بقلم: روبرت بليشر
يعد التصويت الذى تم بالجمعية العامة للأمم المتحدة يوم التاسع والعشرين من نوفمبر الماضى، والذى منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بمثابة مشهد من مشاهد المسرح السياسى، ولكن وسط عالم من التظاهر لعملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، قد تكون مثل هذه المسرحية مجدية، فذلك المشهد الساخر الذى قدمه محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الاسبوع الماضى قد منحه هو ورفاقه من حركة فتح فرصة لتحويل الانظار عن اخفاقاتهم الأخيرة.
كان عاما مليئا بالصعاب بالنسبة لهم حيث انهم لم يحرزوا اى تقدما بشأن انهاء الاحتلال والتوصل الى حل سياسى مع اسرائيل فضلا عن العجز المستمر فى الموازنة والاحتجاجات التى اجتاحت شوارع فلسطين والتى كانت لأول مرة موجة ضد محمود عباس وغيره من قادة السلطة الفلسطينية وقد توج تلك المعضلات القصف الاسرائيلى لقطاع غزة الذى ترك عباس مهمشا ، بالرغم من ان احدا يستطيع القول بأن عباس فشل فى مهمته، على الأقل حتى الآن، ولكن الانجازات التى حققها غير مجدية.
فمن ناحية، لم تقدم خطوة الأمم المتحدة حلا للمأزق الذى يواجهه عباس، فعندما يستيقظ هذا الصباح سوف يجد ان اخفاقات العقدين الماضيين مازالت ملتفة حول عنقه ولا توجد هناك أى وسيلة سهلة للتخلص من هذا العبء الثقيل، فالتصريحات الفلسطينية بان هذا التصويت سوف ينقذ عملية السلام ما هو الا كلام فارغ مثله مثل الاحباط السائد بين مسئولى الولايات المتحدة واسرائيل الذين كان تصويتهم فى الامم المتحدة بمثابة الضربة القاضية للمفاوضات، فمن المستحيل احياء ما هو ميت كما انه من المستحيل قتله مرة اخرى.
ومن جانبه، صرح عباس بأنه سوف يعود الى طاولة المفاوضات عقب التصويت، ولكنه اذا فعل ذلك، بالرغم من انه من غير المرجح ان تنجح هذه المحادثات نظرا للانعدام المتزايد فى الثقة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل وتلهف كل منهما لتجاهل الولايات المتحدة، والذى اكد عليه الفلسطينيون داخل الامم المتحدة وتجلى فى موقف الاسرائيليين باعلانهم عن اقامة مستوطنات جديدة، فسوف تكون احتمالات نجاح هذه المفاوضات اقل من سابقاتها.
بالطبع، عباس لديه خيارات اخري، فبإمكانه او ينبغى عليه استغلال ما حققه فى الامم المتحدة لدعمه فى التوصل الى مصالحة مع حركة حماس وخاصة بعد ان استرد المعسكر المؤيد للمصالحة داخل حماس بعض نفوذه ما يجعل كل من فتح وحماس يشعرون بان هذه هى اللحظة المناسبة للاتحاد، وبدلا من ذلك، قد يجد عباس نفسه مجبرا على اللجوء الى الكيانات الدولية التى يستطيع التواصل معها الآن للضغط على اسرائيل ولكنه لا يريد ان يضطر للجوء الى هذا الطريق.
ومن ضمن النتائج الايجابية بالتصويت داخل الامم المتحدة تفتت اصوات الدول الاعضاء بالاتحاد الاوروبى حيث صوتت ست عشرة دولة لصالح فلسطين واعترضت فقط دولة التشيك فى حين امتنعت بلغاريا واستونيا والمانيا والمجر ولاتفيا وليثوانيا ونيوزلندا وبولندا ورومانيا وسلفاكيا والمملكة المتحدة عن التصويت، فاصرارها المعتاد على اتخاذ مواقف مشتركة سواء داخليا او مع الولايات المتحدة جعلها غير قادرة على القيام سوى بالقليل حيال دورها العالمي، وقد تأخرت كثيرا المبادرات الدبلوماسية الفردية او الجماعية للبدء فى التعويض عن سلبية الاتحاد الاوروبى التى استمرت طويلا.
الامر نفسه ينطبق على دول الشرق الاوسط، فقد اكدت اتفاقية وقف اطلاق النار التى انهت الصراع بغزة يوم الواحد والعشرين من نوفمبر على ما يمكن ان يقوم به الثلاثى العربى أو الإسلامي، مصر وتركيا وقطر ولا يتعين على احد التقليل من قدر النفوذ الذى يتمتع به مع الفلسطينيين وايضا مع اسرائيل والولايات المتحدة، وبعبارة اخرى فان ارث التصويت بالامم المتحدة لا يكمن فى كيفية استغلال عباس له بقدر ما يكمن فيما تمكنه المنطقة من القيام به.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين افيرز