يعج الشارع المصرى فى جميع المحافظات بعدة أشكال من البلطجة، بينما تقف الحكومة عاجزة عن مواجهتها، أو تغض الأجهزة المسئولة النظر عنها إما لتقصير وتراخى معتاد، أو بحجة أن الأوضاع الأمنية لا تسمح.
أحد أهم مظاهر البلطجة القميئة هى منادى السيارات، الذى يطلق عليه أيضاً «السايس»، تلك المهنة التى أصبحت مهنة من لا مهنة له، يمارسها البلطجية وأرباب السوابق خارج أى إطار تنظيمى حقيقى، إلى أن وافقت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب على مشروع منادى السيارات.
فهل ينجح القانون فى تنظيم عمل وترخيص مهنة «السايس»، ويمنع الفوضى العارمة الموجودة الأن، ويقنن الوضع الحإلى لهم؟ وهل العبرة باصدار قانون جديد يضاف إلى «الغابة التشريعية»، أم أن الأهم هو إلى أى مدى سيتم تفعيل القانون دون الالتفاف حوله خصوصاً أن لدينا قوانين لا يتم إنفاذها لأسباب تتراوح بين الفساد، والتراخي، وعدم جدوى القانون ذاته.
بداية أشير إلى أن منادى السيارات أو «السايس» هى مهنة من لا مهنة، ولا يوجد مثيل لها فى أى دولة إلا مصر، تتلخص وظيفة منادى السيارات فى مساعدة صاحب السيارة فى ركن السيارة والمحافظة عليها فترة غيابه مقابل مبلغ من المال. وأحياناً فى تنظيف السيارة خلال فترة الانتظار، فى الماضى كان «السايس» يرتدى زى مميز، ويعلق لوحة نحاسية تحمل بياناته الصادرة من جهة الترخيص، وكان مهذباً يؤدى عمله كما ينبغى، ومع مرور الوقت وتحت تأثير المتغيرات إلى حولت الشارع المصرى إلى غابة يسودها الانفلات والفساد والبلطجة، تحولت مهنة «السايس» إلى بلطجة يمارسها أفراد أكثرهم من فئة المسجلين الخطر لابتزاز أصحاب السيارات بفرض إتاوة دون تقديم خدمة حقيقة، وإلا تعرض صاحب السيارة للتنكيل به إما باتلاف اجزاء السيارة أو الإهانة العلنية. فيضطر صاحب السيارة للرضوخ إلى دفع تلك الإتاوة المالية مرغماً حتى أصبحت تمثل عبئاً يستنزف ميزانية العائلة المصرية التى أنهكتها الأعباء المالية، وارتفاع الأسعار المجنون خلال السنوات القليلة الماضية.
ساعد على انتشار مهنة منادى السيارات ندرة ساحات الانتظار وأماكن الانتظار على جوانب الشوارع، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من المركبات التى تسير فى جميع أنحاء مصر، وعدم تكهين السيارات القديمة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وضح أن إجمإلى عدد المركبات المرخصة والموجودة فى الحركة بشوارع مصر حتى نهاية عام 2016، بلغ نحو 9.351 مليون مركبة ما بين سيارات ملاكى وأجرة وأتوبيسات وسيارات نقل وموتوسيكلات. هذا العدد الهائل من المركبات يجعل انتظار السيارات مشكلة حقيقة، ويوجد مبرر قوى لانتشار مهنة منادى السيارات تحت ذريعة توفير مكان انتظار.
ثم تفاقمت الأوضاع بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث غلب على المهنة سيطرة جماعات بلطجية على مناطق بأكملها مستغلة نقص الأماكن الخاصة بركن السيارات بالشوارع الرئيسية والفرعية، وغياب أو ضعف رقابة الاجهزة المعنية، فأصبح لهم قانونهم الخاص يطبق بحزم فيما بينهم وعلى أصحاب السيارات.
فى الأسبوع الماضى وافقت لجنة الإدارة المحلية بالمجلس على مشروع قانون منادى السيارات، يهدف القانون إلى تنظيم أماكن وساحات انتظار السيارات فى الشارع، وينص على إنشاء لجنة عليا بكل محافظة لإدارة وتنظيم مهنة منظم السيارات على أن يصدر بتشكيلها قرار من المحافظ أو رئيس الجهاز المختص بالمجتمعات العمرانية الجديدة، وتختص اللجنة بإصدار القرارات واللوائح المنظمة للعمل، وتحديد المناطق التى تصلح للانتظار دون إعاقة حركة المرور، وتحديد عدد ساعات العمل ونهايته، وتحديد القيمة المراد تحصيلها من طالب الخدمة «الركنة» وإصدار دفتر تحصيل بالقيمة المحددة.
وتتضمن بنود القانون أيضاً أن تحدد اللجنة العليا رسوم التراخيص لكل منظم بما لا يجاوز ألف جنيه، والذى يتولى تحصيل مقابل انتظار السيارات المحدد بمعرفة اللجنة، كما نص مشروع القانون على أن اللجنة العليا تكون مسئولة عن إعلان مزايدة علنية لشركات الأمن والحراسة والخدمات المرخص لها بمزاولة المهنة على ان تقوم الشركة بتدبير زى للعاملين، وفقاً للمواصفات المحددة من اللجنة، وتعمل على حسن أداء العمل بصورةٍ مرضية، والالتزام باللوائح والجزاءات الموقعة على الأفراد من جهات الإشراف، وفق نظام العمل والجزاءات.
ويشترط فيمن يصدر له الترخيص بمزاولة مهنة منادى السيارات عدة شروط منها ألا يقل سنه عن 21 سنة حال التقدم بطلب الترخيص، إجادته للقراءة والكتابة، وأن يكون حاصلاً على رخصة قيادة سارية حال التقدم بطلب الترخيص، بجانب شروط أخرى، أما العقوبات، فقد وردت فى مشروع القانون بأن يعاقب كل من يمارس مهنة «السايس» دون ترخيص بالحبس مدة لا تزيد عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تزيد على ألف جنيه، وفى حالة العودة تضاعف العقوبة.
على الرغم من أن مشروع القانون يبدو جيدًا ويعالج إلى حد كبير مشكلة عشوائية مهنة منادى السيارات، غير أنى مازلت متوجساً فى اصدار رأى قاطع بانتهاء ظاهرة البلطجة التى تمارسها هذه الفئة.
لعل أبرز هواجسى تنبع من الشك فى انفاذ القانون بفاعلية و صورة منتظمة فى جميع أنحاء المحافظات والشوارع لأسباب لا تغيب عن أحد أبرزها الفساد، ومع ذلك، أرجو أن أكون مخطئ فى ظنى.