توقع محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات، تجاوز إصدارات الصكوك في مصر حاجز 100 مليار جنيه خلال الثلاثة أعوام المقبلة، بدعم من توسّع الدولة في تنويع أدوات التمويل واهتمام القطاع الخاص بقطاعات مثل الطاقة والعقارات والتعليم.
وأضاف فى حوار لـ”البورصة” أن التوجه نحو الصكوك الخضراء والاجتماعية يفتح الباب أمام تحول مصر إلى مركز إقليمي للتمويل الإسلامي في شمال إفريقيا.
وأوضح أن الإصدار السيادي الأخير للصكوك كان من أنجح الإصدارات في المنطقة خلال 2025، بعدما جمعت مصر 1.5 مليار دولار عبر شريحتين لأجل 3.5 و7 سنوات بعوائد أقل من الإصدارات السابقة، مشيرًا إلى أن الإقبال كان لافتًا، إذ تجاوزت طلبات الاكتتاب 9 مليارات دولار، ما يعكس تصاعد الثقة الدولية.
أشار إلى أن الصكوك تشهد فرصًا توسعية ضخمة إقليميًا وعالميًا، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك موقعًا مناسبًا للاستفادة منها بفضل الإقبال القوي الذي حققه إصدارها الأخير في أكتوبر 2025، والذي جذب طلبات تجاوزت حجم الطرح بستة أضعاف.
وذكر إمكانية تكرار التجربة عبر صكوك بالعملات الأجنبية مثل الدولار أو اليورو لاستقطاب مؤسسات استثمارية دولية.
تشريعات جديدة في مصر فتحت الباب أمام الإصدارات المحلية والدولية
وفقًا لتقديرات “ريفينيتيف” و”المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص”، تجاوزت أصول التمويل الإسلامي عالميًا حاجز 4.5 تريليون دولار في عام 2025، مقارنة بنحو 2.8 تريليون فقط في عام 2019، بمعدل نمو سنوي يقارب 8 إلى 10%.
ويُعد هذا النمو انعكاسًا لتزايد الطلب على أدوات تمويل متوافقة مع الشريعة من قبل الأفراد والمؤسسات وصناديق الثروة السيادية، وكذلك لارتفاع ثقة المستثمرين في استدامة هذا النوع من التمويل، خاصة مع ازدياد الاهتمام بالاستثمار الأخلاقي والمسؤول بيئيًا واجتماعيًا (ESG).
قال نجلة إن الصكوك الإسلامية في جوهرها أوراق مالية تمثل ملكية في أصل أو مشروع أو منفعة، وليست ديونًا كما هو الحال في السندات التقليدية.
وذكر أن أنواع الصكوك تختلف بحسب طبيعة المشروع والعائد، مشيرًا إلى أن صكوك الإجارة تُعد الأكثر استخدامًا لتمويل الأصول والبنية التحتية، لأنها تقوم على تأجير أصل يدر دخلاً ثابتًا للمستثمرين، رغم حاجتها لإدارة وصيانة مستمرة.
وأضاف أن هناك صكوك الاستصناع أو السَّلَم، الموجهة لتمويل تصنيع أو إنشاء أصول تُسلم مستقبلًا، لكنها ترتبط بتقدير دقيق للتكلفة والمخاطر.
تحسن التصنيف الائتماني يخفض تكلفة التمويل ويعزز طمأنة المستثمرين
كما تحدث عن الصكوك المضمونة بالأصول التي تمنح المستثمر حق ملكية فعلي يزيد الأمان، مقابل الصكوك القائمة على الأصل التي تمنح حصة أو منفعة دون ضمان كامل، ما يوفر مرونة أكبر لكنه يقلل درجة الاطمئنان. وأكد أن مختلف أنواع الصكوك تُعد أدوات تمويل حقيقية تدعم الاستثمار والإنتاج.
وأكد أن سوق الصكوك يشهد طفرة غير مسبوقة جعلته المحرك الأهم للتمويل الإسلامي عالميًا، موضحًا أن القيمة السوقية للإصدارات القائمة تجاوزت التريليون دولار لأول مرة هذا العام وفق تقرير «المشرق كابيتال».
وأشار إلى أن الإصدارات الجديدة بلغت نحو 230 مليار دولار في 2024، مع توقعات بتخطي 250 مليار دولار في 2025 مدفوعة بإقبال من السعودية وإندونيسيا وماليزيا والإمارات، إلى جانب دخول متزايد من الأسواق الإفريقية.
وذكر أن الصكوك الخضراء والمستدامة أصبحت من أبرز محركات النمو، إذ باتت تمثل أكثر من 13% من الإصدارات العالمية، ما يعكس توجهًا متصاعدًا لتمويل الطاقة المتجددة ومشروعات البنية التحتية عبر أدوات متوافقة مع الشريعة.
وأضاف أن هذا النمو مدفوع بعدة عوامل، أبرزها تزايد الطلب من مستثمرين في الشرق الأوسط والعالم على أدوات تحقق عائدًا ثابتًا وتتماشى مع القيم الإسلامية أو مع خطط التنويع.
مصر مرشحة لتصبح مركزًا إقليميًا للتمويل الإسلامي في شمال إفريقيا
وكشف أن الحكومات تلجأ للصكوك لتمويل مشروعات كبرى ضمن خطط التحول التنموي مثل «رؤية 2030» في السعودية، ما جذب مستثمرين محليين وأجانب.
وذكر أن الصكوك المرتبطة بالاستدامة ومبادئ ESG اكتسبت جاذبية عالمية، مع توقع تجاوز إصداراتها 50 مليار دولار في 2025.
