كيف أصبحت هونج كونج مركزًا لتجارة الرقائق الروسية؟


في هونج كونج، يمكن إنشاء شركة وهمية في غضون أيام، وبأقل من تكلفة هاتف “أيفون”.

بدأ هذا النظام الصديق للأعمال في ظل الحكم البريطاني، واستمر في ظل الصين الشيوعية، لمساعدة المدينة للتحول إلى واحدة من أنجح المراكز التجارية في العالم.

لكن هذا النظام، وضع هونج كونج أيضًا في قلب شبكة من الشركات التجارية التي تنقل ملايين الدولارات من أشباه الموصلات الأمريكية الصنع إلى روسيا رغم العقوبات الأمريكية المفروضة في أعقاب غزو أوكرانيا.

قال بريان ميركوريو، أستاذ القانون في الجامعة الصينية بهونج كونج، إن “هونج كونج مركز أعمال، وتُعرف بسهولة ممارسة الأعمال التجارية بها، ما قد يعني سهولة إنشاء شركات وهمية بتكلفة رخيصة”.

اضاف أنه “يمكن بعد ذلك استخدام شبكة الشركات المترابطة للتهرب من العقوبات، وبفضل إدراجها بالبورصة أو عند حظرها، يمكن ببساطة الانتقال إلى شركة أخرى من الشركات”.

يمكن لأي شخص، محلي أو أجنبي، تسجيل شركة وأن يكون مديرها ومساهمها الوحيد في ظل لوائح هونج كونج.

تقدم العديد من الوكالات في هونج كونج والبر الرئيس للصين، خدمات شاملة لتسجيل شركة في المدينة، حتى أنها توفر عنوانًا محليًا لاستخدامه كعنوان مكتبها المسجل، مما يسهل الأمور.

وتتراوح الرسوم بين 4800 إلى 13000 دولار هونج كونج، أي 611 إلى 1656 دولار أمريكي.

ويمكن عادةً إكمال التسجيل في غضون أسبوع، حسب ما قاله العديد من الوكلاء في تصريحات إلى مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.

نتيجة لذلك، تضم هونج كونج عددا مذهلا من الشركات مقارنة ببعض جيرانها الكبار.

فعلى سبيل المثال، اليابان التي كان لديها حوالي 1.78 مليون شركة في 2021، وفقًا لمسح حكومي، وهذا ليس أعلى بكثير من 1.38 مليون في هونج كونج في ذلك العام، رغم أن عدد سكان اليابان أكبر بـ17 مرة.

تعود سمعة هونج كونج في حسن التعامل التجاري إلى الأيام الأولى للحكم الاستعماري، فقد أعلن السير تشارلز إليوت، أول مسئول بريطاني لهونج كونج، أنها ميناء مجاني في يونيو 1841، ما يعني عدم فرض رسوم جمركية على الواردات، وسرعان ما أصبحت واحدة من المراكز التجارية الرئيسية بالمنطقة.

كفل القانون الأساسي، الذي اعتُمد بعد قرن ونصف، استمرار سياسة هونج كونج للتجارة الحرة والسوق المالية الحرة والمفتوحة بعد تسليمها في 1997، ومنذ ذلك الحين، ظلت المدينة مركزًا للتجارة والتداول العالمي.

ليس هناك ضوابط على رأس المال، ما يعني أنه يمكن جلب الأموال وإخراجها بحرية كاملة تقريبًا.

كما أن المستثمرين ليسوا بحاجة للقلق بشأن المخاطر المادية في أسعار الصرف، خاصة في ظل ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي.

طبقاً لدراسة مشتركة بين مجموعة “برايس ووتر هاوس” والبنك الدولي، تحتل هونج كونج حالياً المرتبة الثانية من 191 اقتصاداً، خلف البحرين فقط، من حيث سهولة دفع الضرائب.

يذكر أن الحد الأقصى للضرائب على الشركات يبلغ 16.5%، فيما يبلغ الحد الأقصى لضرائب الأفراد 17%، ولم تُفرض أي ضرائب على أرباح رؤوس الأموال أو أرباح المساهمين أو الدخل القادم من مصادر أجنبيه.

حافظت الصين إلى حد كبير على نظام هونج كونج الصديق للأعمال لأن القيام بذلك أثبت جدواه منذ فترة طويلة.

خلال الحرب الكورية، على سبيل المثال، عندما كانت البلاد تعاني من عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ساعدت بعض الشركات المتعاطفة مع بكين في ربط العلاقات التجارية مع العالم الغربي، حيث عملت شركات تتخذ من هونج كونج مقراً لها كنوافذ للعالم الخارجي وسبل لجلب العملات الصعبة.

في الوقت نفسه، آثار الإصلاح والانفتاح بقيادة دنج شياو بينج منذ أواخر السبعينيات طفرة جديدة في تأسيس الشركات بهونج كونج، إذ عادت الشركات الأجنبية لاستخدام الإقليم كنقطة انطلاق للحصول على موطئ قدم في بر الصين الرئيسي، بينما أنشأ عدد من الكيانات الصينية شركات جديدة في هونج كونج للحصول على امتيازات “المستثمر الأجنبي”.

كتب البروفيسور س.ه. جوو، من جامعة هونج كونج، في دراسة عن تاريخ تأسيس الشركة بالمدينة، قائلاً إن “بعض سكان البر الرئيس نقلوا رأسمالهم إلى هونج كونج ودمجوا أعمالهم هناك، وذلك للاستفادة من السياسات المواتية تجاه الاستثمارات الأجنبية”.

وتابع: “عندما قامت هذه الشركات التي تأسست في هونج كونج بأعمال تجارية في الصين، كان يُنظر إليها بعد ذلك باعتبارها مستثمرين أجانب وتمتعت بالمعاملة التفضيلية التي جاءت معها، وكان من الواضح أن تأسيس الشركة بهونج كونج جلب فائدة كبيرة لرجال الأعمال في بر الصين الرئيسي”.

في الأعوام الأخيرة، أثارت قبضة بكين المتشددة بشكل متزايد على المدينة مخاوف من فقدان هونج كونج مكانتها كمركز تجاري ومالي لآسيا.

تجاوزت سنغافورة هونج كونج العام الماضي باعتبارها المركز المالي الأول في آسيا، حسب مؤشر المراكز المالية العالمية، وظلت وراء الدولة المدينة في التحديث نصف السنوي الذي صدر مارس الماضي.

ومع ذلك، تظل هونج كونج مركزًا تجاريًا حيويًا بفضل نظام القواعد واللوائح الصديقة للأعمال، والتحدي الذي يواجه المدينة في المستقبل هو الحفاظ على سهولة ممارسة الأعمال التجارية دون المساومة على سمعتها.

 

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: روسيا

منطقة إعلانية

https://www.alborsaanews.com/2023/05/07/1663780