تشهد سوق التمويل غير المصرفي في مصر، تحولات متسارعة، مدفوعة بتدفقات متزايدة من التمويلات الدولية التي تستهدف دعم الإقراض المؤثر، لا سيما للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
ويأتي هذا الزخم في وقت تسعى فيه الدولة إلى تعميق الشمول المالي، وتخفيف الضغوط عن الجهاز المصرفي التقليدي، مع منح القطاع الخاص دورًا أكبر في تمويل النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، خاصة في القطاعات كثيفة العمالة والمجتمعات الأقل خدمة.
وتُعد المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والبنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف، لاعبًا رئيسيًا في إعادة رسم خريطة التمويل بالسوق المصرية، عبر ضخ خطوط ائتمان، وضمانات مخاطر، وبرامج دعم فني تستهدف بناء قدرات شركات التمويل غير المصرفي، وتحفيزها على التوسع في منتجات التمويل المستدام والتمويل المؤثر.
وواصلت مصر خلال السنوات القليلة الماضية، توقيع اتفاقيات استراتيجية مع مؤسسات التمويل الدولية، بهدف تعزيز تدفقات التمويل الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
ومن أبرز هذه الاتفاقيات الشراكة بين “التجاري وفا بنك مصر” ومؤسسة التمويل الدولية، والتي تضمنت تسهيل محفظة ائتمانية بقيمة 20 مليون دولار، مع تغطية IFC لما يصل إلى 50% من مخاطر الائتمان.
ويسمح هذا النموذج للبنك بتوسيع محفظة قروضه الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة تتجاوز 50% خلال خمس سنوات، مع توجيه جزء معتبر من التمويلات لدعم رائدات الأعمال والشركات العاملة في المناطق الأقل حصولًا على الخدمات المصرفية.
كما شملت الاتفاقيات تمويلًا بقيمة 50 مليون دولار لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدى بنك قناة السويس، بدعم من IFC، مع تخصيص 25% من التمويل للشركات المملوكة للسيدات. وتعكس هذه الصفقات توجهًا دوليًا واضحًا نحو ربط التمويل بأبعاد اجتماعية وتنموية، تتجاوز مجرد الإقراض التجاري.
وتشير بيانات جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى أن هذا القطاع يمثل نحو 90% من إجمالي الشركات العاملة في مصر، ويسهم بحوالي 43% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر أكثر من 75% من فرص العمل في القطاع الخاص، ما يفسر الاهتمام الدولي المتزايد بضمان تدفقات تمويل مستدامة له.
على صعيد المؤسسات غير المصرفية، باتت شركات التمويل غير المصرفي أحد أبرز المستفيدين من موجة التمويلات الدولية، نظرًا لمرونتها وقدرتها على الوصول إلى شرائح لا تخدمها البنوك التقليدية.
وفي هذا السياق، نجحت شركة «جلوبال كورب للخدمات المالية» في توقيع شراكة استراتيجية مع مؤسسة التمويل الدولية، تضمنت التزام IFC بتوفير تمويلات تصل إلى 40 مليون دولار لدعم نشاط الشركة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وحلول التمويل المستدام، مع التركيز على الإقراض بالعملة المحلية.
عمارة: ضرورة إنشاء منصة موحدة تربط بين الشركات الباحثة عن التمويل والمؤسسات
ويرى ياسر عمارة، رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات المالية، أن توسع شركات التمويل غير المصرفي في الحصول على خطوط تمويل دولية يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز دور “التمويل المؤثر”، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تكلفة هذه التمويلات عند طرحها في السوق المحلية.
وأضاف عمارة لـ«البورصة» أن أسعار الفائدة على منتجات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما زالت مرتفعة نسبيًا، ما يقلل من الأثر التنموي المرجو، مشددًا على أهمية إنشاء منصة موحدة تربط بين الشركات الباحثة عن التمويل والمؤسسات الدولية المانحة، لتسهيل الوصول إلى التمويلات وتقليل التعقيدات الإجرائية.
تشير البيانات الرسمية إلى أن قيمة التمويلات الممنوحة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تجاوزت نحو 101 مليار جنيه بنهاية عام 2025، في مؤشر واضح على تصاعد دور التمويل غير المصرفي وتنوع أدواته، سواء عبر التمويل متناهي الصغر، أو التأجير التمويلي، أو التخصيم، أو حلول “اشترِ الآن وادفع لاحقًا”.
الفقي: الزيادة تعزز قدرة الشركات على التوسع وتدعم الابتكار في المنتجات التمويلية
وقال محمد الفقي، الرئيس التنفيذي لمنصة «سيمبل» للشراء الآن والدفع لاحقًا، إن التمويلات الدولية الموجهة لشركات التمويل غير المصرفي تستهدف بالأساس دعم التوسع في الإقراض المؤثر، الذي يركز على قطاعات محددة مثل تمكين المرأة، ودعم الشباب، وتمويل المشروعات الخضراء.
وأضاف أن هذه التمويلات تحظى باهتمام كبير من المؤسسات المصرفية وغير المصرفية على حد سواء، نظرًا للزخم الدولي الداعم لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، موضحًا أن زيادة حجم التمويلات الدولية في السوق المصرية تعزز من قدرة الشركات على التوسع، وتدعم الابتكار في المنتجات التمويلية.
وفي موازاة ذلك، كثفت الهيئة العامة للرقابة المالية جهودها لوضع أطر تنظيمية أكثر صرامة، توازن بين تشجيع النمو وتقليل المخاطر.
وشملت هذه الجهود مراجعة معايير منح الائتمان، وتعزيز الإفصاح والحوكمة، وإطلاق برامج تدريبية بالتعاون مع مؤسسات دولية لبناء قدرات شركات التمويل غير المصرفي في إدارة المخاطر.
ورغم هذا التطور، لا تزال فجوة التمويل تمثل تحديًا رئيسيًا، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن فجوة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الأسواق الناشئة تبلغ نحو 5.7 تريليون دولار عالميًا، بينما يواجه نحو 70% من المشروعات في مصر صعوبات في الحصول على التمويل الكافي للنمو.
لكن مع استمرار تدفق التمويلات الدولية، وتطور الأطر الرقابية، وتصاعد دور شركات التمويل غير المصرفي، تتعزز فرص سد جزء معتبر من هذه الفجوة، بما يدعم استدامة النمو الاقتصادي، ويوسع قاعدة التنمية الشاملة في السوق المصرية.








