فى الشمال الغنى، يمتلئ الصيف الحالى بحملات التطعيم وعودة الحياة لشكلها الطبيعى، وينقسم سكان الشمال إلى أولئك السعداء ببرنامج اللقاح فى بلادهم وأولئك المحبطين، والمتفائلين بشأن الإنفاق السخى على غرار فترة «العشرينات الصاخبة» وأولئك الذين يخشون من أن الضوء فى نهاية النفق سيتم إخماده بواسطة سلالة متحولة، لكننا نتشارك شعورا بأن الأسوأ قد يكون على وشك الانتهاء، اجتماعياً ومحلياً، وقد يكون ذلك صحيحاً.
لكن الوباء بعيد كل البعد عن الانتهاء فى أجزاء كثيرة من نصف الكرة الجنوبى بالنظر إلى كارثة الهند، وعدد الوفيات فى أمريكا اللاتينية وعودة ظهور الفيروس فى جنوب شرق آسيا، وسياسيا وعالميا، تنتظرنا تحديات صعبة.
ولعبت معظم الحكومات الغربية دورا مهما خلال الأزمة المالية فى 2008، وتعلمت دروس الثلاثينيات، وأنقذت الأنظمة المصرفية، وتجنبت كساد جديد، وكان هناك تعاون عالمى فعال، لكن على المدى المتوسط، فشلوا فى مواجهة تفاقم عدم المساواة، وانخفاض الدخل الحقيقى، والتهميش متعدد الأوجه الذى أدى إلى الشعبوية والقومية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وانتخاب قادة مثل دونالد ترامب، وبحلول عام 2020، كانت العلاقات بين القوى الكبرى فى العالم فى أسوأ حالاتها منذ الحرب الباردة.
ومع تسبب «كوفيد» فى وضع مشابه للأزمة المالية العالمية، كما قال مدرب البيسبول، يوغى بيررا، ذات مرة، وبعد أن خاضت فى الأزمة الصحية بطرق مقبولة إلى حد كبير حتى الآن من قبل شعوبها، وبعد أن نالت الثناء على جهود الإنقاذ التى يمولها دافعو الضرائب، والتى لا تستطيع البلدان الفقيرة تحملها، هناك فرصة كبيرة لأن تمزج حكومات الدول الغنية مرة أخرى بين النجاح التكتيكى مع الفشل الاستراتيجى، وتعد المفاضلات صعبة كما كانت بعد عام 2008، وعند مناقشة هذه المقايضات فى اللجنة العالمية لسياسة ما بعد الجائحة، ظهرت ستة موضوعات رئيسية.
الأول.. هو أن التكاليف البشرية والاقتصادية للوباء كانت ضخمة لدرجة جعلت دعم الدولة لبعض السلع العامة أمر لا يحتاج إلى تفكير، وكان أبرز مثال هو صناعة اللقاح، وفهمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين هذا الأمر بشكل صحيح، وتخبط الاتحاد الأوروبى فى الأمر، وأخطأت اليابان تماما، لكن الوقت لم يفت بعد، ولاتزال كمية اللقاح صغيرة جداً بحيث لا يمكن تطعيم العالم بسرعة.
والصالح العام العالمى الآخر المهمَّل والذى يحتاج إلى أموال الدولة بشكل عاجل هو إنشاء مختبرات المراقبة وأنظمة الكشف عن الأمراض الحيوانية فى المستقبل، ولدى العالم عدد قليل جدا من تلك المختبرات خاصة فى الأماكن التى يكون فيها الانتقال الفيروسى من الحياة البرية إلى البشر محتمل، وربما لا مفر منه.
النقطة الثانية.. لا تحمس كثيراً بشأن الإنفاق العام.
على عكس الإجماع، تصر لجنتنا على أن مستويات الديون السيادية المرتفعة مهمة ويجب أخذ مخاطر التضخم على محمل الجد حتى مع انخفاض أسعار الفائدة، ولا يعد الانتعاش الاقتصادى مجرد قضية العامين الحالى والمقبل وإنما يجب تقويته على المدى الطويل ليتصدى لتطور أى أزمات جديدة وخطيرة سياسياً، كما حدث فى منطقة اليورو فى 2010-12.
ثالثاً.. بينما لا يتعين على الحكومات أن تتحول بسرعة إلى التقشف، فهى بحاجة إلى الانتقال من الاستهلاك وتحويلات الرفاهية المعززة للديون إلى الاستثمار الذى يستهدف زيادة الإنتاجية والنمو، ويجب أن يشكل تسريع الانتقال إلى التقنيات الخضراء جزءاً كبيراً من هذا، وتحتاج اللوائح الذكية، بما فى ذلك الحد الأدنى للأجور ومؤسسات العمل التى تم إصلاحها، إلى لعب دور أكبر فى معالجة عدم المساواة من تحويل الأموال.
رابعاً.. يجب إيلاء اهتمام عاجل للديون السيادية فى البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل، التى يعوقها ضعف التمويل العام وتأخر التطعيمات، ويمكن أن يؤدى الارتفاع الحاد فى أسعار الفائدة على الدولار بسبب التضخم إلى حدوث أزمة، وسيكون الاستثمار فى سعة إنتاج اللقاحات جنباً إلى جنب مع المزيد من التبرعات الكبيرة لمبادرة «كوفاكس» للبلدان الفقيرة جزءاً من الحل، ولكن يجب أن يكون هناك اتفاق دولى بشأن إعادة هيكلة الديون، على غرار خطة برادى فى أوائل التسعينيات.
خامسًا.. ستؤكد الجهود المبذولة لبناء مثل هذا الاتفاق أو التعاون فى قضايا أخرى على شكل العلاقات المتصدعة والعدائية بين القوى العظمى، ويجب أن تذهب دعوات التعاون إلى ما هو أبعد من إشارات الفضيلة والتركيز بوضوح على التزويد المشترك للسلع العامة المهمة: التطعيم والمراقبة والديون والمناخ يجب أن يكون الدافع هو: التحدث حيثما تستطيع، والعمل مع الحلفاء عندما يتوجب عليك ذلك.
سادساً.. الموضوع الأخير، والأكثر أهمية، هو أن يبدأ التركيز على التهديدات المستقبلية – الأوبئة الجديدة، والإرهاب البيولوجى، والإنترنت، والأكبر من ذلك كله، المناخ – اليوم، ويتمثل الدرس الأبسط والأصعب فى 2020-21 هو أن الكلمات الجميلة لا تحل المشكلات وإنما الإجراءات التى تضع الاستعداد فى قلب تخطيط الأمن القومى، وحان الوقت للاستعداد للتهديد القادم.
بقلم: بيل إموت، صحفى إنجليزى ومؤلف ومستشار ورئيس تحرير مجلة «ذى إيكونوميست».
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»