بعض السيرفرات تتعامل بالدولار وصاحب “البيزنس” يبيع الخدمة بالجنيه
في دقائق، وبضغطة زر واحدة، يستطيع أي شخص أن يشتري آلاف المتابعين والاعجابات والزيارات أو”الترافيك”، ليصبح “تريند” على السوشيال ميديا ويخدع متابعيه بمشتركين وهميين لتسهيل أعماله التجارية.
خلف هذا الأمر، يقف “بيزنس” غير رسمي يدر مئات آلاف وربما ملايين الجنيهات على أصحابه، بينما يترك ضحاياه فريسة لوهم إلكتروني.
“تزويد المتابعين”.. كما يسميه العاملون فيه لا يحتاج صاحبه سوى هاتف أو جهاز كمبيوتر وبعض مهارات الإقناع ليبيع “لايكات” وتعليقات ومشاهدات، مقابل أموال تبدأ من 10 جنيهات ، وقد تصل إلى آلاف الجنيهات شهريًا.
أشرف، مهندس مسئول بإحدى الوكالات الإعلانية المتخصصة في هذا البيزنس، والذي رفض نشر اسمه كاملاً، يؤكد أن وكالته تعمل منذ 7 سنوات في “تزويد المتابعين” عبر “سيرفرات” تضم ملايين الحسابات داخل وخارج مصر.
أضاف أن سعر المتابع المصري يختلف عن الأجنبي، فالأول أغلى .. لكن في النهاية هي تجارة قائمة على الوهم، وملايين الأشخاص يعملون بها، وأغلبهم محتالون ويتركون العميل بعد اختفاء المتابعين.
وقال شاب آخر، من العاملين في هذا النشاط ورفض نشر اسمه أيضا، إن السوق ينقسم لأفراد ووكالات، وتتم العمليات عبر سيرفرات أو بوتات أو سكربتات.
لكنه يعترف بأن أي مشكلة تحدث “لا حل لها”، لأن صاحب الخدمة مجرد وسيط بين العميل والسيرفر.
مهندس ثان يدعى عبدالعزيز، رفض نشر اسمه كاملا، يقول إنه يستخدم “بوت” لزيادة المتابعين لكنه يعترف بأن البوت أسهل لكنه غير آمن. فبعض السيرفرات تتعامل بالدولار وصاحب البيزنس يضع نسبته ويبيع الخدمة بالجنيه.
ويكشف أحمد شهاب الدين، أحد المستخدمين، كيف وقع ضحية للأمر: يقول “دفعت لشخص عن طريق تطبيق ( كاش زود لي متابعين أجانب وتعليقات).. لكن بعد فترة اختفوا تمامًا، وعندما اتصلت به اختفى هو الآخر خسرت أموالي ولم استفد شيئا”.
100 جنيه لكل 5 آلاف متابع على “فيسبوك”.. و23 جنيهًا لمنصة “أكس”
في المقابل كشفت مصادر حكومية لـ”البورصة” أن المنصات العالمية العاملة في السوق المحلية بمجال الخدمات السحابية أصبحت خاضعة لضريبة القيمة المضافة بالسعر العام، بعد الانتهاء من عملية الحصر والتصنيف وتسجيلها في نظام «التسجيل المبسط للموردين».
ويُلزم النظام المبسط الكيانات العالمية غير المقيمة ومنصات التوزيع الإلكترونية «EDPS»، التي تقدم خدمات إلكترونية أو منتجات رقمية عن بُعد للمستهلك النهائي داخل مصر، بالتسجيل وسداد الضريبة المستحقة، بما يعزز من إحكام الرقابة الضريبية على المعاملات الرقمية.
وأوضحت المصادر أن تحصيل ضريبة القيمة المضافة لم يعد يمثل التحدي الأكبر، إذ تقوم الدولة بتحصيلها مباشرة من المنبع على خدمات التخزين السحابي والحوسبة والبرمجيات.
ولفتت إلى أن التحدي الحقيقي يتمثل في تطبيق وإدارة ضريبة الدخل على الأفراد والشركات المستفيدة من هذه الخدمات.
