يعلم الجميع أن قادة المؤسسات يعملون على تحقيق وحدة الهدف وهو أهم عمل لمجلس الإدارة على الإطلاق، ويحددون اتجاه المنظمة لتحقيق الرسالة / الرؤية والأهداف، الجودة وتطبيقها كله يتعلق بالثقافة، فى الواقع، اسم اللعبة هى الثقافة الداخلية التى تربط كل خطوط المؤسسة بعضها ببعض ومع الرؤية العليا لمجلس الإدارة.
مفتاح هذه المشكلة هو “هل يعلم قادة الرعاية الصحية علاقة الجودة بالرسالة والرؤية وإحتواء المخاطر وتحقيق الأهداف”.
أعتقد أن الثقافة التى تنشأ فى أى منشأة هى تعبير حقيقى عما يؤمن به القادة، ولهذا السبب يتعين علينا التفكير بعناية فى مكمن المشكلة أو التحدى؟ لماذا يتعين علينا إقناع القادة بأن الجودة أمر جيد لمنظماتهم؟ السؤال فى حد ذاته، على الرغم من أهميته الكبيرة، هو سؤال صادم للمرضى وللناس جميعا، أليس كذلك؟
أعتقد أن الجودة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بموضوعين مهمين، قد يمثلان وجهين لعملة واحدة، هما “فهم الصناعة وفهم السوق Market and Industry”.
ويجب على القادة دراسة الصناعة الصحية ومراقبة المتغيرات المتسارعة التى تؤثر على الصناعة بأكملها عن كثب بما فى ذلك القوانين واللوائح.
وقد يرى بعض القادة أنهم على دراية جيدة بالصناعة الطبية والسوق الذى يستهدفونه، لكننا قمنا بمراجعة العديد من القادة فى مختلف الكيانات الحكومية وغير الحكومية والخاصة وتوصلنا إلى رؤية واضحة، وهى أن معرفة القادة بالصناعة وبالسوق محدودة للغاية، مثال، أنكر 73% “63 من إجمالى 88 قائدا من القادة أهمية العديد من الوكالات الحكومية، على سبيل المثال لا الحصر، غرفة مقدمى الخدمات الصحية وجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار وجهاز حماية المستهلك.
ويبدو أن السوق الطبى المفتت Fragmented market هو أهم أسباب سلوكهم المتمثل فى عدم الاكتراث. سأركز على استكشاف صناعة الرعاية الصحية وكذلك سوق الرعاية الصحية لأظهر بوضوح الرابط نحو الجودة.
ويبقى السؤال، وهو لماذا لا يتم تطبيق مبادئ الجودة فى بلدنا؟، على الرغم من أن معظم قادتنا يعرفون ويمارسون الجودة فى بلدان أخرى، ويعرف معظمهم أهمية الحوكمة السريرية وتأثيرها على سلامة الممارسة اليومية وبعضهم يعرف القيمة المضافة لحوكمة الشركات لاستدامة مؤسساتهم وارتفاع القيمة.
الشيخوخة والأمراض المزمنة والتأمين الصحى الشامل الجديد هى المحركات الرئيسية لصناعة الرعاية الصحية وهى رمانة الميزان بين الطلب الضخم والذى لا يقابلة نفس المستوى من العرض Imbalance between Demand and Supply.
وكل هذه القضايا تؤثر بشكل كبير على التوازن بين العرض والطلب وهو يتحكم فى حجم الاستثمار بطريقة مباشرة، الطلب ضخم ومتزايد بشكل متسارع ولا يتم تلبيته بنفس الوتيرة وبنفس المستوى من قبل مقدمى الخدمات الصحية.
وهناك ثلاث اختناقات ستستمر فى منع الوصول إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وهى التعليم و إدارة الموارد المالية والقوانين المتعلقة بالرعاية الصحية.
ودعونا نتفق على أن تضامن جميع أصحاب المصلحة هو الخطوة الأولى نحو تغيير حقيقى، فصناعة الصحة بحاجة إلى تغيير جوهرى لمعالجة الاختناق وحجم السوق المصرى الحالى لا يكفى لتحقيق النمو.
ودعونا ندقق فى علاقة السوق بقدرتة على النمو الذاتى.. تكلفة تغطية العجز فى عدد الأسرة بمصر هو 100 ألف سرير فى حده الأدنى لتحقيق مرحلة أولى من التوازن بين العرض والطلب وهى تكلفة لا تقل عن 300 مليار جنيه، وهذه المبالغ لا يمكن تمويلها من القطاع الخاص المصرى وفى الأغلب نحتاج إلى مزيج ثلاثى عبقرى بين الخاص والحكومى والاستثمار المباشر FDI لتغطية هذا النقص.
لذا فإن رسالتنا إلى قادة الرعاية الصحية هى اجتهد لتجذب الاستثمار الأجنبى المباشر لتحقق الجودة القادرة على تنمية سوق الرعاية الصحية المصرى ليكون جاذبا للسياحة العلاجية ومانعا للمصريين الراغبين فى السفر للخارج بحثآ عن جودة لا يجدونها فى بلادهم.
ورسالتنا الثانية إلى قادة الرعاية الصحية اجتهد على تغيير القوانين ذات الصلة المانعة لجذب الاستثمار لمؤسساتكم لتحقيق النمو المرجو تحقيقه خلال الخمس سنوات القادمة.
