ألقت الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، قبل أن تتوقف أمس، بظلالها الثقيلة على حركة الملاحة البحرية الدولية، وسط مخاوف من اضطراب حركة السفن بمضيق هرمز والبحر الأحمر.
وكانت أنظار العالم، ومع تلويح إيران المتكرر بإغلاق مضيق هرمز، تتجه إلى تداعيات محتملة على مسارات التجارة البحرية وارتفاع رسوم التأمين وأسعار الشحن، وتهديد إمدادات الطاقة إلى دول المنطقة.
قال محمد علي، مستشار وزير النقل السابق وعميد كلية النقل الدولي واللوجستيات سابقًا، إن الحرب بين إسرائيل وإيران هدَّدت حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية في منطقة الخليج والبحر الأحمر، إذ تسببت في ارتفاع أسعار المواد البترولية.
وأوضح أن الارتفاعات الحالية في أسعار الوقود لم تنتج عن انخفاض المعروض من الدول المنتجة للبترول، سواء من دول الخليج أو إيران، بل جاءت نتيجة التخوُّف من استمرار الصراع وتصاعد احتمالات إغلاق إيران لمضيق هرمز.
أضاف أن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، إلى جانب تصريحات المسؤولين الإيرانيين بنيّتهم إغلاق مضيق هرمز، دفعت الهيئات الدولية إلى تصنيف المنطقة باعتبارها منطقة عالية المخاطر، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع رسوم التأمين على السفن العابرة للمضيق بنسبة تجاوزت الضعف.
وذكر علي أن حركة الملاحة بمنطقة البحر الأحمر ما تزال تعاني منذ بدء استهداف الحوثيين للسفن المرتبطة بإسرائيل في 19 نوفمبر 2023، سواء في البحر الأحمر أو مضيق باب المندب.
وأوضح أنه رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصُّل إليه بين الولايات المتحدة وحركة الحوثي في 6 مايو الماضي، إلا أن التصنيفات الدولية للمنطقة باعتبارها منطقة خطرة لا تزال قائمة. كما أن العديد من الخطوط الملاحية ترفض حتى الآن استئناف رحلاتها هناك.
اقرأ أيضا: هرمز.. ماذا يحدث إذا أغلقت طهران الممر العالمي للنفط؟
وأشار إلى أن أزمة البحر الأحمر أدَّت إلى ارتفاع كبير في رسوم التأمين على السفن، ونتج عنها أيضًا زيادة كبيرة في أسعار نوالين الشحن البحري، وهو ما انعكس بدوره على ارتفاع أسعار السلع للمستهلكين ورفع معدلات التضخم.
أضاف علي أن أسعار نوالين الشحن سجَّلت ارتفاعًا بنحو 15% في الفترة الماضية، بفعل تداعيات الحرب، مرجحًا أن تواصل الزيادة في حال تجددت التوترات. فاستمرار الصراع سيفاقم أزمات سلاسل الإمداد، خاصة أن مضيق هرمز تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، وأكثر من 25% من صادرات الغاز الطبيعي المسال.
وبشأن البدائل البحرية المتاحة للملاحة الدولية حال ما كانت إيران نفَّذت تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز، قال علي إنه من الصعب توفير ممرات حيوية للطاقة تضاهي كفاءة هذا المضيق.
وأوضح أن دول الخليج تمتلك بالفعل خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز، إلا أن حجم التدفقات عبرها سيكون محدودًا، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل، إذ سيتعين شحن الغاز من ميناء إلى آخر، مع احتمال اضطرار بعض الدول إلى نقل شحناتها عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي منطقة مصنفة كغير آمنة في ظل الأوضاع الحالية.
وتوقَّع ألا تعود حركة الملاحة بقناة السويس إلى طبيعتها حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة، مؤكدًا أنها ستحتاج لفترة طويلة للتعافي، حتى مع الحوافز التي أعلنتها هيئة قناة السويس على رسوم عبور السفن والتي تصل نسبتها إلى 15%.
وأوضح أن التخفيضات التي أعلنت عنها الهيئة لم تحقق الأثر المطلوب حتى الآن، مرجعًا ذلك إلى أن قرار الخطوط الملاحية بالتوقف عن عبور القناة لا يرتبط بارتفاع الأسعار، وإنما بدواعٍ أمنية. وهذه الحوافز لن تحقق التأثير المرجو قبل استقرار الأوضاع في منطقة البحر الأحمر.
وأشار إلى أن حركة الملاحة بالمنطقة لن تعود إلى طبيعتها قبل مرور نحو 6 أشهر من استقرار الأوضاع، محذِّرًا من خطورة استمرار التوترات الجيوسياسية. فالخطوط الملاحية باتت تعيد ترتيب أوضاعها وفقًا للمعطيات الراهنة، وتفضِّل حاليًا العبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح بديلًا عن قناة السويس، ما تسبَّب في تراجع حركة السفن المارة بالقناة بنسبة 70% منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن.
«سلطان»: قناة السويس كانت ستصبح أكثر المتضررين من إغلاق المضيق
وقال الدكتور أحمد سلطان، المستشار السابق لوزارة النقل لشؤون قطاع النقل البحري، إن استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية كان سيزيد حالة الارتباك التي تشهدها حركة التجارة والتبادل التجاري بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة مع سيطرة إيران على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الحيوية للطاقة في العالم، والذي يمر عبره نحو نصف إنتاج العالم من النفط.
