اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 75
مصر تعلن عن صندوقها السيادى بـ 200 مليار جنية كخطوة أولى
صندوق الثروة السيادى أو الصندوق السيادى هو صندوق مملوك من قبل دولة يتكون من أصول مثل الأراضى، أو الأسهم، أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى يدار بفكر استثمارى احترافى، ومن الممكن وصف هذه الصناديق بكونها كيانات محترفة تدير فوائض وأصول الدولة من خلال طرحها للاستثمار فيها وزيادة العائد المتحقق عليها؛ وتقيم هذه الأصول والأموال بمليارات الدولارات تستثمرها الدول فى تحقيق أكبر عائد ممكن من الاستثمار فيها.
والصناديق السيادية ليست ظاهرة جديدة، بل يعود تاريخ بعضها إلى العام 1953، حيث أن أول صندوق سيادى فى العالم أنشأته دولة الكويت وفقاً لبعض الدراسات، لكنها بدأت تنشط بصورة مفرطة مؤخراً استحوذت تلك الصناديق ضمن القطاع المالى وحده على حصص فى مؤسسات عملاقة مثل مورغان ستانلى وبير ستيرن وميريل لينش وسيتى جروب وUBS. وهناك صناديق مثل صندوق تمساك السنغافورى، جهاز أبوظبى للاستثمار، والصندوق السعودى للاستثمار والتنمية، وصندوق النرويج السيادى، ولعل الصندوق النرويجى الابرز عالميا حاليا، حيث يدير محفظة استثمارية تقدر بـ850 مليارد دولار، فكيف نشأ هذا الصندوق؟
فى عام 1966 منحت الحكومة النرويجية التراخيص لشركات عالمية لبدء الحفر بحثاً عن النفط بعد أن أعلنت سيادتها على الجرف القارى حول بحر الشمال، وذلك تحت سيطرتها وإشرافها، واستمر الحفر لمدّة 4 سنوات، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، وبدأت الشركات بالانسحاب وشحن حفاراتها، عدا شركة Philips petroleum التى بقى لديها بئر واحد ينتظر الحفر، وبعد 4 سنوات من المحاولات، اكتشف النفط أخيرا فى أواخر ديسمبر عام 1969، وبدأ التحوّل الاقتصادى فى النرويج، من دولة تعتمد على الزراعة وصيد الأسماك، لتصبح الدولة الرائدة عالمياً فى مجال التنقيب عن النفط والغاز، وبعد الطفرة التى عاشتها البلاد، بات الهدف هو المحافظة على مستويات النموّ وتحصين الاقتصاد فى المستقبل، فكان تأسيس صندوق النفط عام 1990 لدعم الاقتصاد على المدى الطويل، عندما تشّح الإيرادات النفطية.
وفى عام 1996، جرى أوّل تحويل مالى إلى الصندوق، ثمّ فى عام 2006 تمّ تغيير اسمه ليصبح الصندوق التقاعدى الحكومى النرويجى، وتقوم وحدة الاستثمار فى البنك المركزى النرويجى NORGES BANK، بإدارة الصندوق نيابة عن وزارة المالية، التى تمتلكه باسم الشعب.
ولتفادى آثار تقلبات النفط على اقتصاد البلاد، يركز الصندوق استثماراته فى الخارج، فى نحو 9 آلاف شركة تعمل فى قطاعات مختلفة، فى 75 دولة، حيث ترتكز 40% من استثماراته فى أمريكا الشمالية، و38% فى أوروبا، و18% فى آسيا وأوقيانيا، و4% فى باقى دول العالم، وتشكّل 1.3% من الشركات المدرجة عالمياً، و2.4% من الشركات المدرجة فى أوروبا.
ينوّع البنك محفظته الاستثمارية، فيستثمر فى 3 فئات من الأصول: 60% فى الأسهم و35% فى السندات و5% فى العقارات، وذلك لتحصيل أعلى عائد ممكن، ضمن الأطر المحددة من وزارة المالية.
وأحد المبادئ الأساسية للسياسة المالية النرويجية، هو ما تسمى بقاعدة الميزانية، حيث لا يسمح للإنفاق الحكومى بتخطى سقف العائدات الحقيقية المتوقعة للصندوق، والتى تقدّر عادة بنحو 4%.
وقد سجّل الصندوق عائدات سنوية بين عامى 1998 و2015، بنحو 5.8%، قبل احتساب التضخم و تكاليف إدارته، وقد تصدّر الصندوق السيادى النرويجى مؤشر لينابورج مادويل للشفافية، الذى يقيس شفافية الصناديق السيادية العالمية، حيث حصل على كامل النقاط العشر على سلم المؤشر.
وحيث أن مصر قد أعلنت عن إنشاء صندوقها السيادى بمحفظة استثماريها قوامها 200 مليار جنيه (بنحو 11.3 مليار دولار ) كبداية لعمل الصندوق لهو أمر حميد كثيرا ما طالب به العديد وذلك لتعظيم الاستفادة من الاصول غير المستغلة للدولة وإدارة استثمارات الدولة بطريقة حرفية وبهدف تعظيم العائد والإيرادات خارج نطاق موارد الإيرادات التقليدية.
ولكن ينبغى أن يتولى أداة هذا الصندوق استثمارية عالية المستوى على جميع المستويات الإدراية الخاصة به وان تتمع إدارته باستقلالية تامة وبناء على معايير قياس أداء عالية وقدر كبير من الشفافية والإفصاح، ولا ضرر من الاستفادة من تجارب الصناديق السيادية الشهيرة التى ذكرناها.. فلا يجب ان نعيد اختراع العجلة من جديد..
أتمنى لتجربة صندوقنا السيادى الجديد النجاح كأداة بعيد عن أدوات الموازنة لتعظيم العائد الاستثمارى لأصول وأموال الدولة بإدارة استثمارية حرفية تولد مزيداً من الموارد والأرباح.
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..