الركود، والتقلبات، وحزم الإنقاذ تمثل أوقاتا مربحة لمحمد العريان، أمريكى الجنسية من أصل مصرى الذى أطلقت عليه صحيفة النيويورك تايمز «أمير سوق السندات العالمى ووريث عرش الملك ويليام جروس صاحب الشركة العملاقة «باسيفيك إنفيستمينت مانجمينت» المعروفة بـ «بيمكو».
ويترأس هذا الثنائى العجيب «جروس ـ العريان» أكبر صناديق السندات فى العالم، تلك التى يتحول نحوها الكثير من المستثمرين فى الأوقات المضطربة.
ويعتبر جروس مايسترو أكبر الصناديق “بيمكو توتال ريتيرن” الذى يدير أصولاً بقيمة 263 مليار دولار، ولكن القلاقل التى أصابت العالم المالى عام 2008 نتيجة فضائح الرهن العقارى فى الولايات المتحدة ثم أزمة الديون فى أوروبا جعلت نجم محمد العريان يلمع وخرج من تحت ظلال جروس.
وقبل يومين وقع اختيار الرئيس الأمريكى باراك أوباما على العريان ليترأس المجلس الأمريكى للتنمية العالمية.
وفى الكثير من الأيام، يظهر العريان على شاشات الوكالات مثل “السى إن بى سي” و”بى بى سي” وبلومبرج” أو على صفحات الجرائد، وهو يتحدث عن الازمات المالية الراهنة، وفى المؤتمرات يحصى التقارير المالية ويؤكد على رسالة «بيمكو» بأسلوبه الموهوب وكأنه أحد كبار الخبراء الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى وليس فقط مديرا ماليا فاحش الثراء.
وأصبح العريان، الذى كان مسئولا سابقا فى صندوق النقد الدولى ومفكرا اقتصاديا مثيرا للإعجاب، واجهة صندوق “بيمكو” وماكينة التسويق ومحدد وجهتها وواضع أجندتها.
ومع ذلك يبقى السؤال فى أذهان الكثيرين، هل يستطيع العريان، الذى تؤخذ عباراته لتمثل عناوين صحف والذى كان مديرا استثماريا لجامعة هارفارد، أن يكرر نجاح جروس أم لا؟
يستمتع «جروس» بالرهانات عالية المخاطر، ولكنه لا يجلس ويختار ببساطة أى سندات، بل يجيد المتاجرة، أما على النقيض، يميل العريان أكثر إلى التأنى والتعقل، وهو مفكر كبير يحب أن يبحر فى دوائر صناعة السياسات الاقتصادية قبل أن يرسو على القرار.
وقال جروس فى مقابلة هو ومحمد العريان مع جريدة النيويورك تايمز أوائل هذا العام فى مقر “بيمكو”: “محمد هو وريثي، وهو متحفظ اكثر مني، فأنا آخذ المخاطر”.
وقالت ميرلين كوهين، مديرة شركة “إنفيجين كابيتال” فى لوس أنجلوس، إن العريان هو الخطة التى يستند عليها جروس عندما يتقاعد، كما تعتقد أن هذه الخطة نجحت ببراعة.
وليس الجميع متحمسين، ورغم أن العريان يمتلك سنوات من الخبرة كمسئول فى صندوق النقد الدولى وبيمكو، يتساءل البعض إذا كان يستطيع الإبحار بنجاح فى أسواق السندات التى تزداد اضطرابا، فعلى عكس جروس، العريان ليس تاجرا بطبيعته.
وتتساءل سيلفان ريانز، أحد مؤسسى شركة «آر آند آر» للاستشارات، لماذا يستحق شخص ذو خبرة ضئيلة فى تجارة السندات هذا المنصب الكبير؟ مضيفة أن هناك مرشحين آخرين ولكنهم أقل شهرة.
