قالت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، إنَّ المدن المصرية يمكن أن تلعب دوراً محورياً فى دعم التحول الأخضر، لكنها فى الوقت نفسه، تعد مصدراً رئيسياً للتلوث.
فوفقاً لحسابات البنك الدولى، تسهم المدن المصرية بأكثر من 80% من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون المباشرة، وتمثل أيضاً حصة كبيرة من الطلب المتزايد على الطاقة وإمدادات المياه العامة.
وأشارت المنظمة إلى أن المدن المصرية تواجه تحديات متزايدة فى إدارة النفايات والتلوث، بجانب النقص المزمن فى المساكن ذات الأسعار المعقولة، إلى جانب توفير عرض مناسب من خيارات النقل العام للجميع.
وقالت إن هناك حاجة ماسة إلى إجراءات متماسكة وموجهة من مختلف مستويات الحكومة لتوجيه التنمية الحضرية نحو مسارات أكثر استدامة، خاصة أن تصميم البنية التحتية الحضرية سيكون له تأثيرات طويلة المدى على مسار البلاد منخفض الكربون، واستخدام الموارد، والتعرض والقابلية للتأثر المخاطر المناخية.
ونوهت بأن آثار تغير المناخ فى المناطق الحضرية واضحة بشكل متزايد، وتتعرض المدن المصرية للعديد من المخاطر المرتبطة بالمناخ، وخاصة موجات الحر والفيضانات المفاجئة والعواصف الترابية وارتفاع منسوب مياه البحر.
وقالت إنه من الضرورى تعزيز القدرة على الصمود فى وجه تغير المناخ على مستوى المدن لتقليل التكاليف الاقتصادية لآثار تغير المناخ ولحماية الفئات السكانية الأكثر ضعفاً.
وأشارت المنظمة إلى أنه رغم أن الحكومة تدشن 23 مدينة جديدة أخرى، تعرف باسم مدن «الجيل الرابع»، وتهدف لاستيعاب حوالى 30 مليون ساكن بحلول 2030، بخلاف توسعها منذ السبعينات فى استصلاح الأراضى وبناء مجمعات جديدة لكن الضغوط السكانية لا تزال أقوى، ما أدى إلى التوسع الحضرى غير المنضبط.
وزيرة البيئة: إنشاء السوق الطوعى للكربون بمصر يمهد الطريق للإلزامى
وكان معظم الطلب على المبانى غير المخططة بسبب الأسعار المعقولة القريبة من مراكز المدن، فى حين تكافح المدن الجديدة لجذب السكان.
وقالت إن الإطار المؤسسى للتخطيط الحضرى معقد؛ حيث يشتمل على عدد كبير من الهيئات الحكومية والوكالات المتخصصة.
ويمكن لأصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وصندوق التنمية الحضرية مراجعة الأدوات التشريعية والتنظيمية لتحديد فجوات الاستدامة واقتراح تعديلات على الأطر القانونية، ووضع سياسة جديدة للتخطيط العمرانى.
وقالت إن هذه الهيئات جهات فاعلة رئيسية ولكن ليس لديها مساحة مشتركة لتسهيل الحوار وتبادل الخبرات، ومعاً، يمكنها بناء أساس قوى لممارسات التنمية الحضرية المسئولة بيئياً.
وشددت المنظمة، فى تقريرها، على أنه من المهم الإسراع فى تطوير خطط العمل، مصحوبة بالتمويل الكافى والآليات المؤسسية، لضمان التنفيذ الفعال للسياسة الجديدة.
وأشارت إلى أن هناك حاجة إلى زيادة الموارد لرصد الامتثال وإنفاذ القوانين واللوائح، ويمكن تحسين رصد وتقييم المشاريع الحضرية وتأثيراتها البيئية من خلال ربط المؤسسات المسئولة عن التخطيط بشكل أفضل، مثل الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، مع السلطات المحلية المسئولة عن التنفيذ على مستوى المحافظات، وقد أدت هذه الفجوة إلى انخفاض التنفيذ.
