يمسك د. محمد عمران بدفة القيادة بالبورصة المصرية منذ ما يزيد على عامين خلفا لمحمد عبد السلام رجل المهمات الصعبة وقبلها ظل نائبا لماجد شوقى لأربع سنوات.
ورغم الجهود التى يبذلها د.عمران لإدارة البورصة المصرية بعد عودته مجددا ليكون مختلفا فى سياساته عن الفترات الأولى التى شهدت جفاء مع غالبية أطراف السوق إلا أن الفكر الأكاديمى يسيطر على طريقة الإدارة فى بورصة للمحترفين تتحرك أسرع كثيرا من تحرك رئيس البورصة وفريق الإدارة، الذى يبدو أنه فى حاجة لمشاهدة وتحليل الجزء الثانى من فيلم وول ستريت «المال لاينام أبدا» “Money never sleeps” والذى يعكس كيفية تسارع وتطور الادارات والمهارات لدى المحترفين بالاسواق المالية والتى تمثل تحدياً مستمراً بين من يديرون اللعبة والمشاركين فيها.
ورغم التحديات التى واجهتها البورصة المصرية والجراح التى خلفها المشهد السياسى وانعكاساتها على الأداء الاقتصادى إلا أنها ارتفعت بحوالى %24 فى عام 2013 لكن هذه الارتفاعات تعود بالأساس لصفقات استحواذ تمت بأسعار مرتفعة على بعض الأسهم الرئيسية فى البورصة مثل اوراسكوم للإنشاء والبنك الأهلى سوسيته جنرال بالإضافة لعمليات مضاربة واسعة النطاق على غالبية الأسهم المتداولة.
ويواجه عمران فى الفترة الحالية تحديات فى جذب شركات كبيرة للقيد فى البورصة وعمل طروحات كبيرة على وزن «طلعت مصطفى» و«جهينة وعامر جروب» بسبب الأوضاع السياسية والبيروقراطية الشديدة التى تشهدها الشركات التى تحاول القيد وكذلك تعديلات قواعد القيد التى تنتظر النور منذ سنوات وهو ما يتطلب اقناع بنوك الاستثمار بقبول درجات أعلى من المخاطرة لتنفيذ الطروحات المحفوظة فى الأدراج منذ سنوات وهو ما يتطلب أن تكون إدارة البورصة ذاتها أكثر قبولا للمخاطرة بالتطوير والتحديث وإدخال أدوات جديدة للسوق.
ولم تزد الشركات المقيدة فى البورصة عما كانت عليه منذ اربع سنوات وتحديدا فى 2010 اى قبل الثورة اذ استقرت عند 212 شركة أخذا فى الاعتبار ان هناك بعض الشركات الكبرى خرجت من السوق لم يتم تعويضها حتى الآن كما ان غالبية الشركات التى تم قيدها فى الأعوام الأخيرة كانت فى بورصة النيل التى يتبناها عمران منذ كان نائبا لرئيس البورصة.
وفى ظل الظروف الحالية التى ارتفعت فيها تكلفة الدين وأصبح الحصول على تمويل بنكى دربا من دروب الخيال يجب على د.عمران السعى لتوفير منصة اكثر يسرا لتمويل دوران عجلة الاقتصاد النائمة ففى العام الماضى تم قيد شركات صغيرة ورفعت شركات رؤوس أموالها بحوالى خمسة مليارات جنيه لكن غالبيتها نتج عن هيكلة وهندسة مالية لعدد من الشركات خاصة شركة القلعة التى رفعت رأسمالها بحوالى 3.6 مليار جنيه.
ويحتاج د.عمران لتطوير ادارة القيد فى البورصة بما يسمح بجذب الشركات الكبرى من اجل تحقيق منافع لكل الاطراف سواء الشركات فى تمويل توسعاتها وزيادة رؤوس اموالها وافتتاح مصانع أو تقديم خدمات جديدة تساهم فى حل مشكلة البطالة، كما سيستفيد المستثمرون من وجود بضاعة جديدة تعوض التى اختفت مثل اوراسكوم وموبينيل وفودافون وسوسيتيه جنرال وشركات الاسمنت، ايضا ستستفيد البورصة نفسها من زيادة أحجام التداول بما يعظم من ايراداتها التى تئن تحت وطأة تراجع احجام التداولات.
وتفتقد البورصة لفريق العمل الذى من شأنه تسويق البورصة للمجتمع ككل سواء الافراد أم الشركات، فقد اختفى مشروع البورصة خطوة بخطوة الذى اسسه د.سامح الترجمان للتوعية بأهمية البورصة، وكذلك لم تدافع البورصة عن مؤتمر ترند الذى كان يستهدف الافراد بشكل كبير وحتى لم تشارك بآخر نسخة منه تقريبا بدعوى عدم وجود موارد!!! فى حين أن كل المؤسسات تدعم وتتبنى المؤتمرات والمعارض التى تروج للبضاعة التى تشرف عليها ورغم أن البورصة بدأت فى عقد لقاءات مع بعض الشركات لاقناعها بالقيد فى البورصة الا أن ذلك يتم كدور ثانوى للبورصة رغم أنه دور رئيسى تحتاج إدارة تضم كفاءات من بنوك الاستثمار والتسويق والاستشارات المالية، ولا تزال عملية جذب الشركات للقيد فى البورصة تتم بجهود فردية وليست منظومة عمل للعاملين فى البورصة الذين يحصلون على رواتبهم من قيد الشركات والتداول عليها فى البورصة.