وأشار إلى أن توجه البنوك المركزية نحو التيسير النقدي وتراجع تكلفة التمويل عززا قدرة الدول والمؤسسات على التوسع في إصدار الصكوك بالعملات الأجنبية.
ولفت إلى وجود مخاطر سعر الفائدة، فارتفاع الفائدة العالمية يقلل الإقبال على الصكوك طويلة الأجل، خاصة في الأسواق الناشئة.
وأضاف نجلة أن الثقة تتأثر أيضًا بمخاطر الائتمان، نظرًا لارتباط بعض الصكوك بمشروعات حكومية أو خاصة معرضة لتقلبات سياسية أو اقتصادية، إلى جانب التباين الشرعي بين الدول، الذي قد يربك عملية التقييم ويحد من جذب المستثمرين الدوليين.
وأشار إلى أن السوق يتحرك باتجاه تعزيز أدوات الحماية والجاذبية من خلال تطوير معايير موحدة للإفصاح والحوكمة، وتوسيع دور الهيئات الشرعية الدولية لزيادة الشفافية وتقليل التباين التنظيمي، معتبرًا أن هذه الخطوات تدعم النظرة المستقبلية الإيجابية للصكوك باعتبارها أداة متوازنة تجمع بين العائد والاستقرار.
وقال إن إدارة مخاطر سوق الصكوك أصبحت أكثر احترافية في السنوات الأخيرة، خاصة في المنطقة العربية، لافتا إلى أنه في مصر تم تعزيز الشفافية عبر الإفصاح الكامل عن هياكل الإصدارات والضمانات وطبيعة الأصول، ما رفع ثقة المستثمرين.
وأشار إلى أن جهات تنظيمية مثل الهيئة العامة للرقابة المالية وهيئة السوق المالية في السعودية تبنت معايير موحدة لتقييم الصكوك ومتابعة المخاطر.
ونوّه بأن الصكوك الخضراء تمثل فرصة واعدة لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة بما يتماشى مع توجهات الاستثمار البيئي العالمي، فيما يمكن على المستوى المحلي تعزيز الإصدارات بالجنيه عبر حوافز تنظيمية وضريبية تشجع الشركات والبنوك على دخول السوق.
230 مليار دولار إصدارات صكوك عالمية في 2024
وأكد أن مصر شهدت تطورًا تشريعيًا جذريًا أتاح انطلاقة حقيقية لسوق الصكوك خلال السنوات الخمس الأخيرة. وأشار إلى أن البداية كانت في 2013 بإدراج الصكوك في القانون، لكن التطبيق ظل محدودًا، بينما جاء التحول الفعلي في 2020 و2021 عبر تعديلات أصدرتها الهيئة العامة للرقابة المالية وضعت إطارًا واضحًا للإصدارات الحكومية والخاصة.
وأضاف أن الإطار توسع في 2023 و2024 ليشمل الصكوك بالعملة الأجنبية والصكوك الخضراء والتنموية وفق معايير دولية مثل AAOIFI وIFSB، وتُوّج ذلك بأول إصدار سيادي في فبراير 2023 بقيمة 1.5 مليار دولار، تلاه نجاحات متتالية حتى طرح أكتوبر 2025.
وأكد أن مصر أصبحت تمتلك منظومة تنظيمية تسمح بالإصدار محليًا ودوليًا، ما جعلها ضمن أبرز الأسواق الناشئة في هذا المجال. وأوضح أن التصنيف الائتماني هو العامل الأهم في جذب المستثمرين للصكوك، لأنه كلما ارتفع انخفضت تكلفة التمويل وزادت الثقة في الإصدار.
وذكر أن وكالات مثل موديز وفيتش وستاندرد آند بورز تقيّم جودة الأصول، قوة الجهة المصدرة، الهيكل الشرعي والقانوني، وضمانات السداد، مشيرًا إلى أن تحسن التصنيفات في الخليج وماليزيا ومصر جعل الصكوك أداة تمويل طويلة الأجل مفضلة وآمنة للمؤسسات الدولية.
وأفاد بأن الصكوك، رغم ابتعادها عن الفائدة كآلية للعائد، تتأثر بتحركات أسعار الفائدة العالمية بشكل غير مباشر، إذ يعتمد المستثمرون على المقارنة بينها وبين السندات التقليدية عند تحديد قراراتهم.
أوضح أنه عند رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة يرتفع العائد المطلوب على الإصدارات الجديدة من الصكوك، ما يؤدي إلى تراجع أسعار الصكوك القائمة لتواكب مستويات العائد الجديدة.
وذكر أن الصكوك الإسلامية تختلف جذريًا عن السندات من حيث التسعير، لأنها تقوم على مبدأ المشاركة في الأصول أو العوائد الناتجة عنها وليس على الإقراض بفائدة.
وأوضح أن المستثمر في الصك لا يمنح الجهة المصدرة قرضًا، بل يمتلك حصة في أصل حقيقي أو مشروع منتج، ويحصل على عائده من الأرباح أو الإيجارات وليس من فائدة محددة مسبقًا.
وأكد أن التسعير لا يعتمد على الفائدة، لكنه يسترشد بمؤشرات عالمية مثل كونيا وكايبور وسايبور أو بدائل الليبور لتحديد العائد العادل مقارنة بالأدوات المنافسة، مشيرًا إلى أن السعر يخضع لثلاثة عوامل رئيسية: ملاءة الجهة المصدرة، مدة الصك، وأداء المشروع أو الأصل محل التمويل.