وتقوم الحكومة بإعداد العديد من الاستراتيجيات القطاعية لتحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بها، وهى الاستراتيجية الوطنية للمبانى الحضرية الخضراء، والاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية والإدارة المتكاملة للأراضى فى المدن الجديدة والإستراتيجية الوطنية للنقل الحضرى الأخضر.
لكن المنظمة ترى أن جودة الاستراتيجيات لا تقل جودة عن تنفيذها، ولذلك، ينبغى أن تكون مصحوبة بخطة عمل وأهداف وسيطة لرصد التقدم والموارد المالية المرتبطة به.
وقالت إنه بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة إنشاء آليات تحفيزية للتنفيذ مثل التمويل القائم على النتائج ومواصلة تعزيز اللامركزية للتغلب على العمل المنعزل.
وقالت إن الاعتماد الكبير على صنع القرار المركزى يزيد من خطر الانفصال بين السياسات والاستجابة للاحتياجات المحلية.
وقالت إنه من شأن الانتقال إلى نهج أقل مركزية وأكثر تشاركية أن يساعد مصر على مواءمة السياسات الحضرية بشكل أفضل مع احتياجات التنمية المحلية، وإن ذلك سيتطلب أن يكون لكل وحدة إدارة محلية موازنة مستقلة.
وعلى هذا النحو، ينبغى أن يكون لها الحق فى تحصيل إيراداتها الخاصة من خلال الضرائب والرسوم، وهو ما من شأنه أيضاً أن يعزز المساءلة؛ حيث يتم جمع جميع الضرائب تقريباً بشكل مركزى، ما يترك السلطات المحلية بلا استقلال مالى تقريباً.
وقالت إنه نتيجة ذلك، تعتمد السلطات المحلية بشكل مفرط على التحويلات النقدية من الحكومة المركزية، وهو ما قد يقوض المبادرات المحلية لتعزيز العمل المناخى.
وذكرت أن التخطيط الاستثمارى المجزأ حسب القطاعات يعيق رؤية التنمية المتكاملة على المستوى المحلى.
وقالت إن الإدارات المحلية لديها فرص لزيادة الإيرادات غير الضريبية، مثل مواقف السيارات، وإن كان من الصعب زيادة العبء المالى على المواطنين فى ظل السياق الاقتصادى الحالى.
وأشارت إلى أن هناك فرصاً لتقبل رفع الرسوم على الخدمات التى تتحسن جودتها مثل جمع النفايات وإذا كان العمل المناخى يفيد نوعية حياتهم مثل المساحات الخضراء.
“المشاط”: إطلاق سوق تداول شهادات الكربون خطوة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية
وقالت إنه يمكن لوزارة التنمية المحلية أن تلعب دوراً أكثر أهمية بمجرد مشاركة المجالس المحلية بنشاط فى عمليات صنع القرار، ويمكنها رصد التقدم المحرز فى مختلف المحافظات والبلديات، وبالتالى التأكد من أن الخطط المحلية تطبق أهداف الاستراتيجيات الوطنية وتوزع التمويل وفقاً لذلك.
وقالت إن هناك حاجة ماسة إلى مراجعة قانون البناء ليعكس المعايير الحديثة التى تدعم الأهداف المناخية والبيئية.
وأشارت إلى أن لدى الحكومة العديد من الفرص لدمج معايير البناء الأكثر صرامة وممارسات البناء الأخضر فى كود البناء الخاص بها، وبالتالى التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة مع تحسين القدرة على التكيف مع المناخ.
وذكرت أنه يمكن أن يشمل ذلك تعريف المعايير الوطنية لمواد البناء منخفضة الكربون، والحد الأدنى من معايير كفاءة الطاقة لجميع المبانى الجديدة، وأحكام استخدام مصادر الطاقة المتجددة والحد الأدنى من المتطلبات للأماكن العامة الخضراء فى المناطق السكنية.
وقالت إن التوسع فى مصادر الطاقة المتجددة له إمكانات كبيرة فى المدن المصرية، فبعض دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية التى تتمتع بظروف أقل مثالية بكثير جعلت استخدام الألواح الشمسية على الأسطح إلزامياً لجميع المبانى التجارية الجديدة، وتقدم أخرى حوافز سخية للمبانى السكنية.
