تجذب إيطاليا موجة جديدة من الأجانب أصحاب الثروات الطائلة ممن يسعون للاستفادة من بيئتها الاستثمارية الجاذبة، وسوقها العقاري المزدهر، ونظامها الضريبي المنخفض.
ففي الوقت الذي اتخذت فيه العديد من الدول تدابير لتضييق الخناق على أصحاب الثروات الطائلة، خالفت إيطاليا هذا التوجه، وساهم نظامها الضريبي الثابت والمرن في اجتذاب أعداد غفيرة من كبار المنفقين ممن راقت لهم سبل العيش الفاخر وسوق الأعمال المزدهر في ميلانو.
وتقول شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية الأمريكية- في تقرير من ميلانو- برغم مضاعفة الرسوم التي يتعين أن يدفعها أصحاب الثروات الضخمة لمرة واحدة على دخلهم الأجنبي إلى 200 ألف يورو (بما يعادل 223 ألف دولار) في عام 2024، فإن ذلك لم يضعف من وتيرة إقبال الأثرياء الجدد وفاحشي الثراء على “لا دولسي فيتا”، والتي تعني في اللغة الإيطالية “الحياة الحلوة”.
تنقل المحطة الأمريكية عن شركة “هينيلي& وشركاه”، المتخصصة في تسويق الحصول على الجنسية عبر بوابة “الإقامة عن طريق الاستثمار”، قولها إن إيطاليا أصبحت وجهة مميزة للإقامة بالنسبة للأثرياء في أوروبا خلال هذا العام وقد انتقل عدد كبير من الشخصيات البارزة والشهيرة خلال الأشهر الأخيرة من بينهم نائب رئيس مجلس إدارة “جولدمان ساكس” ريتشارد جنودي.
وربما سيصل العدد الكلي لأصحاب الثروات الكبيرة الذين وصلوا إلى إيطاليا أكثر من 3600 شخصية ثرية، وفق تقديرات شركة “هينلي& شركاه”.
وقدمت إيطاليا نظامها الضريبي الثابت والمنخفض في عام 2017، وكان جانباً من خطة أوسع نطاقاً تبنتها حكومة يسار الوسط لجذب المستثمرين الأجانب، فضلاً عن تشجيع الأثرياء والموهوبين من ذوي الأصول الإيطالية على العودة إلى بلادهم في أعقاب أزمة ديون منطقة اليورو.
وفي مقابل ذلك، فقد أثارت تلك المزايا موجة من الشركات الساعية إلى الاستفادة من تدفقات الثروات على المدن الإيطالية، ولاسيما إلى ميلانو، عاصمة المال والأزياء. ومن بين تلك الشركات التي بادرت بالانتقال وافتتاح فروع لها شركة “ويلدي”، وسبقتها “كازا سيبرياني”.
قاد وصول موجة الأثرياء إلى إيطاليا إلى ارتفاعات حادة في أسعار العقارات في بعض أكثر المواقع المفضلة في البلاد، من شواطئ توسكاني والريفيرا الإيطالية وصولاً إلى مدن روما وفينيسيا وفلورينس.
وبرزت مدينة ميلانو ومنطقة البحيرات المحيطة بها كوجهة مفضلة للغاية وتوقعت شركة “نايت فرانك” العقارية الاستشارية العالمية، أن يحقق سوق العقارات الأولى مستوى قياسياً وارتفاعاً إضافياً نسبته 3.5 في المائة في معدل نمو أسعار العقارات خلال عام 2025.
وتقول الشبكة الأمريكية، يهاجر المليونيرات والأثرياء بأعداد كبيرة بحثا عن أماكن جديدة للعيش، مع تغير التشريعات والنظم التي باتت تقدم خيارات مغرية إلى أولئك الراغبين في أن يدفعوا مقابل ذلك.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الأثرياء وأصحاب الثروات الطائلة، الذين انتقلوا للعيش في الخارج، ارتفع بنحو ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الأخيرة، محققاً ارتفاعات قياسية في 2024. ويبدو أن هذا التوجه مرشح للاستمرار في عامي 2025 و2026، مع اتساع هوة الانقسام بين البلدان التي تسعى إلى جذب المليونيرات وأصحاب الثروات الطائلةـ وتلك التي تتخذ تدابير صارمة في محاولة لمكافحة انعدام المساواة واختلالات الدخل.
في المقابل، ألغت المملكة المتحدة، في أبريل الماضي، نظامها الضريبي المطبق، الذي استمر أكثر من 200 عام، وكان يعفي الأثرياء الأجانب المقيمون في بريطانيا من دفع الضرائب البريطانية على دخلهم وأرباحهم في الخارج.
يأتي ذلك عقب هجرة البنوك والممولين من العاصمة لندن إلى عواصم ومدن أوروبية أخرى، مثل ميلانو، بعد أن صوت البريطانيون لخروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وقد دفع ذلك دولاً أخرى إلى السعي إلى سد الفجوة.
ورغم ذلك، فقد أثارت موجة الأثرياء الوافدين إلى إيطاليا العديد من التساؤلات حول تأثيراتها على الاقتصاد بوجه عام. وحذر البعض من تفاقم اختلالات الدخل وتفاوت الثروات، وذلك بسبب أن إجمالي الضرائب التي يجنيها النظام ضئيلة مقارنة بالعجز الإجمالي للبلاد، كما يتركز جانب كبير من الثروة الجديدة في مناطق محددة.