وهناك من يتمادى أكثر، فيقول أحد مديرى الاستثمار الذى يستثمر أموالا من أجل المنح إنه مطمئن لإبقاء الأموال فى “بيمكو” طالما أن جروس موجود، مشيراً إلى أنه سوف يسحب أمواله فورا بمجرد ذهاب جروس.
ولكن بالنظر إلى نمو بيمكو فى السنوات الأخيرة، فإن تقييم الصورة الاقتصادية بأكملها – وهو تخصص العريان – أصبح أكثر أهمية من ذى قبل.
وقال إريك جاكوبسن، مدير الدخل الثابت فى شركة “مورنينج ستار”، إن الأسئلة بشأن الاقتصاد الكلى سوف يكون لها تأثير كبير على أداء أى صندوق أكثر من اختيار المدير لسند بعينه، مضيفا أن خبرة العريان تتمثل فى كونه مفكراً ملماً بعناصر الاقتصاد الكلى.
ويستيقظ جروس مبكرا كل صباح، ويكون على ديسك التداول الخاص ببيمكو الساعة السادسة صباحا، ويقول إنه يعمل بجد أكثر من ذى قبل ولا يفكر فى التقاعد قريبا، ويعزى الفضل فى ذلك إلى العريان ويقول: “العريان أثار نشاط بيمكو ونشاطي”.
كان جروس من قبل ـ مارس رياضة ـ الجولف قليلاً بعد الظهيرة ثم يعود إلى مكتبه.
وقال جروس «لا يسعك سوى التأثر بشخص يأتى إلى المكتب الساعة الرابعة والنصف صباحا، متمنياً أن يعود للعب الجولف مثلما كان معتادا، وأنه لم يلعب منذ ثلاث سنوات ونصف ليس لأن محمد أخبره بألا يلعب، بل لأن هناك شركة مختلفة تتحرك بسرعة أكبر.
وبعيدا عن كل الضجة التى تحيط بالعريان داخل وخارج بيمكو، فإن سجله فى إدارة الأموال مختلط، ففى الفترة ما بين 1999 و2005، تسبب العريان الذى كان رئيسا لسندات الأسواق الناشئة فى بيمكو فى عائد سنوى مبهر بنسبة 18.4% أى أعلى بثلاث نقاط من المستوى المستهدف، وفى عام 1999، كان مهتما بالاستثمار فى الأرجنتين، وعندما تم تحذير بيمكو من مستقبل هذا البلد، تخلص العريان من السندات الأرجنتينية، وبالفعل تعثرت الدولة بعدها بعامين وتعرض حاملو الأسهم لخسارة كبيرة.
وجذب العريان الكثير من عناوين الصحف عندما ترأس صندوق جامعة هارفارد للمنح، وفى 2006، ترك بيمكو وعمل بصندوق الجامعة البالغ قيمته 26 مليار دولار.
ورغم أن أداء الصندوق كان جيدا تحت إدارته، فقد تركه بعد أقل من عامين وعاد إلى بيمكو، وتعثر بعد ذلك، وانتقده العديد من الخبراء لرحيله المفاجىء، واعزوا بعض مشكلات الصندوق اللاحقة لاستراتيجيته الاستثمارية.
وعلق العريان على ذلك قائلاً: إنه لا يمكن ان يتحدث عن الطريقة التى يدار بها الصندوق بعد رحيله.
ومنذ 2009، وبخلاف مسئولياته الإدارية الواسعة، كان العريان يدير بصورة مشتركة صندوق “جلوبال مالتى أسيت” التابع لبيمكو، وكان أداءه ضعيفا نسبيا، كما كان ذلك حال صندوق السندات “جلوبال أدفانتيدج ستراتيجي” بقيمة 4.7 مليار دولار الذى كان يشرف عليه مع مديرين آخرين.
وقال العريان الذى يتحدث عادة بلغة مالية، إن صندوق “مالتى أسيت” يقدم أرباحا ولكن مهمته الرئيسية تكمن فى التحوط من المخاطر الحادة، بينما صندوق “جلوبال أدفانتيدج” يوفر مدخلا لمجموعة من الاستثمارات العالمية.