ويقوم المركز الوطنى لبحوث الإسكان والبناء، الذى تم إنشاؤه تحت إشراف وزارة الإسكان، بتطوير وإصدار القواعد الفنية.
ونوهت بأنه من بين الأولويات الأخرى، نشر المعرفة وتدريب المهندسين والفنيين فى مجالات الإسكان والبناء.
وقالت إن زيادة التعاون مع الجامعات والموظفين المهنيين ذوى الصلة (مثل المهندسين والمعماريين) يمكن أن يساعد على رفع مستوى الوعى وتسهيل تطوير منهج جديد حول البناء المستدام.
وذكرت أن المزيد من الأبحاث حول مواد البناء الخضراء يمكن أن يساعد على تقليل تكاليف تلك المواد، قائلا إنه تم إصدار العديد من الأكواد والمبادئ التوجيهية مثل كود المدينة الذكية وأكواد الطاقة (المبانى التجارية والسكنية).
الاستثمارات الخضراء فرصة لنمو الناتج المحلى وخلق “صناعات مغذية” وفرص عمل
وقالت إنه يجب تخفيف المخاطر البيئية الناتجة عن صناعة مواد البناء، إذ يمكن أن يساعد التحول إلى البناء الأخضر على تقليل انبعاثات الكربون العالمية فى سلاسل قيمة البناء بنحو 23% بحلول عام 2035.
أضافت: «ويمكن اتباع العديد من استراتيجيات خفض الانبعاثات الخاصة بالبناء، بدءاً من الإضافات البديلة فى المواد وتحسين التصميم إلى إعادة تدوير النفايات، ومصادر المياه البديلة، وتعزيز كفاءة أنظمة المياه والبناء».
ونوهت بأنه سيكون من المهم تطوير وتنفيذ معايير قوية لمواد البناء الصديقة للبيئة، ويمكن للتدابير أن تعطى الأولوية لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة فى عمليات الاستخراج فى المناجم والمحاجر.
وقالت المنظمة، إنه يمكن لشهادات المبانى الخضراء وعلامات كفاءة الطاقة أن تزيد من تحفيز الممارسات الخضراء فى قطاع البناء، لكن لا تزال الشهادات الوطنية تفتقر إلى الاعتراف الدولى لتشجيع الشركات الدولية أو المتعددة الجنسيات على التقدم بطلب للحصول عليها.
ويحتاج نظام إصدار الشهادات الوطنى إلى دراسة المتطلبات المحددة وطبيعة النظام البيئى للبناء بشكل أفضل من أجل الارتقاء بمكونات المبانى الخضراء فى قطاعى البناء والعقارات.
ومن الممكن أن تشجع الحوافز الاقتصادية قطاع العقارات على التقدم بطلب للحصول على الشهادات الخضراء بشكل أكثر انتظاماً.
وسيتطلب نشر شهادات المبانى الخضراء على نطاق واسع أيضاً خفض تكاليف إصدار الشهادات، وتعزيز قابلية التنفيذ، وزيادة الوعى بين المهندسين المعماريين والمهندسين والمستثمرين.
وقالت إنه من شأن تسعير الكهرباء الذى يعكس التكلفة بشكل أكبر أن يوفر المزيد من الحوافز للمطورين وأصحاب المنازل للاستثمار فى المبانى الموفرة للطاقة.
وأشارت إلى أن الحكومة أيضاً لديها مجال كبير لتخضير مبانيها العامة وبرامج الإسكان الاجتماعى من خلال التطبيق الإلزامى لشهادات البناء ومعايير كفاءة الطاقة وتعزيز المشتريات العامة الخضراء.
وقالت إنه يمكن لاستراتيجيات التصميم بما فى ذلك العزل المناسب والحلول القائمة على الطبيعة مثل الأسطح والواجهات الخضراء، أن توفر بدائل صديقة للمناخ لتكييف الهواء مثل أنظمة تبريد المناطق. وفى الوقت نفسه، يمكنها الحد من استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.