وأحب أن أوكد أن رقم 300 مليار جنيه هو رقم قد يبدو للوهلة الأولى صعب المنال ولكن هذا المبلغ هو رقم متواضع بالنسبة للعائد المتوقع من استثماره فى دول بحجم مصر وبقطاع صحى يحتاج بشدة لكل تلك الأموال وفى وقت قصير، فتخصص مثل العيون وحده يحتاج إلى مالا يقل عن 15 مليار جنيه لتحقيق نوع أولى من التوازن بين العرض والطلب ونحتاج إلى مبلغ لا يقل عن 80 مليار جنيه لتغطية خدمات الطوارئ وهكذا.
ودعونا نلقى نظرة سريعة على بعض الأرقام الاقتصادية ذات الصلة المباشرة بالقطاع الصحى و التى توضح مدى غياب مصر عن ساحة مقدمى الخدمة الطبية على المستوى العالمى، حيث تمثل مصر أقل من 0.045% من الثروة العالمية لسوق الرعاية الصحية، والاستثمار المخصص محليًا مقارنة بالعالمى للرعاية الصحية لعام 2020 هو 0.00068%، ومتوسط إنفاق الفرد فى مصر لعام 2020 هو 2% من متوسط الإنفاق الفردى العالمى فى البلدان المتطورة.
وأعتقد أن كل الأرقام التى ذكرتها ستدفع معظم القادة للبحث عن المحرك الذى نجذب به بعض من تلك الأموال وكل تلك الاستثمارات إلى مصر، والإجابة بكل بساطة هى الجودة والحوكمة.
يوجد بالخليج العربى وشمال أفريقيا أكثر من 700 مشروع رعاية صحية بقيمة 60.9 مليار دولار أمريكى سنة 2020 وتبلغ قيمة السياحة العلاجية العالمية حوالى 44.8 مليار دولار أمريكى سنة 2019، كيف نجذب المستشثمر إلى سوقنا؟ نعلم جميعًا أن قيمة الشركات المحوكمة هى أعلى بنسبة 20% من الشركات غير الخاضعة للرقابة والغير محوكمة وفق الأصول العالمية ووفق مبادئ الشفافية والمسائلة، وبالتالى فإن الإجابة على السؤال هى الجودة بمعناها الواسع وارتباطها بكافة المبادئ المتعلقة بالحوكمة والشفافية والإستدامة.
ودعونا نراجع بعض الإحصائيات الرئيسية المتعلقة بالسياحة العلاجية بالعالم لنعرف كيف لنا أن نزيد من سوق الرعاية المصرى بشكل ضخم، حيث يبلغ العدد العالمى للسياحة العلاجية حوالى 8.2 مليون عام 2019 بقيمة إجمالية 44.8 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينمو كل عام بنسبة 21.1% من عام 2020 إلى عام 2027 ليصل إلى 207.9 مليار دولار أمريكى فى عام 2027 ومن المتوقع أن يزداد عدد السياح الطبيين حول العالم بنسبة 25% كل عام.
وتكشف حقائق السياحة العلاجية أن الناس ينفقون عادة ما بين 3000 – 10000 دولار على الخدمات الطبية بالزيارة “تذكر أن المصرى معدل إنفاقة السنوى هو 126 دولار”، وفى عام 2019، كانت تايلاند مشهورة جدًا بالسياحة العلاجية بحصة سوقية بلغت 22% واستقبلت 1.8 مليون زائر “نسبة كبيرة من البلاد العربية والأفريقية”.
وأعتقد أن معظم قادة الرعاية الصحية منشغلون بالسوق المحلى بسبب تعقيداته القانونية والمنافسة الشرسة ولهذا دعونى أوجة لهم العديد من التساؤلات الهامة.
*نحن نتساءل عن ما إذا كان السوق المستهدف يمكن أن يحقق النمو المستهدف؟
*هل معدل الصرف السنوى للمصرى وفقا للسوق الذى يرتاده يحقق الربحية والاستدامة لمقدم الخدمة؟
*هل هامش الربح قادر على تحقيق النمو المستهدف؟
قمنا بتقسيم سوق الرعاية الصحية إلى 48 سوقًا محددًا “48 كود مستقل”، يرتبط نصفها بالسوق المحلى والآخر يتعلق بسوق السياحة العلاجية، وقسمنا السوق حسب الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية والمتخصصة، وكل ما سبق له شكلين فى السوق أحدهما معتمد والآخر غير معتمد، وكلاهما مرخص قانونًا وفقًا للقوانين واللوائح المحلية، الأول معتمد من إحدى الهيئات المعترف بها دوليًا.
ويهدف هذا التقسيم إلى توضيح للقادة أن مؤسستك يمكنها توسيع سوقها من خلال الاعتماد وأن هوامش الربح لهذه الأسواق أعلى بكثير مع إحتمالية تدفق نقدى أفضل من السوق المحلى.
الرسالة الأخيرة، الجودة هى أداة رائعة تستخدم لحمايتك من الناحية القانونية ولتوسيع سوقك وتحسين أرباحك المالية وزيادة القيمة السوقية لأعمالك.
بقلم: الدكتور خالد سمير؛ العضو المنتدب لمستشفيات دار العيون، ورئيس مجلس إدارة شركة تشاور








