بقلم – خالد حسني مدبولي
تم مؤخراً إقرار قانون يقضي بفرض ضريبة علي مخصصات البنوك العاملة في مصر بعد التصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية، وهو القانون الذي اقترحه بعض الأعضاء في مجلس الشوري.
وقد أثار هذا القانون جدلاً كبيراً في الأوساط المالية والمصرفية، لكن ما هي حقيقة هذه الضريبة؟ وما هو تأثير تطبيقها علي عمل البنوك وأنشطتها التوسعية؟.
الحقيقة أن لا أحد يعرف بالتحديد من أين جاءت فكرة تطبيق هذه الضريبة، وكل المتوافر من بيانات ومعلومات متاحة في وسائل الإعلام المختلفة أنها ضريبة جديدة سوف يتم فرضها علي بند المخصصات في ميزانيات البنوك المصرية.
وبداية فإن المخصصات هي جزء يتم اقتطاعه من صافي أرباح أي بنك في نهاية كل سنة مالية بهدف تدعيم القاعدة الرأسمالية لهذا البنك أو للتحوط ضد مخاطر التعثر وعدم السداد فيما يتعلق بالقروض الممنوحة من البنوك للأفراد أو المشروعات المختلفة.
ويتم إعفاء نسبة كبيرة من تلك المخصصات (تصل إلي 80%) عند احتساب ضرائب الأرباح المفروضة علي البنوك سنوياً، في حين يطالب القانون الجديد خضوع كامل قيمة المخصصات للضرائب.
والسؤال المطروح : هل سيتم احتساب ضريبة علي المخصصات ثم احتساب ضريبة أخري علي صافي أرباح البنك، أي هل سيحدث نوع من الازدواج الضريبي؟ أم هل سيتم الاكتفاء بفرض ضريبة علي المخصصات فقط؟ أم سيتم تعديل نسبة الضرائب المفروضة علي المخصصات بحيث لا يتم فرض ضرائب علي كامل قيمة المخصصات ؟… هي أسئلة عديدة لا أحد يعلم إجابة أي منها حتي الآن.
الغريب في الأمر أنه تم لقاء بين رئيس الجمهورية وبين محافظ البنك المركزي في أعقاب طرح فكرة فرض تلك الضريبة لمناقشة مدي تأثير تطبيقها علي مخصصات البنوك، خاصة أن القانون تم اقتراحه دون الرجوع إلي البنك المركزي باعتباره الجهة المسئولة عن عمل ونشاط البنوك في مصر، ودون استشارة الخبراء والمتخصصين في المجال المصرفي وعلي رأسهم اتحاد بنوك مصر الذي أبلغ البنك المركزي رفضه تطبيق هذا القانون لتبليغ الرئاسة به. إلا أن ذلك اللقاء لم يسفر عن أي شيء ولم يفض إلي تراجع الرئاسة والحكومة ومجلس الشوري عن إصدار القانون وإقراره والاستعداد لتفعيله.
لكن من المؤكد أن فرض هذه الضريبة سيؤدي بلا شك إلي ارتفاع نفقات ومصروفات البنوك ومن ثم في التكلفة بشكل عام، وبالتالي سيؤدي إلي نقص في صافي الأرباح، وتقليص في خطط البنوك للتوسع في أنشطتها سواء التمويلية والاستثمارية أو لفتح فروع جديدة، ويمكن أن يتسبب أيضاً في قيام البنوك بزيادة الرسوم المفروضة علي الخدمات والمنتجات المصرفية المقدمة لعملائها.
وإذا وضعنا جنباً إلي جنب هذه الضريبة ( ضريبة المخصصات ) مع القرار الصادر مؤخراً من البنك المركزي المصري والخاص بتخفيض نسبة استثمار البنوك في الصناديق النقدية (وهي أدوات الدين التقليدية مثل السندات وأذون الخزانة الحكومية) من 5 إلي 2% فقط من إجمالي رأس المال بالبنوك، وكذلك دراسة فرض ضريبة نسبية علي القروض والتسهيلات الائتمانية التي تمنحها البنوك لعملائها، وكذا عدم تسمية رئيس جديد لمجلس إدارة بنكي “الأهلي المصري” و”المصرف العربي الدولي” حتي الآن، فنحن نكون إزاء صورة غير واضحة للجهاز المصرفي المصري ووضع يشوبه نوع من الغموض وعدم الشفافية.
هذا الكيان (الجهاز المصرفي) ظل متماسكاً حتي الآن رغم كل الصعوبات التي واجهته خلال الأعوام الماضية، بداية من الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وانتهاءً بالوضع السياسي والاقتصادي المتذبذب وغير المستقر في مصر أثناء وفي أعقاب ثورة يناير 2011 وحتي وقتنا الحالي.
ويمكن إرجاع قوة وتماسك الجهاز المصرفي المصري إلي سببين رئيسيين : أولهما الالتزام الصارم من قبل البنوك في ممارسة عملها وأنشطتها بقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 2003 الخاص بتنظيم عمل ونشاط البنوك في مصر، وثانيهما وجود إدارة حصيفة بالبنك المركزي المصري (خلال السنوات العشر الماضية) تميزت بالخبرة والقدرة والكفاءة علي اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بالرقابة والإشراف علي عمل البنوك في السوق المصري.
إن الجهاز المصرفي المصري يعتبر من أقوي المؤسسات المالية في الدولة – إن لم يكن أقواها بالفعل – حيث إنه المسئول الأول عن عمليات منح الائتمان وحفظ الودائع وعمليات التمويل والاستثمار (سواء في المشروعات الكبري أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة) وتحويل الأموال ودعم الصادرات وتوفير سيولة نقدية وغير ذلك الكثير والكثير من الخدمات والمنتجات المصرفية التي تعد قاطرة النمو والاستثمار والتشغيل في الاقتصاد المصري بلا منازع.
والاقتراب من هذا الكيان (الذي يضم اليوم 40 بنكاً) بكل تاريخه الممتد لأكثر من 115 عاماً (منذ تأسيس أول وأقدم بنك في مصر وهو البنك الأهلي المصري)، أو المساس بالبنوك بشكل يمكن أن يسبب تأثيراً سلبياً مباشراً أو غير مباشر بقدرتها علي ممارسة أعمالها ونشاطاتها، كل هذا يعد لعباً بالنار واستهدافاً لقلعة من قلاع الاقتصاد نحمد الله أنها مازالت باقية ومتماسكة حتي الآن.
ولكل ذلك، فإنه يُفضل قبل إصدار قرارات أو إقرار قوانين تتعلق بعمل ونشاط البنوك في مصر أن يتم ذلك بقدر من التمهّل وبعد دراسة مستفيضة ومشاركة واسعة من جميع الخبراء والمتخصصين في المجالات المالية والمصرفية والاقتصادية، خاصة أن الظرف في مصر لا يسمح بأي قرارات غير مدروسة أو خاضعة لحسابات سياسية لأن ذلك سيكون بلا شك علي حساب الاقتصاد المصري والمواطن المصري الذي لم يعد يحتمل دفع أثمان أخري أكثر مما يدفع بالفعل كل يوم.








