فى بقعة مباركة من صعيد مصر، وفى مدينة تحوى ثلث آثار العالم وأقل عدد من سائحيه! فى الأقصر العامرة بأهلها الطيبين، وسكونها الفريد، واحتضانها الزائرين، أقامت الإدارة المركزية للمعلومات بوزارة الاتصالات مؤتمراً مهماً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للمرأة والفتاة المصرية خلال الفترة من 30 مارس إلى 1 أبريل 2017.
المؤتمر حظى باهتمام الدوائر الضيقة المختصة بشئون الاتصالات، وبدعم وتمكين المرأة على المستوى الرسمى وعلى مستوى بعض المؤسسات الدولية، لكنه لم يحظ بالاهتمام المناسب من قِبل مختلف القطاعات التى تزعم أنها ترعى الشباب، والمبادرات المتميزة، وريادة الأعمال، وتنمية الصعيد، والتنمية العادلة المستدامة، وتحسين أوضاع المرأة فى مختلف محافظات مصر وخاصة مصر العليا.. وقد زخر المؤتمر بنماذج عدة تتصل بمختلف تلك الملفّات المهمة، لكن أضواء الإعلام تعرضت له على استحياء!.
هذه طالبة تدرس فى جامعة جنوب الوادى تملك مهارة عالية فى عرض أفكارها، وتتحدث الإنجليزية بطلاقة، وتشعّ حضوراً واثقاً أمام جمع مهيب من الحضور، وتلك سيدة تدير مشروعاً لتعبئة وتصدير النباتات الطبية والعطرية من أرض النوبة إلى الخارج، وأخرى تدير مشروعاً ناجحاً للتنمية البشرية.. نماذج كثيرة من شأنها أن تلهم الشباب على اختلاف ظروفهم، وصعوبات كثيرة استطعن التغلب عليها بصبر جميل.
صعوبات اجتماعية وثقافية، ولوجستية قهرنها كلها لتحقيق ذواتهن. منهن من كانت تقطع مئات الأميال ذهاباً وعودةً من أجل حضور محاضرة واحدة!، وأخرى استطاعت أن توفّر مصادر لتمويل مشروعها بعد الاجتهاد فى إعداد دراسة جدوى بجهود ذاتية، وثالثة خرجت بالزى الرسمى لفتيات النوبة، وهى تقدّم مشروعها بثبات وثقة.. هذه النماذج وغيرها مما حفل به المؤتمر تضرب مثلاً على تفوّق المرأة المصرية وقدرتها على تذليل جميع العقبات دون انتظار لدعم الأسرة والمجتمع، فما بالنا بأسرة داعمة وأب أو زوج متحضّر، ومجتمع يحترم حق المرأة فى الحصول على فرص متكافئة مع الرجل فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؟!
وقد جاء الهدف الخامس من الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015 بهذه الكلمات: «تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات» ووضع هذا الهدف بغية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان، والقضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات.
بينما يأتى الهدف العاشر ليؤكد على: «الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها» ويتم ذلك من خلال تمكين وتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجميع، بغض النظر عن السن أو الجنس أو الإعاقة أو العرق أو الاثنية أو الأصل أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك مع ضمان تكافؤ الفرص بحلول عام 2030.
وفى سياق نماذج ريادة الأعمال والعائد الاقتصادى للمساواة بين الجنسين (فضلاً عن العائد الإنسانى الذى لا يقدّر بقيمة اقتصادية) وهو السياق الأبرز لمؤتمر الأقصر كان الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030 واضحاً فى التركيز على «تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمستدام للجميع، والتشغيل الكامل والمنتج، وتوفير العمل اللائق للجميع»
وينطوى هذا الهدف على تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية الاقتصادية من خلال التنويع، والارتقاء بمستوى التكنولوجيا، والابتكار، من خلال التركيز على القطاعات مرتفعة القيمة المضافة والقطاعات كثيفة العمالة، كما يهدف إلى تعزيز السياسات الموجهة نحو التنمية والتى تدعم الأنشطة الإنتاجية، وفرص العمل اللائق، ومباشرة الأعمال الحرة، والقدرة على الإبداع والابتكار، وتشجّع على إضفاء الطابع الرسمى على المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، ونموها، بما فى ذلك الحصول على الخدمات المالية.
المؤتمر إذاً يرعى مبادرات تمكين المرأة وريادة الأعمال والارتقاء بمستوى التكنولوجيا والابتكار.. وهو فى ذلك كله يعمل على تحقيق التنمية العادلة المستدامة لمصر بعيداً عن ابتذال لفظ الاستدامة لمجاراة الموجة السائدة ولجذب عدسات الإعلام وأقلامه.
هذه تجربة متميزة هادفة لوزارة الاتصالات، ولإدارة مركزية للمعلومات تطبّق داخلها مبدأ تمكين المرأة من خلال قيادة نسائية للدكتورة نجوى الشناوى صاحبة السجل المشرف فى مجال البحث الاقتصادى والمعلوماتى واستطلاعات الرأى، ومن ورائها فريق عمل متميز معظمه من الجنس الناعم.
د/ مدحت نافع
خبير الاقتصاد والتمويل وإدارة المخاطر