انضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر 1945، ودفعت مقابل مشاركتها في تأسيس الصندوق 45 مليون دولار، وتبلغ حصة مصر في صندوق النقد حالياً 2,037.1 مليون وحدة من حقوق السحب الخاصة التي تُعرَف بـ SDR (أكثر من 2 مليار SDR)، وتبلغ قروض مصر لدى الصندوق حالياً نحو 6.73 مليار وحدة سحب SDR، أي ما يعادل 9.2 مليار دولار.
ومنذ انضمام مصر إلى صندوق النقد الدولي عقدت 15 اتفاقية رسمية مع الصندوق حتى الآن، كانت أنجح الاتفاقيات تاريخياً 1987، و1991–1996، و2016–2020، وأكثرها فشلاً أو إلغاءً 1977، و1978، و2010 (لم يُنفذ)، كما أن إجمالي ما حصلت عليه مصر من الصندوق منذ 2016 وحتى 2025 أكثر من 27 مليار دولار (أكبر رقم في تاريخ أي دولة عربية).
اتفاقيات والتزامات.. وفشل أيضًا
كان أول اتفاق في مايو عام 1962، حيث وقعت مصر على الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي، وحصلت على تسهيل قدره 25 مليون دولار، وذلك لتجاوز أزمة انخفاض حصيلة الدولة من النقد الأجنبي وتدهور ميزان المدفوعات، وتدهور محصول القطن، وانخفاض صادرات الأرز إلى النصف تقريباً، بالإضافة إلى الالتزامات المالية على مصر والتي تتمثل في تعويضات حملة أسهم شركة قناة السويس، وتعويضات للحكومة السودانية بسبب السد العالي، والتعويضات المدفوعة لبريطانيا مقابل الملكية الإنجليزية في مصر.
والتزمت مصر في المقابل بعدد من الإصلاحات تمثلت في تفعيل دور السياسة النقدية من خلال وضع البنك المركزي المصري حداً أقصى للتسهيلات الائتمانية التي تُقدَّم للبنوك التجارية لتمويل القطن، ورفع نسبة الاحتياطي للبنوك التجارية من 12.5% إلى 17.5% للحد من التضخم، وكذلك رفع أسعار الفائدة المحلية المدينة من 3% إلى 5% مع إلغاء الفائدة على الودائع الجارية.
كما قامت مصر بتخفيض قيمة الجنيه المصري من 2.87 دولار إلى 2.3 دولار مع توحيد سعر الصرف لجميع المعاملات عدا رسوم المرور بقناة السويس، حيث إن هذه الرسوم متفق عليها دولياً.
الاتفاق الثاني كان في 13 مايو 1976، حصلت بموجبه مصر على تسهيل قدره (125 مليون وحدة سحب خاصة) بما يعادل 64 مليون دولار، وذلك بموجب خطاب النوايا، وذلك لمواجهة عدة أزمات اقتصادية منها العجز في ميزان المدفوعات، وتراكم الديون الخارجية (خاصة قصيرة الأجل) بسبب الاستعداد لحرب أكتوبر 1973.
وفي المقابل التزمت مصر بعدد من الإصلاحات يمكن تلخيصها في تنفيذ إصلاحات السياسات المالية، والتي تمثلت في تخفيض تكاليف دعم المواد الغذائية، والإصلاح الضريبي والجمركي، وإصلاحات السياسات النقدية والائتمانية بموجبها تم رفع أسعار الفائدة بواقع 2% بهدف تشجيع الادخار، بالإضافة إلى تخفيض الاعتماد على الاقتراض الخارجي خاصة المتوسط وقصير الأجل، وإصلاح نظام أسعار الصرف الأجنبي، وتحرير التجارة الخارجية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص، مع الأخذ بآليات وسياسات السوق في تحديد الأسعار وفتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: بين بيت الشركات البريطاني وهيئة الاستثمار المصرية
الاتفاق الثالث، والأكثر جدلاً في علاقة مصر بصندوق النقد الدولي، كان في 21 مايو 1977 لمدة سنة واحدة تنتهي في مايو 1978، بموجبه كانت ستحصل مصر على 125 مليون وحدة سحب بما يعادل 145 مليون دولار تقريباً، وذلك بهدف دعم ميزان المدفوعات وتقليص العجز المالي الكبير والذي كان قد وصل إلى حوالي 1.6 مليار دولار تقريباً (20% من الناتج المحلي).
واشترط الصندوق عدة إصلاحات تمثلت في رفع الدعم تدريجياً عن الخبز والدقيق والزيت والسكر والسجائر والبنزين والغاز، بالإضافة إلى تقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب غير المباشرة، وهو ما قابله الشارع المصري في يناير 1977 بمظاهرات ضخمة والتي سُمّيت فيما بعد بـ انتفاضة الخبز.
وفشلت الحكومة في تنفيذ أجندة صندوق النقد، حيث ألغى الرئيس السادات كافة قرارات الزيادات وأعاد الدعم كما كان يوم 19 يناير 1977، الأمر الذي أدى إلى فشل الاتفاق من الناحية العملية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الدعم في مصر في ذلك التوقيت لم يكن سياسة مالية وإنما أداة استقرار سياسي، كجزء من صفقة ضمنية بين الدولة والمجتمع، فاقتصاديات السياسة المصرية كانت تقوم على شرعية اجتماعية قائمة على الدعم، من خلاله تعمل الدولة كضامن للحد الأدنى للمعيشة، في ظل غياب شبكات الأمان الاجتماعية مثل النقابات والجمعيات والأحزاب وغيرها.
وأوضحت الانتفاضة أن الحكومة يمكن أن توقع الاتفاق لكنها تعجز عن تنفيذه فعلياً، كما أضاءت لصندوق النقد أنه لا يمكن التقليل من البعد الاجتماعي للبرامج التي يقدمها، ولا يمكن افتراض حياد الدولة اجتماعياً خاصة في الدول النامية التي تمتلك فقراً ديمقراطياً.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: الإصلاح الهيكلي للقطاع العقاري ضرورة ملحة
وعلى الرغم من فشل هذا الاتفاق، إلا أن إصرار القيادة السياسية آنذاك على التحول نحو اقتصاديات السوق دفعها إلى توقيع الاتفاق الرابع في يونيو 1978، ولكن هذه المرة كان الاتفاق على تسهيل ممتد (Extended Fund Facility – EFF) بقيمة 600 مليون وحدة سحب بما يعادل 787 مليون دولار تقريباً، وذلك بموجب خطاب النوايا واتفاق التثبيت الاقتصادي.
وقد كان هذا البرنامج مصمماً خصيصاً للإصلاح الهيكلي لمدة ثلاث سنوات من 1979 حتى 1981، مع التركيز على تقليل العجز المالي الذي تجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة هيكلة الديون الخارجية التي تجاوزت 10 مليارات دولار بنهاية 1978، وتحرير الاقتصاد من السيطرة الحكومية.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق كان من أبرز المحاولات المبكرة للانتقال نحو اقتصاد السوق في مصر، إلا أنه واجه تحديات سياسية واقتصادية أدت إلى تنفيذ محدود له، فلم يتم سحب سوى 12.5% من المبلغ تقريباً (75 مليون SDR)، حيث فشلت الحكومة آنذاك في تنفيذ بعض الإصلاحات الشرطية مثل تخفيض الدعم الحكومي على الغذاء والطاقة، إلا أن هذا الاتفاق نجح في إعادة جدولة ديون مصر مع الدائنين الدوليين وقاد لاتفاقيات لاحقة في الثمانينيات سنتناولها في المقال القادم.








