بقلم: هنرى بورتر
أفقدتنا مشاهدة الأحداث التى تندد بالفيلم المسىء للإسلام على مدار العشرة أيام الماضية الثقة فى عقلانية الجنس البشرى.
فى باكستان حرق المحتجون اثنين من دور السينما بعد صلاة الجمعة وهو ما أسفر عن مقتل تسعة عشر شخصاً ومائتى جريح للتعبير عن غضبهم من ذلك الفيلم الذى لم يعرض إلا على موقع اليوتيوب.
ولكن كان من المحتمل أن تزداد الأمور سوءاً، ورغم فقدان العديد من الأرواح، إلا أنه يوجد جانب آخر من الأحداث أغفلنا عنه وهو حقيقة أن نسبة قليلة من المسلمين هم الذين احتشدوا فى شوارع باكستان، وفى فرنسا، التزم المسلمون ضبط النفس بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبى محمد فى صحيفة «تشارلى ابدو» الفرنسية، كما تدخلت الحكومتان فى مصر وتونس لوقوع أعمال الشغب فى حين نجح الجيش فى اليمن وباكستان فى منع المتظاهرين من الوصول إلى سفارات الغرب.
بدأت تسود العقلانية فى نهاية المطاف، وعلى اليوتيوب ستجد رجلاً يدعى سيد محمود كتب تعليقاً عن الفيلم المسىء للإسلام المعروف باسم «براءة المسلمين» فى منتهى الحكمة والعقلانية حيث قال إن هذا الفيلم ما هو إلا كلام فارغ الهدف منه إشعال غضب المسلمين وأى رد فعل عنيف سيكون نجاحاً لهذا الفيلم، وهذا بالطبع هو صوت الربيع العربى الذى يتسم بالهدوء والعقلانية، كما لمست هذه الروح فى مصر وتونس عندما أعرب الشباب هناك عن رغبتهم فى المزج بين حريات وازدهار الغرب بما يتناسب مع أخلاق الإسلام والتقاليد الشرقية، وهذا هو الصوت الذى لم تسمعه من قبل وسائل الإعلام حيث إن الحمقى الذين يرقصون حول النار هم الذين يصنعون الأخبار، ولكن الصوت العقلانى هو الذى كان وراء الانتفاضات العربية، وعلى الرغم من سياسة القمع وسيطرة الأنظمة القديمة، إلا أن هذا الصوت مازال باقياً.
لا يجب أن ننسى أننا ملتزمون باستخدام حرية التعبير بشىء من المسئولية وأن هناك قوانين فى أوروبا والولايات المتحدة ضد التحريض الدينى والعنصرى التى انتهكها بالفعل الفيلم والرسومات الكاريكاتورية المسيئة للإسلام.
يجب ألا يغفل أحد عن حقيقة أن التعصب الدينى متواجد فى كل مكان، وكشف تقرير أصدره مركز بيو للأبحاث ارتفاع موجة التشدد الدينى حيث نمت نسبة الدول التى تسود بها قيود متشددة حيال العقيدة الدينية من 31% عام 2009 إلى 37% عام 2010.
يعانى المسلمون مثل المعتنقين العقائد الأخرى، حيث منع بناء المساجد فى سويسرا على سبيل المثال، ولكن نمو اضطهاد المسيحيين فى المجتمعات الإسلامية بات لافتاً للنظر، ففى باكستان يواجه المسيحيون العقوبات والتفرقة العنصرية، وفى اندونيسيا أغلقت الكنائس، وفى الكويت أغلقت «فيلا الكنائس» التى يستخدمها الأجانب، وفى إيران ألقى القبض على 300 مسيحى منذ عام 2010.
تعد حرية التعبير فى قلب هذه المسألة، ولكن يجب ألا تنساق الحكومات الغربية وراء فرض المزيد من القيود على حرية التعبير تتعدى القوانين الحالية، بل يجب أن نؤكد على قيمتها حيث إن حرية النقاش الذى يتوق إليه شباب الربيع العربى سوف يحقق التحول الديمقراطى المطلوب فى البلاد التى استمر فيها التعذيب واضطهاد المرأة والأقليات الدينية والاخفاق فى بناء المجتمعات المدنية الحديثة دون أن يتحداها أحد.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: صحيفة الجارديان البريطانية