أضاف أن واردات مصر من النفط والغاز القادمة من منطقة الخليج ستتأثر بشكل مباشر حال ما كانت إيران نفذت تهديدها بإغلاق المضيق، موضحًا أنه لا توجد بدائل بحرية فعالة للملاحة الدولية يمكن الاعتماد عليها حال إغلاق مضيق هرمز.
أشار سلطان إلى أن قناة السويس كانت ستصبح أكثر المتضررين حال غلق مضيق هرمز، لافتًا إلى أن إغلاق المضيق سيزيد من حالة عدم الاستقرار والارتباك التي تعانيها منطقة البحر الأحمر منذ أزمة الهجمات الحوثية على السفن العابرة من مضيق باب المندب، والتي استهدفت سفنًا على صلة بإسرائيل، الأمر الذي تسبَّب في تعليق العديد من الخطوط الملاحية لرحلاتها عبر القناة، واتجاهها إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح كبديل.
«صابر»: يجب تقديم حوافز على رسوم العبور بالقناة واستغلال توقف هجمات الحوثيين
وقال الدكتور أحمد سالم صابر، خبير النقل الدولي واستشاري سلاسل الإمداد، إن استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران كان سيؤدي إلى شبه إغلاق لعدد من الموانئ في الدول العربية، مثل جبل علي بالإمارات، وصلالة بعمان، والدمام بالسعودية.
أضاف أن غلق مضيق هرمز كان سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط وتعطيل إمدادات الطاقة، موضحًا أن أسعار النفط شهدت بالفعل ارتفاعًا بسبب التخوفات من غلق المضيق.
وأشار إلى أن حركة الملاحة بالبحر الأحمر ستتأثر بشكل غير مباشر، إذ تمر أغلب السفن عبره حاليًا محمَّلة بصب جاف أو سائل وليس حاويات، وبعضها قادم من منطقة مضيق هرمز، مؤكدًا: “لم تظهر دراسات دقيقة بعد حول حجم الانخفاض في حركة المرور”.
ويرى صابر أن قناة السويس يمكنها استغلال الوضع الحالي، خاصة مع توقف هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى باب المندب، من خلال تقديم حوافز على رسوم العبور، وتسهيلات في طرق السداد، وتفعيل تجارة الترانزيت عبر مينائي العين السخنة وشرق التفريعة ببورسعيد، في ظل مخاوف السفن من المرور بمضيق هرمز المصنَّف منطقة عالية المخاطر.
وأكد أن الحرب لم تؤثر بشكل كبير على واردات مصر من النفط، إذ لم تعد مصر تعتمد على النفط الخليجي فقط، بل على مصادر متنوعة، عدا واردات مصر من الجازولين.
«أبوالنيل»: الحرب لم تؤثر على أداء الموانئ المصرية وتوقعات بارتفاع أسعار المحروقات
وحول تأثير الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الموانئ المصرية ومعدلات أدائها، قال حازم أبو النيل، مدير التسويق وعلاقات المستثمرين بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، إن التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران لم تظهر تأثيرات واضحة على أداء الموانئ المصرية أو معدلات نشاطها.
أضاف أن الحرب أسهمت بالفعل في ارتفاع أسعار المحروقات حاليًا، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع حتى حال انتهاء الحرب.
وقالت مصادر بالخط الملاحي “إيفرجرين”، إن الخط قرر إرجاء العودة لمنطقة البحر الأحمر بعد تصاعد الأوضاع الجيوسياسية واندلاع الحرب الإيرانية، مشيرًا إلى أهمية استقرار الحركة الملاحية لرفع تعليق العبور وتوفير السلامة الكاملة للسفن والأطقم البشرية.
أضافت أن الخط كان قد أعلن الشهر الماضي عودة الإبحار من جديد، ولكن حال بين ذلك اندلاع الحرب الإيرانية، مما يؤكد على استمرار ارتفاع أسعار التأمين على السفن وزيادة أسعار نوالين الشحن من جديد، بالتزامن مع التهديدات بغلق مضيق هرمز.
«فتحى»: أسعار نوالين الشحن كانت مرشحة لزيادة 80% الربع الثالث 2025
وقال إيهاب فتحى، ممثل الخط الملاحي السويسري “إم إس سي”، إن أوضاع ما قبل وقف إطلاق النار كانت تشكِّل تهديدًا مباشرًا لحركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر، خاصة مع تصاعد التهديدات بإغلاق باب المندب، إلى جانب التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز.
أضاف أن استمرار تلك الأوضاع كان سيدفع أسعار نوالين الشحن لزيادات قد تتجاوز 80% خلال الربع الثالث 2025، حال إغلاق مضيق هرمز الذي يُعد أكبر مصدر للإمدادات البترولية عالميًا، مما يهدد بحدوث أزمة طاقة كبرى، بالإضافة إلى تعطُّل حركة الملاحة وتأثير ذلك على سلاسل الإمداد لمنطقة الشرق الأوسط.
أوضح فتحي أن الخط الملاحي السويسري سيدرس الموقف الجديد، بعد أن قرر في وقت سابق استمرار تعليق عودة السفن إلى منطقة البحر الأحمر في ظل تفاقم الأوضاع الجيوسياسية، والمخاوف من استهداف السفن التجارية مجددًا من الجانب اليمني.
وأشار إلى أن بعض السفن التابعة، والتي كانت في طريقها إلى ميناء أسدود، قامت بتحويل وجهتها إلى ميناء بورسعيد لحين تقييم الموقف، سواء بعودة الاستقرار واستئناف الرحلات، أو بإعادة الشحنات إلى بلد المُورد.