تراجعت نسبة رأس المال السوقى للبورصة من الناتج المحلى إلى %24 العام الماضى مقابل %40 تقريبا فى 2010.
ويتوقع أن تكون صناديق المؤشرات أول المشروعات التى يمكن انجازها فى العام الجديد بعد سنوات من التأجيل خاصة مع سعى رئيس الرقابة المالية الجديد د.شريف سامى لانجاز ملفات معلقة كثيرة فى القطاع المالى غير المصرفى.
وينتظر المستثمرون أن تنجح البورصة فى جذب السندات للتداول على شاشتها بما يوفر بضاعة جيدة آمنة ضمن بدائل استثمارية من خلال شاشات السماسرة وبعيدا عن المتعاملين الرئيسيين الاكثر تخصصا فى التعامل مع المؤسسات فى حين يمتلك السماسرة القاعدة الاكبر والخبرة فى التعامل مع الافراد.
ويحتاج قطاع واسع من الشركات ان يعمل د.عمران على تطوير سوق خارج المقصورة لنقل الملكية للشركات غير المقيدة، فقد تطور الشهر العقارى وظل هذا السوق كما هو وحتى اسابيع قليلة مضت كان هناك عدة آلاف عملية معلقة بسبب البيروقراطية والروتين، وسيكون هذا الملف واجب المراجعة خلال العام الجديد من خلال حلول تكنولوجية تربط بين البورصة وشركات الوساطة لتنفيذ العمليات بسهولة ويسر خاصة انه قد تم رفع الحد الاقصى لتكلفة نقل الملكية عدة اضعاف مؤخراً.
ويجب أن يكون تطوير عمليات نقل الملكية مرتبطاً بمشروع اكبر لربط هيئة الاستثمار والبورصة ومصر للمقاصة والزام جميع الشركات المؤسسة حديثا فى هيئة الاستثمار والشركات الخاضعة للقانون 95 لسنة 92 التابعة للرقابة المالية بالايداع المركزى لأسهمها كشرط للموافقة على التأسيس وهو ما يستلزم بالتبعية اعادة النظر فى رسوم الايداع الحفظ المركزى لتتناسب مع الشركات الصغيرة، ومن ثم يمكن النظر فى إمكانية حفظ جميع الشركات العاملة فى مصر مركزيا خلال فترة معينة.
ومن ضمن الملفات المهمة فى البورصة وتحتاج لجهود كبيرة هى تحسين منظومة الافصاح فى البورصة من خلال التشاور مع الشركات المقيدة فى طريقة عمل تساهم فى توفير المعلومات فى آن واحد لكل المستثمرين من أجل كسب ثقة المتعاملين الذين يرون أن هناك سياسة للكيل بمكالين فى التعامل مع الشركات المقيدة.
وتظل بورصة النيل هى افضل انجازات د.عمران فقد ارتفع عدد الشركات المقيدة بها إلى 24 شركة حتى الان ويتوقع زيادتها خلال العام الجارى بنسبة %50 على الاقل خاصة بعد تعديل نظام وساعات التداول عليها وكذلك نقل ملف الرعاة من الهيئة للبورصة، وتنتمى %85 من الشركات بمصر لفئة الشركات الصغيرة والمتوسطة وعليه يجب ان تكون هناك خطة لجذب ألف شركة على الاقل خلال خمس سنوات للقيد فى بورصة النيل الأمر الذى يساهم فى تطويرها بل ونمو حجمها ما يؤهلها لدخول البورصة الرئيسية.
ويظل التحدى الابرز أمام د.عمران هو الملف السياسى الذى يعوق بشدة التعافى الاقتصادى وبالتالى تعافى البورصة على أسس سليمة بعيدة عن المضاربات، وإن كانت هذه الفترة ستطول فيجب على رئيس البورصة استغلالها فى تطوير البنية التشريعية والتكنولوجية والأهم من ذلك الكوادر التى تعمل معه والتى تحتاج إلى ثورة فى الفكر والادوات فالبورصة اذا لم تتبنى استراتيجية تلبى احتياجات الاقتصاد لمؤسسة قادرة على المساهمة بفاعلية فى توفير التمويل متوسط وطويل الاجل فان على القائمين عليها الا يتوقعوا استمرار احتكارهم لعمليات القيد والتداول لانه مع استقرار الاوضاع السياسية وعودة النشاط الحقيقى لن يكون مستبعدا أن يتمرد السوق بإنشاء بورصة خاصة وهو ما يتيحه قانون سوق رأس المال.
وعلى البورصة المصرية وكوادرها الاستعداد من الان للمنافسة التى قد تطل برأسها ورغم أن القانون وفر حماية للبورصة المصرية بالاشارة إلى قيد وتداول أنواع معينة فقط من الاوراق المالية فى البورصة الخاصة الان ذلك لن يمثل سوى حماية مؤقته، فالمنافسة فى التكنولوجيا والادوات والكوادر قد تحمل مفاجآت كثيرة للسوق.