وبالرغم من أن أداء هذين الصندوقين كان أسوأ من أقرانهما على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، فمازال صندوق “مورنينج ستار” يوصى بهما.
وولد محمد العريان فى نيويورك، وكان والده أستاذا فى الحقوق بجامعة القاهرة، وانتقلت العائلة إلى نيويورك عندما تولى والده منصبا فى الأمم المتحدة، ثم انتقل إلى باريس وأصبح سفيرا مصريا هناك، وفى 1973 انتقلت العائلة مجددا ولكن إلى جنيف حيث شارك أبوه فى محادثات السلام فى الصراع العربى الإسرائيلي.
ودرس محمد العريان بعد ذلك الاقتصاد، وحصل على وظيفة فى صندوق النقد الدولى وقضى فيها 15 عاما، وأصبح نائب مدير قسم الشرق الأوسط.
ثم رحل إلى وول ستريت، وعمل لمدة قصيرة فى شركة “سالمون سميث بارني”، ثم تلقى اتصالا من بيمكو يسألونه إذا كان مهتما بإدارة صندوق الأسواق الناشئة لديهم، فقبل وذهب إلى الغرب.
وبعد سنوات، أصبح العريان على رادار المرشحين لتولى رئاسة صندوق النقد الدولى فى 2004، ولكن ذهب المنصب إلى رودريجو راتو، الذى ظل فيه حتى 2007.
وفى هذا الوقت اتصلت به جامعة هارفارد، ووافق العريان على تولى المنصب، واندهش الكثيرون وظنوا أنه أخذ الوظيفة ليوطد علاقته بلورانس إتش سامرز، وزير خزانة سابق ورئيس هارفارد فى ذلك الحين، على أمل أن يقوده ذلك فى النهاية إلى المنصب الأعلى فى صندوق النقد الدولي.
ورفض العريان هذا الادعاء ووصفه بـ”السخيف”، مضيفا أن ما جذبه هو طبيعته التى تجمع بين العمل الأكاديمى وإدارة الاستثمارات والمهمة المسندة لصندوق المنح.
وعاد العريان بعد ذلك إلى بيمكو وجروس وويليام طومسون، المدير التنفيذى المشترك، وعلم الأخيران أنهما بحاجة لإعداد خليفة لهما.
وقال جروس إنه مع رحيل العريان إلى هارفارد لم نمتلك أى بدائل أخرى وكنا نقترب كلانا – يقصد هو وطومسون – من الـ 65 عاماً.
وبعد عام تقاعد طومسون، تاركا فجوة فى بيمكو، وقد كان شخصا محبوبا لدى العاملين ولديه القدرة على تهدئتهم.
ومثله مثل جروس، أشعل العريان حماس الموظفين فى بيمكو، ولم يجادل جروس فى أن الأجواء فى الشركة أصبحت أصعب، قائلا إن العريان من الشخصيات التى تحرص على بقاء العمل صحيا من خلال جعلك تشعر بأن الأمور يجب أن تسير بشكل أسرع.
ومرت بيمكو بتغير هام آخر وهو رحيل بول ماك كولي، الخبير الاقتصادى الرئيسى فى الشركة، والذى ساعد على إعدادها الشركة لتحمل الأزمة المالية فى 2008.
وقال جروس إنه يعتقد أن محمد بخبرته فى صندوق النقد الدولى ومعرفته بالسندات السيادية وكيفية الاستثمار فيها جعله يتبوأ مكان بول فيما يتعلق بتركيز اهتمام لجنة الاستثمار على القضايا المهمة.
وقال العريان إنهم لطالما علموا أن «بيمكو» سوف تضطر فى يوم ما لأن تمر بتغييرات وتعاقب أجيال وعليها المضى قدما فى سوق أكثر وحشية.