توقع خبراء انكماش الاقتصاد الألماني خلال العام الجاري بأكمله بسبب تكاليف الطاقة المرتفعة، وأن يظل الأفق للنمو المستدام مظلماً، وسط شكوك بإمكانية التعافي قبل عام 2025، وذلك رغم ارتفاع طفيف بنسبة 0.1% في الناتج المحلي الإجمالي بين يوليو وسبتمبر من هذا العام.
وتُعتبر ألمانيا، التي لطالما وُصفت بأنها القوة الاقتصادية الكبرى في أوروبا، في موقف غير مألوف ومثير للقلق، حيث عانت أكبر اقتصادات القارة لتحقيق نمو ملحوظ على مدار العامين الماضيين.
أداء الاقتصاد البطيء أثار نقاشات حول القضايا الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الألماني، في حين بدأ البعض بالتساؤل عما إذا كانت عضوية الاتحاد الأوروبي تزيد من تعقيد هذه التحديات، وفقا لتقرير منصة “إي يو توداي” البريطانية.
وكانت ألمانيا لعقود رمزاً للاستقرار الاقتصادي في أوروبا، مدعومة بقطاع صناعي قوي وصادرات متينة وسياسات مالية حكيمة، ومع ذلك، تُظهر البيانات الحديثة صورة مغايرة، بسبب عوامل داخلية وخارجية أسهمت في هذا الركود الاقتصادي.
داخلياً، تواجه ألمانيا تكاليف طاقة مرتفعة، ونقصاً في الأيدي العاملة، وفي البنية التحتية الرقمية، وهي عوامل تُعيق قدرتها التنافسية، أما خارجيًا، فقد تغيرت البيئة الاقتصادية العالمية بشكل كبير، وتسبب وباء (كوفيد-19)، والحرب في أوكرانيا، وتزايد الحماية الاقتصادية، في انخفاض الطلب على الصادرات الألمانية، لا سيما في أسواق رئيسية مثل الصين، وعلاوة على ذلك، جعل اعتماد ألمانيا الكبير على الصناعات التقليدية، مثل صناعة السيارات، اقتصادها عرضة للتحديات الناتجة عن التحول السريع نحو الطاقة المتجددة والتقنيات الرقمية.
كما زاد الجدل، حول ما إذا كانت عضوية الاتحاد الأوروبي تعيق الاقتصاد الألماني، ويرى المنتقدون أن اللوائح الأوروبية المعقدة قد تعرقل الابتكار وتبطئ من قدرة ألمانيا على مواجهة التحديات الاقتصادية بسرعة، على سبيل المثال، يتطلب الامتثال لأهداف الاتحاد الأوروبي البيئية الطموحة ومعايير الرقمنة استثمارات كبيرة، وهو ما يُثقل كاهل الشركات الألمانية.
علاوة على ذلك، قد لا تتماشى السياسات النقدية للاتحاد الأوروبي، التي يحددها البنك المركزي الأوروبي، دائمًا مع الاحتياجات الاقتصادية الخاصة بألمانيا، ففي حين تهدف سياسات البنك ذات الفائدة المنخفضة إلى تحفيز النمو في منطقة اليورو، فإنها ساهمت في تفاقم الضغوط التضخمية في ألمانيا، حيث يُعد التضخم مصدر قلق دائم.
ومع ذلك، يرى المؤيدون أن الاقتصاد الألماني يستفيد بشكل كبير من عضويته في السوق الأوروبية الموحدة، حيث يُتيح الاتحاد الأوروبي للشركات الألمانية الوصول إلى شبكة واسعة من المستهلكين وسلاسل التوريد، وهو أمر أساسي للحفاظ على اقتصادها المعتمد على التصدير، كما يرون أن ألمانيا، باعتبارها واحدة من أكثر الأعضاء نفوذاً في الاتحاد، تلعب دوراً رئيسياً في صياغة سياسات الاتحاد بما يتماشى مع مصالحها.
ولن يكون التغلب على التراجع الاقتصادي لألمانيا ممكناً دون اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة، ويرى العديد من الاقتصاديين أن الإصلاحات الهيكلية ضرورية لمعالجة التحديات العميقة التي يواجهها الاقتصاد الألماني.
ورغم التحديات الاقتصادية الحالية، لا تزال ألمانيا تمتلك أساساً قوياً للتعافي بفضل قوتها العاملة الماهرة وخبرتها الصناعية، ومع ذلك، ستحتاج البلاد إلى تحقيق توازن دقيق بين أولوياتها الوطنية والتزاماتها كعضو في الاتحاد الأوروبي.
وتمثل السنوات المقبلة، اختباراً حقيقياً ليس فقط لسياسات ألمانيا الاقتصادية، بل أيضاً لقوة ومرونة الاتحاد الأوروبي بشكل عام.