في ظل التحديات البيئية المتصاعدة عالميًا، يواجه نهر النيل، شريان الحياة لملايين المصريين، مخاطر التلوث البلاستيكي الذي يهدد بيئته المائية وتوازنه الطبيعي.
وسط هذه الصورة القاتمة، ظهرت مبادرة “فيري نايل” لتكتب فصلًا جديدًا من الأمل، إذ جمعت بين حماية النهر، وإشراك المجتمعات المحلية في عملية التغيير، وتحويل النفايات إلى مورد اقتصادي يعزز مفهوم الاقتصاد الدائري.
وتكشف ياسمين آدم – مدير مشروع “فيري نايل شوب” – أن المبادرة لا تكتفي بما تحقق حتى الآن، بل تستعد لافتتاح فرع ثالث في محافظة المنيا خلال الفترة المقبلة، بعد نجاحها في تشغيل فرعين رئيسيين في جزيرة قرصاية بالجيزة والبصرة بمحافظة أسيوط.
هذا التوسع، على حد قولها، يعكس حرص المبادرة على مد نشاطها لمناطق جديدة على مجرى النيل، بما يضمن وصول تأثيرها البيئي والاجتماعي إلى نطاق أوسع.
وأوضحت آدم، أن البداية كانت في يناير 2018، حين أطلقت المبادرة أول مشروع لدعم صيادي القاهرة في جزيرة القرصاية تحت اسم “البلاستيك الاجتماعي”.
وقتها بدأ الصيادون في جمع البلاستيك من النهر خلال عمليات الصيد مقابل حوافز مادية وخدمات مجانية، فالصيادون كانوا أول من لفت الانتباه إلى حجم الكارثة، مؤكدين أن معدل التلوث في النيل أصبح ملحوظًا في السنوات ال15 الأخيرة، وأن الأسماك الصغيرة والكبيرة كانت تموت داخل الأكياس والزجاجات الملقاة في المياه، مما أدى إلى تراجع الثروة السمكية وانخفاض الحصيلة اليومية.
ومع انضمامهم للمبادرة، لم يتحقق فقط تحسن في أوضاعهم المعيشية بفضل العائد المادي، بل ارتفعت أيضًا حصتهم من الصيد بعد تراجع نسبة التلوث، ولم تتوقف المشاركة عند الرجال، بل لعبت زوجات الصيادين دورًا مهمًا في المحور الثاني للمبادرة عبر إعادة تدوير البلاستيك وتحويله إلى منتجات، بينما ركز المحور الثالث على التوعية والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام.
ومن أبرز الخطوات في هذا السياق، التعاون مع وزارة البيئة لتطبيق حظر جزئي للأكياس البلاستيكية في حي الزمالك، أحد أكثر الأحياء النيلية اكتظاظًا بالسكان، إذ وفرت المبادرة بدائل صديقة للبيئة مثل الأكياس الورقية والقطنية وأخرى قابلة لإعادة الاستخدام للمتاجر والمطاعم والمكاتب.
وأضافت آدم، أن “فيري نايل” تجمع حاليا نحو طن بلاستيك من مياه النيل يوميًا ، وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن المبادرة فقد تمكنت حتى الآن من إزالة أكثر من 3 آلاف طن منذ البداية، وأكثر من 470 طنًا منذ بداية العام الحالي من المخلفات البلاستيكية من النهر.
وتوضح أن هذا الرقم لا يعني فقط تنظيف مجرى النهر، بل يمثل أيضًا إنقاذًا مباشرًا للثروة السمكية وتحسينًا لمستوى معيشة عشرات الأسر التي ارتبطت بالمبادرة.
يُفرز البلاستيك الذي يتم جمعه إلى قسمين رئيسيين هما : البلاستيك عالي الجودة الذي يُرسل مباشرة إلى المصانع لإعادة التصنيع وإنتاج أدوات ومقاسات جديدة، والقسم الثاني البلاستيك منخفض الجودة الذي يُعاد تقسيمه واستخدامه في صناعات متعددة.
وتصل منتجات المبادرة للمستهلكين عبر منفذ بيع في جزيرة قرصاية وكذلك من خلال الموقع الإلكتروني، ما يضمن انتشارها واستدامتها اقتصاديًا.
وتضيف ياسمين، أن المبادرة اعتمدت منذ بدايتها على نظام رقمي متكامل يُسجل تفاصيل كل عملية جمع وفرز، من الكميات والمواقع إلى العوائد المالية، بما يضمن الشفافية والمصداقية، كما حصلت على اعتماد من معايير Verra الدولية لآلية “الاعتماد على البلاستيك”، وهو ما وضعها في مكانة مميزة على الساحة الدولية.
وتوضح أن شبكة الشركاء لعبت دورًا أساسيًا في هذا النجاح، إذ تضم قائمة الشركاء الرئيسيين وشركاء الالتزام البلاستيكي شركات كبرى في مجالات متنوعة، أبرزها “إيه بي بي” و”سيمنس” و”شنايدر إلكتريك” في الطاقة والبنية التحتية، و”مارس” و”مؤسسة كوكاكولا” في قطاع الأغذية والمشروبات، بجانب “برايس” و”وترهاوس كوبرز” و”ميتلايف” في الخدمات المالية، و”أديس القابضة” و”شيرون” في قطاع الطاقة.
كما تضم القائمة مؤسسات خيرية وتنموية منها “دروسوس” و”الروتاري”، وشركات دولية مثل “سي إم إيه سي جي إم ” للنقل البحري ، و”سيمكس” لمواد البناء، إضافة إلى “بوبا” للرعاية الصحية، و”دينتسو” و”جي إل جي” في الاستشارات والإعلام، وبنك المشرق وأخيرًا بنك الكساء هو الشريك الرئيسي.
وتبرز أيضًا تجربة “القارب البيئي” كأحد أبرز إنجازات المبادرة، حيث يجوب مياه النيل لجمع المخلفات من السطح، ليتحول إلى رمز ملهم ورسالة أمل بأن حماية النهر ممكنة إذا تضافرت الجهود.
وتختم ياسمين حديثها قائلة، إن “فيري نايل” ليست مجرد مشروع بيئي، بل هي حركة مجتمعية شاملة تهدف إلى تغيير النظرة إلى المخلفات من كونها عبئًا إلى كونها موردًا اقتصاديًا، مؤكدة أن كل كيلو بلاستيك يتم جمعه هو قصة نجاح لصياد، ورسالة أمل لنهر النيل، ودليل على أن التنمية المستدامة يمكن أن تتحقق حين تلتقي الإرادة مع العمل الجماعي.