وأكدت المصادر أن صعوبة حصر الأفراد العاملين في القطاع الرقمي، مثل مطوري البرمجيات ومقدمي الخدمات عبر الإنترنت والمستقلين، ترجع إلى أن تعاملاتهم تتم بشكل إلكتروني بالكامل وغالبًا بعملات أجنبية، وهو ما يفرض تحديات إضافية على آليات الرقابة الضريبية التقليدية.
يُذكر أن وزارة المالية أطلقت منظومة ضريبية مبسطة للفئات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه، إلى جانب الفريلانسرز ومنشئي المحتوى الرقمي، وذلك بهدف توسيع القاعدة الضريبية وضمان العدالة، مع التركيز على دمج الاقتصاد الرقمي في المنظومة الرسمية.
مصادر حكومية: التحدي الحقيقي في تطبيق الضريبة على مقدمي هذه الخدمات
وخلال جولة على صفحات فيسبوك المتخصصة في هذا النوع من النشاط، تبين أن زيادة 5 آلاف متابع على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تتكلف 100 جنيه، و 50 ألف متابع بـ 4000 جنيه، بينما منصة يوتيوب فإن تكلفة جذب 50 مشتركا هي 50 جنيها، و3000 مشترك بـ 2400 جنيه.
أما منصة “تيك توك”، فيتم توفير 100 ألف لايك مقابل 980 جنيها، بخلاف 5 آلاف “اكسبلور” مقابل 950 جنيها، و500 تعليق بـ 200 جنيه .
وكانت منصة “أكس” الأقل طلبا في تكلفة زيادة المتابعين ، إذ تبلغ تكلفة توفير 5 آلاف متابع نحو 35 جنيها فقط، بسبب انخفاض عدد مستخدميها في مصر.
من جانبه قال حامد سمير، محام، إن هذه التجارة غير مشروعة ولا يمكن للمستخدم ملاحقة صاحب البيزنس إذا نصب عليه، لأن ما بني على باطل فهو باطل، مؤكدا أن فيسبوك يغلق الصفحات التي تكتشف شراء متابعين وهميين .
ولا تقتصر ظاهرة بيع المتابعين على مصر. ففي الصين تُعرف باسم Click Farms، وتنتشر أيضًا في الهند، و نيبال، وسريلانكا، وإندونيسيا، والفلبين، وبنجلاديش .. بل وصلت إلى روسيا وأمريكا الجنوبية وحتى أوروبا والولايات المتحدة.
وكشف تقرير شركة الأمن السيبراني” Cheq ” لعام 2024 أن الاحتيال بالمتابعين الوهميين يلتهم 1.3 – 1.5 مليار دولار سنويًا من ميزانيات التسويق عبر المؤثرين.
أما مجلة” Time” ، فأكدت أن شركة أمريكية تدعى “Devumi” حققت أكثر من 15 مليون دولار بين 2015 و2017 من بيع المتابعين المزيفين، قبل أن تُغرّمها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية 2.5 مليون دولار.
وبحسب بيانات In-Formality Project فإن متوسط الأسعار العالمية يبدأ من 3 دولارات لكل 100 متابع، وتصل إلى 300 دولار مقابل 100 ألف متابع، بينما في الصين يمكن شراء 10 آلاف متابع وهمي بأقل من دولارين فقط.
ورغم الأرباح الطائلة التي يحققها بعض العاملين، يؤكد يسري، صاحب وكالة لتزويد المتابعين، أن الدخل يختلف من شخص لآخر وقد يكسب أحدهم 2000 جنيه في أسبوع، وآخر لا يتجاوز دخله 200 جنيه، وبعد سنوات خبرة يمكن أن يصل الربح لـ 30 ألفا أو حتى 130 ألف جنيه شهريًا.
ويقع ضحايا هذه التجارة، العملاء، الذين يشترون “وهمًا” لا يزيد من تفاعلهم الحقيقي، بل يعرّض صفحاتهم للإغلاق وربما السمعة السيئة.
ومن مصر إلى أمريكا، ومن قرى نائية في آسيا إلى شركات كبرى في نيويورك، يثبت “بيزنس المتابعين” أنه اقتصاد رقمي مواز ينمو خارج الأطر القانونية، اقتصاد قد يدر الملايين في دقائق لكنه في النهاية “وهم إلكتروني” يبيع السراب لمن يبحث عن الشهرة السريعة.








