماية الاستثمار وإدارة المخاطر، بما يضمن تحقيق عائد متوازن ومستدام.
وأكد رمضان أنه لا يوجد تفضيل مطلق لنوعية المشروعات، إذ يختلف ذلك وفق استراتيجية كل صندوق، فبعض الصناديق تفضل المشروعات المكتملة أو القريبة من الانتهاء لضمان تدفقات نقدية مستقرة، بينما تتجه صناديق أخرى إلى المشروعات تحت التطوير لتحقيق عوائد أعلى، شريطة توافر مطور قوي وخطة تنفيذ دقيقة.
وأوضح أن صناديق الاستثمار العقاري لا تمثل بديلًا كاملًا للبيع على المخطط في الوقت الحالي، الذي لا يزال أحد مصادر التمويل الرئيسية في السوق المصري، إلا أن الاتجاه السائد يتمثل في تنويع مصادر التمويل عبر الجمع بين الصناديق الاستثمارية والمبيعات المباشرة والتمويل البنكي، بما يسهم في تقليل المخاطر وتعزيز الاستقرار.
وتوقع رمضان أن يشهد دور صناديق الاستثمار العقاري نموًا تدريجيًا خلال السنوات المقبلة، مع زيادة التركيز على الأصول ذات العائد الدوري، وارتفاع أهمية الحوكمة والشفافية، وظهور شراكات أوسع بين الصناديق والمطورين الجادين، مشيرًا إلى أن الصناديق ستصبح أكثر انتقائية في قراراتها الاستثمارية، لكنها ستظل أداة مهمة لدعم واستقرار السوق العقاري.
