توقعت مؤسسة “كليفورد تشانس” العالمية للمحاماة والاستشارات القانونية، أن يشهد قطاع الخدمات المالية فى مصر نشاطاً ملحوظاً فى صفقات الدمج والاستحواذ خلال العام الحالي، بدعم من توسع الحكومة فى ملفات التحول الرقمى، واستحداث أدوات تنظيمية جديدة، فى مقدمتها “الصندوق التجريبى” Sandbox لشركات التكنولوجيا المالية الناشئة.
وأظهر التقرير السنوي لممارسات الدمج والاستحواذ فى الخدمات المالية لعام 2025، أن مصر تستعيد تدريجياً زخمها فى هذا القطاع بعد عامين من التباطؤ، مرجحاً أن تتصدر أنشطة المدفوعات الرقمية والمشروعات التكنولوجية المالية، المشهد خلال العام الحالي، مع دخول كيانات جديدة وخروج أخرى بفعل إعادة الهيكلة والتشريعات الأخيرة.
المدفوعات الرقمية تتصدر مشهد الصفقات
أشار التقرير إلى أن نشاط المدفوعات الرقمية أصبح المحرك الرئيس فى صفقات الخدمات المالية فى مصر، مدعوماً بدخول خدمات جديدة للسوق مثل “أبل باى” و”إنستا باى”، وهو ما وسّع قاعدة المستخدمين، وشجع مؤسسات مالية على الدخول فى شراكات مع مزودى خدمات التكنولوجيا أو الاستحواذ عليهم.
وبحسب «كليفورد تشانس»، فإن اتجاه البنوك إلى التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية عبر الشراكات أو التملك الجزئي بات أكثر وضوحاً، نتيجة لاحتدام المنافسة، وسعى الكيانات المصرفية لتعزيز وجودها فى سوق المدفوعات الذى شهد تضاعفاً فى قيم العمليات وعدد المستخدمين خلال 2024.
وذكر التقرير أن البيئة التنظيمية الحالية فى مصر تدعم هذا التحول، لا سيما بعد إصدار الهيئة العامة للرقابة المالية حزمة من الضوابط المحدثة خلال العام الماضي، شملت قواعد تشغيل تطبيقات الدفع، وتدقيق نظم حماية البيانات، ومنح تراخيص للكيانات المتخصصة تحت بند “مقدمي خدمات تكنولوجيا مالية”.
ولفت التقرير ، إلى إطلاق الهيئة العامة للرقابة المالية صندوقاً تجريبياً (Regulatory Sandbox) يُتيح للشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا المالية العمل تحت إشراف رقابي مباشر ومرن، لتجربة منتجاتها قبل الحصول على الترخيص النهائي.
ووفقاً لتحليل «كليفورد تشانس»، فإن الصندوق التجريبي من شأنه تقليص الوقت اللازم للحصول على الموافقات الرسمية. كما يعزز ثقة المستثمرين فى تلك الشركات، ما يفتح الباب أمام عمليات استحواذ وتمويل جديدة من قبل صناديق رأس المال المخاطر أو حتى البنوك العاملة فى السوق.
ويأتي هذا التوجه ضمن خطة الرقابة المالية لتشجيع الابتكار وتنظيم الخدمات الجديدة التى يصعب خضوعها للنماذج الرقابية التقليدية، مثل تطبيقات التمويل الشخصى التلقائي، والمنصات الرقمية للتمويل الجماعي.
عودة مرتقبة لنشاط شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPAC)
أشار التقرير إلى أن السوق المصرية تشهد تطوراً تنظيمياً جديداً مع السماح لأول مرة بقيد شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPAC)، إذ حصلت شركة “كاتاليست بارتنرز ميدل إيست” على الموافقة من هيئة الرقابة المالية لتأسيس أول شركة SPAC تعمل داخل مصر.
ولفت إلى أن الخطوة قد تمثل تحولاً نوعياً فى بيئة التمويل والاستثمار، لتتيح هذه الشركات جمع رؤوس أموال من المستثمرين بغرض تنفيذ صفقة استحواذ واحدة أو أكثر خلال فترة زمنية محددة، دون الحاجة إلى الطرح التقليدى.
وتوقعت «كليفورد تشانس» أن تسهم هذه الأداة فى جذب عدد من الشركات الناشئة التى تسعى للاندماج أو الإدراج بشكل غير تقليدى، إلى جانب تنشيط السوق الثانوية.
توقف التراخيص فى التمويل الاستهلاكى والتمويل الأصغر
فى المقابل، رصد التقرير مؤشراً قد يؤثر سلباً على نشاط بعض الصفقات فى السوق، وهو تعليق هيئة الرقابة المالية إصدار أى تراخيص جديدة لشركات التمويل الاستهلاكي أو التمويل متناهي الصغر لحين الانتهاء من مراجعة القواعد المنظمة لها.
واعتبرت “كليفورد تشانس” أن هذا التوقف يعكس رغبة تنظيمية فى تقييم أداء القطاع والتأكد من التزام الشركات القائمة بالمعايير المطلوبة، لكنه قد يؤخر تدفق رؤوس الأموال الجديدة على هذه الأنشطة، لا سيما مع ارتفاع معدلات التعثر وتأثر القوة الشرائية للمستهلكين خلال العام الماضى.
ورجّح التقرير أن يتم استئناف منح التراخيص الجديدة بعد الانتهاء من هذه المراجعات، مع احتمالية فرض قيود إضافية أو شروط تمويلية أكثر صرامة.
توقعات باستمرار نشاط الدمج وإعادة الهيكلة
أشار التقرير إلى أن موجة إعادة الهيكلة داخل الشركات المالية، سواء فى البنوك أو شركات التمويل غير المصرفي، ستبقى أحد العوامل المحفزة للصفقات، سواء عبر التصفية الجزئية للأصول غير الأساسية، أو إعادة توزيع الملكيات داخل الكيانات متعددة الأنشطة.
ولفت إلى أن عددًا من المؤسسات الإقليمية وصناديق الاستثمار بدأ فعليًا فى فحص فرص دخول السوق المصرية من خلال الاستحواذ على حصص فى شركات قائمة، أو الدخول فى تحالفات استراتيجية، لا سيما فى ظل ارتفاع معدلات التضخم، والبحث عن أدوات تمويل بديلة أو مرنة.
الإصلاحات التنظيمية حاسمة لجذب الاستثمارات
اختتم التقرير بالإشارة إلى أن نجاح الحكومة المصرية فى استكمال الإصلاحات التشريعية والرقابية الخاصة بالقطاع المالى غير المصرفى، يمثل العامل الحاسم فى تسريع وتيرة الصفقات خلال النصف الثانى من 2025.
وأوضح أن تطورات السوق فى الشهور المقبلة سيعتمد بدرجة كبيرة على وضوح الرؤية لدى الجهات التنظيمية، وثقة المستثمرين فى استقرار البيئة الاقتصادية، ومدى قدرة الشركات على التأقلم مع التغيرات التكنولوجية والرقابية المتسارعة.








