تراجعت جاذبية عمليات السوق المفتوحة ذات العائد الثابت للبنك المركزى المصرى، عقب قرار لجنة السياسات النقدية بخفض أسعار الفائدة مرتين متتاليتين خلال الربع الثانى من 2025، وسط تحوّل بنوك نحو أدوات تمويلية أكثر ربحية، خاصة سندات وأذون الخزانة والتسهيلات الائتمانية.
وسجلت عمليات السوق المفتوحة أعلى قيمة عطاءات خلال الربع الأول من عام 2025 عند 1.146 تريليون جنيه، بينما تراجعت القيمة إلى 507 مليارات جنيه خلال فبراير، أى قبيل أول قرار لخفض الفائدة.
أما بعد قرارى الخفض فى أبريل ومايو، فقد هبطت العطاءات إلى مستويات متدنية عند 184 مليار جنيه، لكنها ارتفعت الأسبوع الماضى لمستوى 276 مليار جنيه.
وفسر مصرفيون تراجع قيم العطاءات بأن العائد على السوق المفتوحة لم يعد جاذبًا للبنوك، التى بدأت تتجه نحو أدوات تمويل أخرى تحقق عوائد أعلى فى ظل استقرار الاقتصاد المحلى وتراجع المخاطر النسبية.
وقرر البنك المركزى، فى أبريل 2024، تعديل سياسته لتخصيص 100% من العطاءات المقدمة من البنوك، بدلًا من تخصيص نسبى من إجمالى السيولة المطروحة، وذلك فى إطار جهود تجفيف السيولة ومواجهة التضخم، الذى بلغ ذروته فى فبراير عند 35.7% وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وخفضت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى سعر الفائدة بإجمالى 325 نقطة أساس خلال اجتماعى أبريل ومايو الماضيين، ليُصبح سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية 24% و25% و24.5% على التوالى.
أبو الخير: البعض حول دفة الاستثمار حاليًا لأدوات أكثر ربحية
وقال أحمد أبو الخير، الخبير المصرفى، إن البنوك أصبحت أكثر تحفظًا فى تقديم عطاءاتها فى السوق المفتوحة نتيجة انخفاض العائد، لافتًا إلى أن تراجع المخاطر بالسوق المحلى، مقارنة بالفترات الماضية، يسمح للبنوك بالتوسع فى بدائل استثمارية مختلفة.
وأضاف أن خفض سعر الكوريدور يُسهم فى تحفيز النشاط الاقتصادى، ويعزز قدرة البنوك على التوسع فى الإقراض، وهو ما سينعكس إيجابًا على صافى أرباحها.
ورجّح أبو الخير أن تستمر قيم العطاءات الأسبوعية فى مستوياتها المتدنية خلال الفترة المقبلة، لتتراوح بين 200 و500 مليار جنيه، مع بقاء عدد البنوك المشاركة بين 15 و20 بنكًا فقط.
اقرأ أيضا: رهانات على تراجع القروض غير المنتظمة
وتوقع خبراء مصرفيين في تصريحات سابقة لـ”البورصة”، أن ترتفع أرباح القطاع المصرفي بنحو 15-20% بنهاية العام الجاري مقارنة بـ 2024، بدعم من نمو محفظة القروض نتيجة خفض أسعار الفائدة.
واجتمعت التوقعات بأن يواصل البنك المركزي مسيرة التيسير النقدي، على أن يصل إجمالي الخفض في أسعار الفائدة إلى 6% بنهاية العام 2025.
عبدالعال: أذون الخزانة جذبت جزءًا من السيولة مع تراجع عوائد “المركزى”
من جانبه، قال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة البنك المصرى الخليجى، إن العائد على عمليات السوق المفتوحة لم يعد مُرضيًا لبعض البنوك، ما دفعها لتقليص معروضها فى الأسابيع التالية لخفض الفائدة.
وأشار إلى أن البنوك وجّهت جزءًا من سيولتها للاستثمار فى أدوات الدين الحكومى، لاسيما فى ظل استمرار ارتفاع عوائدها رغم خفض الكوريدور، ما جعلها أكثر جذبًا من الإيداع لدى البنك المركزى.
وأضاف عبد العال أن التوسع فى الاستثمار بأدوات الدين يعزز العائد، لكنه يتزامن مع نمو فى الطلب على التمويل الائتمانى من العملاء، ما يدعم الربحية أيضًا، خصوصًا مع ارتفاع هامش العائد على القروض مقارنة بعائد السوق المفتوحة.
وأوضح أن البنوك ملزمة بالاحتفاظ بنسبة احتياطى إلزامى تبلغ 18% من إجمالى ودائعها دون توظيفها، تنفيذًا لقرار البنك المركزى الصادر فى سبتمبر 2022، بزيادة النسبة من 14% إلى 18%.
وأرجع محمود نجلة المدير التنفيذى لأسواق النقد والدخل الثابت فى شركة الأهلى لإدارة الاستثمارات المالية في تصريحات سابقة، استمرار ارتفاع معدلات الفائدة على أدوات الدين، إلى رغبة المستثمرين خاصة العرب والأجانب في التحوط من أية تداعيات قد تنعكس على الاقتصاد المحلي نتيجة للمتغيرات الخارجية.
شوقي: الإقراض خيار البنوك الأول في ظل انخفاض الفائدة
قال الدكتور أحمد شوقى، الخبير المصرفى، إن البنوك لجأت إلى توظيف فوائض السيولة فى قنوات بديلة أكثر ربحية من السوق المفتوحة، مشيرًا إلى توسع البنوك فى منح التسهيلات الائتمانية خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف أن خفض تكلفة الاقتراض من البنوك عزز من طلب الشركات والأفراد على التسهيلات والقروض، ما انعكس إيجابًا على أرباح القطاع المصرفى.
وأوضح شوقى أن الفجوة بين العائد على أدوات الدين الحكومى ومعدل التضخم تصل إلى نحو 8%، ما شجع البنوك على زيادة استثماراتها فى أذون وسندات الخزانة.
وتُظهر بيانات البنك المركزى أن العائد على أدوات الدين الحكومى يواصل ارتفاعه رغم خفض الكوريدور، ليتراوح بين 25.24% و28.62% لأذون الخزانة، باختلاف الآجال.
وفى المقابل، ارتفع معدل التضخم العام لإجمالى الجمهورية إلى 16.5% خلال مايو 2025 على أساس سنوى، مقابل 13.5% فى أبريل، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
ويتوقع محللو الاقتصاد الكلى أن يستمر التضخم فى الصعود خلال الفترة المقبلة، تأثرًا بتداعيات التوترات الجيوسياسية، خاصةً الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والتى أدت إلى تراجع إمدادات مصر من الغاز الطبيعى، مما انعكس على أسعار السلع والخدمات المحلية.








