هناك أربعة تغييرات رئيسية جعلت هيمنة الولايات المتحدة علي المنطقة بنفس الأسلوب القديم أمراً غير واقعي
والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة أدركت أن شعوب الشرق الأوسط سوف تشكل مصائرهما في نهاية المطاف
هل ينبغي علي الغرب تسليح الثوار السوريين؟ تلك هي القضية التي تحظي بالاهتمام اليوم في واشنطن ولندن، ولكن وراء هذا الجدل يكمن سؤال أكبر وهو هل بإمكان القوي الغربية الاستمرار في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط كما كانوا يفعلون علي مدار القرن الماضي؟.
وقفت أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وحدها كأكبر قوي في الشرق الأوسط تنظم التحالف لهزيمة صدام حسين عام 1991 وتحمي تدفق البترول من الخليج وتحتوي القضية الإيرانية وتسعي للتوصل الي اتفاقية سلام بين اسرائيل والدول العربية.
ولكن هؤلاء الذين يحثون الولايات المتحدة للتدخل بشكل أعمق في الصراع السوري الآن يعيشون في الماضي، فهم يزعمون أن أمريكا تستطيع ويتعين عليها الاستمرار في الهيمنة علي سياسات الشرق الأوسط، ولكن هناك أربعة تغييرات رئيسية جعلت هيمنة الولايات المتحدة علي المنطقة بنفس الأسلوب القديم أمراً غير واقعي او حتي مرغوب فيه بالنسبة لها، هذه التغييرات هي الإخفاقات في حروب افغانستان والعراق والركود العظيم والربيع العربي وترقب استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة.
تعلمت الولايات المتحدة خلال العقد الماضي أنه بالرغم من أن جيشها قد يتمكن من الإطاحة بالأنظمة في الشرق الأوسط بشكل سريع، فإن امريكا وحلفاءها فاشلون في بناء الأمم، حيث إن عقدا من التدخل ترك كلا من افغانستان والعراق في حالة من عدم الاستقرار ودمرهما الصراع ولم ينعم أي من البلدين بالأمن داخل “المعسكر الغربي”.
والنتيجة أن حتي مؤيدي التدخل الغربي في سوريا امثال السيناتور جون ماكين يعارضون التدخل العسكري وبدلا من ذلك يؤيدون إمداد الثوار السوريين بالأسلحة قائلين إن هذا أمر ضروري لضمان نتيجة سياسية أفضل.
يعني الركود العظيم أيضاً ان قدرة الغرب علي تحمل اي اعباء اخري لم تعد امرا مفروغا منه، حيث يتراجع إنفاق الجيش الاوروبي بشكل سريع كما بدأ الخفض في ميزانية البنتاجون، ومع التكاليف المباشرة وغير المباشرة لحرب العراق والتي تقدر بنحو 3 تريليونات دولار واقتراض الحكومة الأمريكية 40 سنتاً من كل دولار تنفقه نجد انه ليس من الغريب ان يكون الرئيس الأمريكي اوباما حذرا من تحمل مسئولية اي التزامات جديدة في الشرق الاوسط.
العامل الثالث الجديد هو الربيع العربي، فلقد كان الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، حليفاً للولايات المتحدة لفترة طويلة ومع ذلك قررت واشنطن تركه يسقط اوائل عام 2011، ذلك الامر الذي اثار قلق واشمئزاز حلفاء أمريكا الآخرين في المنطقة لاسيما المملكة العربية السعودية واسرائيل، الا ان إدارة اوباما كانت محقة في التخلي عن مبارك حيث انه لا يمكن ان يكون مسنودا دون المخاطرة بإراقة حمام من الدماء علي غرار سوريا.
والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة أدركت أن شعوب الشرق الأوسط سوف تشكل مصائرهم في نهاية المطاف، ورغم ان العديد من القوي التي ظهرت في المنطقة مثل الاسلاميين وطوائف السنة والشيعة يثيرون قلق الغرب فمن غير الممكن توجيههم وقمعهم للأبد.
وأخيرا فإن قدرة الولايات المتحدة علي رفع ايديها عن الشرق الاوسط تعززها ثورة الغاز الصخري الذي يقلل من الاعتماد الأمريكي علي بترول الشرق الاوسط.
ولكن لا ينبغي الخلط بين قبول فكرة ان الهيمنة الغربية علي الشرق الاوسط تقترب من نهايتها والقول إن الدول الغربية لن تدافع عن مصالحها، فامتلاك الولايات المتحدة لقاعدة عسكرية ضخمة في الخليج سيحول دون السماح لاي قوي معادية بالهيمنة علي الشرق الاوسط.
رغم قرار الولايات المتحدة إمداد ثوار سوريا بالمساعدة العسكرية، فإن اوباما مازال حذرا من التدخل العميق في الصراع السوري، ويبدو أن اوباما يدرك اكثر من بعض مستشاريه وحلفائه القدرة المحدودة للقوي الخارجية علي السيطرة علي النظام الجديد الذي بدأ يظهر في المنطقة، فعصر الاستعمار المباشر في الشرق الأوسط قد انتهي منذ عقود وعصر الامبراطورية غير الرسمية اقترب أيضاً من نهايته.
بقلم: جيودوين راتشمان
المصدر: فاينانشيال تايمز