تتحقق الحضارة عندما يدفع المتمتعون بمزاياها ثمن ما يتمتعون به، وفى الوقت الذى يبخل فيه الأفراد والشركات وحتى الحكومات عن تسديد التزاماتهم، يتزايد الهجوم على الملاذات الضريبية وهى المناطق التى تجتذب أموالا أجنبية من خلال تقديم تنظيمات مخففة وضرائب منخفضة أو منعدمة بالإضافة إلى سرية التعاملات.
ويتركز الغضب فى أوروبا على الشركات الكبيرة مثل «أمازون وستاربكس» الذين استخدموا حيل محاسبية لتجنب دفع ضرائب كبيرة من خلال تسجيل أرباحهم فى الملاذات الضريبية وتقديم إقرارات بأقل من قيمة أعمالهم فى الدول التى تنشط فيها أعمالهم، كما وضع دايفيد كاميرون مشكلة مكافحة التهرب الضريبى على قمة أولويات أجندة مجموعة الثمانية.
كما استهدفت الولايات المتحدة المتهربين من الضرائب من الأفراد والبنوك التى تساعدهم، ومرر الكونجرس قانون الالتزام الضريبى للحسابات الخارجية “فاتكا” الذى يجبر الشركات المالية الأجنبية على الإفصاح عن عملائها الأمريكيين.
ويذكر تقرير لمجلة «الإيكونوميست» أن العالم به من 50 إلى 60 ملاذا ضريبيا، وتوفر هذه الملاذات مقراً لأكثر من 2 مليون شركة وآلاف البنوك والصناديق وشركات التأمين.
ولا يعرف أحد على وجه التحديد مقدار الأموال الموجودة فى هذه الملاذات، ولكن تتراوح التقديرات حول 20 تريليون دولار.
وليس كل هذه الملاذات فى أماكن بعيدة مشمسة، أو خارج الدولة فعليا، فالرئيس الأمريكى باراك أوباما يصف مبنى “أوجلاند هاوس” الواقع فى جزر كايمان والذى يضم 18 ألف شركة على أنه مثال مصغر لنظام فاسد.
ومع ذلك لا يعد “أوجلاند هاوس” مختلف كثيراً عن ولاية “ديلاوير” التابع لها، فهى معقل 945 ألف شركة معظمها متهربة من الضرائب.
وتعتبر ولاية ميامى مركزاً للمصارف الأجنبية التى توفر للمودعين لديها من الاسواق الناشئة حماية ضد الأعين المتطفلة فى بلادهم الأم، ولا تختلف لندن كثيراً عن جزر كايمان فيما يتعلق بالضوابط ضد غسيل الأموال، كما تعد الكثير من دول الاتحاد الأوروبى الأخرى مراكز عالمية لأنواع مختلفة من التهرب الضريبي، فبعض الشركات تحول أرباحها إلى شركات وهمية فى المناطق منخفضة الضرائب مثل لوكسمبرج وأيرلندا وهولندا.
لذا يجب أن يشمل الإصلاح المراكز المالية العالمية الغنية وليس فقط الجزر الكاريبية ويجب أن يفصل بين النشاطات غير القانونية مثل غسيل الاموال والتهرب الضريبى الصريح والنشاطات القانونية مثل الحيل الحسابية لتجنب الضرائب.
وأفضل سلاح ضد النشاطات غير القانونية هو الشفافية، كما أن الشفافية سوف تساعد على الحد من التهرب الضريبى للشركات، فكلما كان المستهلكون على علم بهذه المعلومات، كان أفضل نظرا لخوف الشركات على سمعتها.
ومع ذلك لا يكفى الضغط الأخلاقى لحل الأمر برمته، ولا ينبغى على الحكومات أيضا سحق الشركات لمجرد انها تحاول تقليص فاتورتها الضريبية، ففى النهاية يجب إجراء إصلاح للنظام الضريبى ككل من خلال تضييق الخناق على الشركات فيما يتعلق بالفوارق الضريبية للتهرب من الضرائب، كما ينبغى على الشركات أن تسجل نشاطاتها فى الأماكن التى تقع فيها بالفعل.
ويجب على الحكومات من جانبها أن تخفض الضرائب على الشركات، فاستغلال الشركات غير فعال لأنهم يمررون العبء إلى هؤلاء الذين يدفعون فى النهاية سواء كانوا أصحاب رؤوس أموال أم عاملين أم مستهلكين.
كما ان إلغاء الضرائب على الشركات له مشاكله حيث سوف يدفع الأفراد الأثرياء إلى تحويل أنفسهم لشركات، ولكن أفضل الحلول يتمثل فى تخفيض للضرائب بشكل عام يصاحبه يقظة ورقابة من قبل السلطات الضريبية، وهذا من شأنه زيادة إيرادات الدولة بشكل كبير وأكثر فاعلية.
وهذه الإصلاحات لن تكون سهلة، فالحكومات التى سوف تحاول تخفيض ضرائب الشركات سوف يتم اتهامها بجذب أصحاب رؤوس الأموال، كما أن المراكز المالية مثل لندن وديلاوير سوف تحارب أى محاولة لتشديد قواعدها، ولكن إذا رغب الساسة بالفعل فى تحصيل ضرائب عن الـ 20 تريليون دولار المفقودة عليهم البدء بتلك المراكز.
أعد الملف: رحمة عبدالعزيز ونهى مكرم








