تشهد صناعة السينما تحولات اقتصادية عميقة مدفوعة بالتوسع السريع للمنصات الرقمية، التى أعادت رسم معادلة الإيرادات فى السوق، وحولت مسار الاستثمار من شاشات العرض التقليدية إلى فضاء المشاهدة عبر الإنترنت.
فبعد أن كانت الإيرادات السينمائية تعتمد على «شباك التذاكر»، باتت اليوم تتوزع بين منصات المشاهدة المدفوعة والإعلانات الرقمية وحقوق العرض الحصرية، ما غيَّر أولويات المنتجين وطرق تمويل المشروعات السينمائية.
ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات خدمات المشاهدة المدفوعة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 1.5 مليار دولار خلال بنهاية عام 2025، بدعم من زيادة عدد المشتركين فى منصات مثل «شاهد» و«نتفليكس» و«OSN+» و«WatchIt»، وارتفاع الإنفاق على الإنتاج المحلى، وذلك وفق أحدث بيانات منشورة لمؤسسة Digital TV Research المتخصصة فى نشر أبحاث صناعة السينما.
«عبدالوهاب»: توسع قاعدة المشاهدين يعزز فرص العائد على المحتوى الحصرى
وقال محمد عبدالوهاب، عضو غرفة صناعة السينما باتحاد الصناعات، إن المنصات الرقمية أصبحت عنصراً أساسياً فى الاقتصاد السينمائى الجديد، بعدما تحولت من مجرد قناة عرض إلى محرك رئيسى للاستثمار والإيرادات.
وأضاف لـ«البورصة»، أن توسع قاعدة المشاهدين عبر الإنترنت رفع من الجدوى الاقتصادية للمحتوى الحصرى، موضحاً أن المنصات الرقمية خلقت نمطاً جديداً من التمويل يقوم على الشراء المسبق للأعمال الفنية، ما يقلل مخاطر الإنتاج التقليدية المرتبطة بتقلبات شباك التذاكر.
وأشار إلى أن قطاع السينما فى تحسن مستمر بدعم من توسع دور العرض الإقليمية وزيادة الاستثمارات الخليجية، خصوصاً فى السعودية والإمارات، التى أصبحت سوقاً واعداً لتوزيع الأفلام المصرية والعربية، ما يعزز العائد الاستثمارى للقطاع ككل.
«عبداللطيف»: المنتج لا يحصل سوى على 40% من الإيرادات بعد خصم التوزيع والضرائب
من جانبه، أوضح عاطف عبداللطيف، رئيس مجلس إدارة شركة «ترافلرز» للإنتاج الفنى والإعلامى، أن المنصات الرقمية أصبحت خياراً اقتصادياً أكثر استقراراً مقارنة بالعرض السينمائى، بعد تفشى القرصنة الرقمية التى تلتهم الإيرادات فور طرح العمل.
وأضاف لـ«البورصة»، أن بيع حقوق العرض للمنصات يضمن للمنتج عائداً مالياً مباشراً وواضحاً دون الدخول فى تعقيدات نسب التوزيع أو مصروفات التسويق.
وأشار إلى أن الإيرادات السينمائية التقليدية تتوزع على نحو يجعل المنتج فى نهاية المطاف لا يحصل سوى على 40% من إجمالى العائدات، بعد خصم نحو 10 ـ 15% للموزعين، و50% لدور العرض، بخلاف الضرائب، وهو ما يحد من جدوى الاستثمار فى القاعات.
وأكد عبد اللطيف أن العرض عبر المنصات الرقمية يوفر خفضاً كبيراً فى تكاليف التسويق؛ نظراً إلى اعتمادها على الإعلانات الإلكترونية الموجهة بدلاً من الحملات التقليدية المكلفة، فضلاً عن تقديمها تمويلاً مسبقاً عبر عقود شراء حصرية قبل التنفيذ، ما يقلل من مخاطر التمويل.
«سامى»: مفاوضات لإنتاج مشترك مع 6 شركات خليجية العام المقبل
وقال وليد سامى، رئيس شركة «فيلم رولينج»، إن المنصات الرقمية باتت تمثل ذراعاً تمويلية بديلة للمؤسسات المصرفية؛ حيث تتعاقد مباشرة مع المنتجين على شراء الأعمال أو المشاركة فى تمويلها.
وأضاف أن شركته تتفاوض حالياً مع 6 شركات إنتاج مصرية وخليجية لتنفيذ مشاريع مشتركة خلال العام المقبل، بميزانيات تصل إلى 200 مليون جنيه، وفقاً لحجم المشروع والنجوم المشاركين.
وأشار إلى أن المنصات الرقمية تتيح للمنتجين توزيع المخاطر، وضمان حد أدنى من الأرباح بعيداً عن التقلبات الموسمية للعرض السينمائى.
«الملاح»: ارتفاع أجور الفنانين أحد أبرز أسباب الأزمة الإنتاجية
وقال بلال الملاح، رئيس شركة «هيلوبوليس فيلم سكول» للإنتاج السينمائى، إن المنصات الرقمية وفرت فرصاً تجارية جديدة؛ إذ بات الطلب متزايداً على المحتوى المحلى والعربى بأجور تنافسية، ما يدعم تدفقات مالية مستقرة لشركات الإنتاج.
وأضاف لـ«البورصة»، أن السوق يعانى رغم ذلك من أزمة إنتاجية حادة بسبب الارتفاع غير المبرر فى أجور الفنانين، ما يرفع متوسط تكلفة الفيلم بشكل يفوق قدرته على تحقيق العائد المناسب، داعياً إلى وضع آليات تنظيمية تحد من التضخم فى أجور النجوم وتعيد التوازن بين التكلفة والعائد.
فيما قال أحمد صدقى، رئيس شركة «المجموعة الفنية المتحدة»، إن المنصات الرقمية أصبحت ركيزة أساسية فى المنظومة الاقتصادية للسينما، لكنها لم تلغِ دور القاعات، إذ ما زالت تمثل قناة تسويقية مهمة لقياس النجاح الجماهيرى وجذب المستثمرين.
وأضاف أن إدخال التكنولوجيا الحديثة فى دور العرض المصرية أسهم فى رفع كفاءة التجربة السينمائية وجعلها منافساً إقليمياً، مشيراً إلى أن السينما والمنصات الرقمية تسيران حالياً فى مسارين تكامليين، أحدهما يعتمد على العائد الفورى للعرض الإلكترونى، والآخر على القيمة الترويجية للعرض التقليدى.








