بعد نجاح الإصلاح الاقتصادي الذي حققته مصر في نهاية التسعينيات، ظلت مؤشرات الاقتصاد المصري ثابتة نسبيًا، مع ارتفاعات محدودة في معدلات النمو – لم تكن متناسبة مع معدلات النمو السكاني – إلى أن حدثت الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وعلى الرغم من عدم تأثر الاقتصاد المصري بشكل مباشر بالأزمة، فإنها ألقت بظلالها عليه بصورة غير مباشرة، حيث انخفضت السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، مع تراجع الاستثمارات الأجنبية، وهو ما دفع مصر إلى طلب اتفاق مساندة من صندوق النقد الدولي.
إلغاء قبل التنفيذ
في 21 مايو 2010، تم الاتفاق على مستوى الطاقم – دون موافقة رسمية من مجلس إدارة الصندوق – على اتفاق مساندة لمصر لمدة 25 شهرًا (نحو عامين)، بقيمة 3,000 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (SDR)، بما يعادل 4.4 مليار دولار آنذاك، وهو ما يمثل 400% من حصة مصر في الصندوق، التي كانت تبلغ 750 مليون وحدة حقوق سحب خاصة.
وتم إلغاء هذا الاتفاق قبل التنفيذ الكامل بسبب ثورة 25 يناير، التي أدت إلى تغيير الحكومة وعدم قدرتها على تطبيق الإصلاحات الشرطية، والتي تمثلت – وفقًا لتقرير Article IV Consultation – في خفض العجز المالي من 8.1% إلى 5% من الناتج المحلي، من خلال تقليص الإنفاق الحكومي بنسبة تتراوح بين 2 و3%. وكانت الحكومة المصرية قد انتهجت سياسات مالية توسعية جزئيًا لمواجهة التباطؤ الاقتصادي عقب أزمة 2008.
وفي المقابل، كان الصندوق يرى ضرورة العودة إلى التقشف التدريجي وتحقيق التوازن المالي بعد تجاوز الأزمة، بالإضافة إلى الرفع التدريجي للدعم عن الوقود والغاز والكهرباء بنسبة تتراوح بين 20 و30%، وتقليص الدعم الغذائي بهدف توفير نحو 1.5% من الناتج المحلي، فضلًا عن زيادة الضرائب غير المباشرة (ضريبة المبيعات، التي عُدلت لاحقًا باسم ضريبة القيمة المضافة)، مع توسيع القاعدة الضريبية. كما أوصى بتعديل سعر صرف الجنيه تدريجيًا (خفض قيمة بنسبة 5–10%) لتحسين التنافسية، مع الحفاظ على نظام صرف شبه ثابت.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: مصر وصندوق النقد الدولي.. تاريخ وعِبَر (1)
كان اتفاق عام 2010 محاولة للعودة إلى مسار الإصلاحات بعد فترة الاستقرار (1999–2009)، إلا أن إلغاءه أدى إلى تجنب الإصلاحات، لكنه خلق أزمات لاحقة، وأسهم في حدوث فجوة في الدعم الدولي حتى عام 2012، وجعل شروط الاتفاق اللاحق في عام 2016 أكثر صعوبة وصرامة، نظرًا لتدهور الوضع الاقتصادي مقارنة بعام 2010.
وقد أظهرت المؤشرات آنذاك انخفاضًا حادًا في معدل نمو الناتج المحلي من 4.7% عام 2010 إلى 2.2% في عام 2011، وتفاقم العجز المالي من -8.1% إلى -10% نتيجة زيادة الاضطرابات، وانخفاض الاحتياطي النقدي من 33 مليار دولار إلى 25 مليار دولار، إلى جانب ارتفاع الدين العام من 73% إلى 81%.
اتفاق الإخوان
في نوفمبر 2012، تم التوصل إلى اتفاق مساندة على مستوى الطاقم لمدة 22 شهرًا، بقيمة 3.16 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، تُقدَّر بنحو 4.8 مليار دولار، بما يعادل 335% من حصة مصر في الصندوق، وذلك لمواجهة الأزمة الاقتصادية بعد الثورة ودعم ميزان المدفوعات.
وتمثلت شروط هذا الاتفاق في خفض العجز المالي من 11% إلى 8.5% من الناتج المحلي، وتقليص العجز الأولي من 4% إلى 0.6%، ورفع تدريجي للدعم عن السلع الأساسية (الوقود والغذاء) لتوفير نحو 2% من الناتج المحلي، إلى جانب إصلاح النظام الضريبي وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمار الخاص.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: مصر وصندوق النقد الدولي.. تاريخ وعِبَر (2)
ولم يُعرض هذا الاتفاق على مجلس إدارة الصندوق للحصول على الموافقة الرسمية، حيث تم إلغاؤه في ديسمبر 2012 بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد شروط التقشف ورفع الدعم، بالإضافة إلى التوترات السياسية مع الحكومة آنذاك، والتي سرعان ما سقطت في يوليو 2013.
بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين، ركزت الحكومة المؤقتة على تحقيق الاستقرار السياسي، مع البحث عن بديل لتمويل الصندوق، وهو ما وفرته دول الخليج التي قدمت ما يقارب 12 مليار دولار خلال الفترة من 2013 إلى 2014. وخلال تلك الفترة، لم تكن هناك مفاوضات جديدة مع الصندوق، مع الاكتفاء بالمشاورات السنوية، حيث حذر الصندوق من تراكم الديون والحاجة إلى إصلاحات هيكلية، ولكن دون تمويل.
إصلاحات تمهيدية لقرض 2016
مع انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2014، بدأت الحكومة تنفيذ إصلاحات أحادية الجانب لإثبات الجدية أمام الصندوق، مدعومة بتمويل خليجي. وقد انخفض العجز المالي إلى نحو 10%، إلا أن الاحتياطيات النقدية ظلت ضعيفة عند مستوى يقارب 20 مليار دولار.
وقامت الحكومة بخفض الدعم على الوقود والكهرباء، حيث رُفعت أسعار البنزين بنسبة 78% في يونيو 2014، مما وفر نحو 3% من الناتج المحلي، كما قام البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه بنسبة 5%، ورفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
وعلى الصعيد التشريعي، صدر قانون الخدمة المدنية لضبط إنفاق الأجور وتحسين حوكمة الجهاز الإداري للدولة، كما صدر قانون ضريبة القيمة المضافة (VAT) ليحل محل ضريبة المبيعات.
وقد أظهرت هذه الإجراءات جدية الحكومة المصرية في مسار الإصلاح الاقتصادي، وأسهمت في تحقيق نمو إيجابي بلغ 4.2%. إلا أن تباطؤ وتيرة الإصلاحات نتيجة الانتخابات البرلمانية والضغوط الاجتماعية حال دون التوصل إلى اتفاق مع الصندوق في تلك المرحلة، لكنها مثلت خطوة انتقالية مهدت لاتفاق عام 2016، والذي سيتم استكماله في المقال القادم.







