بقلم – خالد حسني مدبولي
الفترة التي انقضت من حكم الرئيس مرسي – وهي عام كامل – لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل من قبل الحكومة التي قام الرئيس بتعيينها لتولي أمور البلاد في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر ، وبدلاً من تحديد المشاكل الاقتصادية بشكل واضح ووضع بدائل لعلاجها ثم اختيار أنسب وأفضل تلك البدائل لتنفيذها، تم الانشغال بالعديد والعديد من القضايا والمشكلات والمنازعات السياسية والقانونية التي شغلت المجتمع.
تتسم اقتصاديات الدول التي تكون في حالة حرب بعددٍ من السمات والظواهر الناتجة عن الظروف غير الطبيعية أو الاعتيادية التي تمر بها، وتتمثل أهم تلك الظواهر في ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تمس حياة المواطنين «وأهمها السولار والبنزين» بشكل كبير ومتواصل، ونقص كبير في المعروض منها بحيث يصعب توافرها، وهو ما يفتح المجال لرواج السوق السوداء لتلك السلع ويصيب في الوقت ذاته الحياة بالشلل والتوقف التام.
كما تتسم اقتصاديات الحرب أيضاً بحدوث هبوط حاد في قيمة العملة المحلية، وارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة نتيجة استخدام جزء كبير من الموارد في الإنفاق الحربي والعسكري، وحدوث عجز كبير في ميزان المدفوعات نتيجة ارتفاع نسبة الواردات مع انخفاض الإنتاج المحلي ومن ثم هبوط الصادرات. كما يتسم هذا الاقتصاد بتراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلي مستويات لا تكفي أو تغطي الواردات لمدة 3 أشهر.
هذا بالإضافة إلي زيادة درجة المخاطر المحيطة بالدولة مما يجعل هناك صعوبة كبيرة في قيامها بإجراء المعاملات التجارية والمالية مع دول العالم.
أضف إلي ذلك تردي الخدمات العامة المقدمة للمواطنين بحيث يكون هناك تراجع واضح كماً وكيفاً في تلك الخدمات مثل المياه والكهرباء والنقل والخدمات الصحية وغيرها.
ومن أهم ملامح اقتصاد الحرب أيضاً مروره بحالة من الركود (يُعرف بأنه تسجيل معدلات سالبة لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمدة قد تصل إلي سنة، وارتفاع معدلات البطالة وتزايد معدلات التضخم وعدم استقرار أسعار الصرف)، يعقبها حالة من الكساد (يُعرف بأنه استمرار حالة الركود لمدة أكثر من سنة).
ومن ثم، فإذا نظرنا إلي الاقتصاد المصري في الوقت الحالي فسوف نلاحظ بوضوح ومن خلال البيانات والأرقام المعلنة وغير المعلنة أن هذا الاقتصاد يمر بذات الملامح والسمات المتعلقة باقتصاد الحرب… فهل نحن في حالة حرب ؟
للأسف الإجابة نعم، ولكنها حالة حرب داخلية بين مختلف طوائف وجماعات وقوي وفئات المجتمع وليست خارجية بالمفهوم المتعارف عليه، وهذه الحالة هي التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن.
عندما قام الدكتور محمد مرسي بترشيح نفسه لتولي منصب الرئاسة في العام الماضي تقدم ببرنامج انتخابي من المفترض أنه تضمن ما يتعلق بالشق الاقتصادي ووضع رؤية لتنمية وتحسين الاقتصاد القومي خلال الفترة الحالية والفترات القادمة، فهل تحقق أي شيء من هذا البرنامج فيما يتعلق بالاقتصاد؟ وهل تم وضع خطة حقيقية فعلية طموح للنهوض بالاقتصاد المصري خلال السنوات المقبلة؟ وهل تم وضع حلول عاجلة ومبتكرة للمشكلات والأزمات اليومية التي يعانيها المواطن المصري؟.. أظن أن شيئاً من ذلك لم يتحقق.
إن الفترة التي انقضت من حكم الرئيس مرسي – وهي عام كامل – لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل من قبل الحكومة التي قام الرئيس بتعيينها لتولي أمور البلاد في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر، وبدلاً من تحديد المشاكل الاقتصادية بشكل واضح ووضع بدائل لعلاجها ثم اختيار أنسب وأفضل تلك البدائل لتنفيذها، تم الانشغال بالعديد والعديد من القضايا والمشكلات والمنازعات السياسية والقانونية التي شغلت المجتمع.
وبدلاً من أن يتم توحيد الشعب كله نحو هدف قومي ووطني واحد بعد سقوط النظام الحاكم في مصر في 11 فبراير 2011 (مثلما يحدث في حالات الحرب) خاصة أن البلاد كانت خارجة للتو من حالة ثورية رومانسية قلما تتكرر في التاريخ المصري المعاصر، بدلاً من ذلك تم توجيه اهتمام المجتمع في اتجاهات أخري نتج عنها ما نراه اليوم من حالة انقسام حاد واحتقان سياسي وأزمة اقتصادية طاحنة.
إن المسئولية الأولي لتردي الحالة الاقتصادي لتصل إلي هذا الوضع المهترئ تقع بشكل أساسي علي عاتق السلطة الحاكمة ممثلة في الرئيس وحكومته، وبدلاً من البحث دوماً عن شماعات ومبررات للفشل مثل وجود مؤامرات ومخططات لهدم البلاد وتخريبها من قبل الثورة المضادة، كان يجب أن ينصب الاهتمام الأكبر علي تحمل المسئولية المباشرة في تحسين الوضع الاقتصادي القومي والارتقاء بمستويات أدائه، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال زيادة معدلات النمو الاقتصادي خلال فترة زمنية يتم تحديدها وإعلانها لجميع المواطنين، والعمل علي زيادة احتياطيات النقد الأجنبي حتي تسجل مستويات مناسبة، والحفاظ علي قيمة العملة الوطنية في مواجهة الهبوط والتراجع الحاد أمام العملات الأجنبية، والحفاظ علي مستوي المعيشة الملائم للنسبة الأكبر من الشعب من خلال توفير الحد الأدني من الخدمات الأساسية وبالأسعار التي تناسب مستويات الدخول للسواد الأعظم من المصريين.
إلا أننا يجب أن لا نغفل أن مسئولية تردي الوضع الاقتصادي المصري يقع جزء منها أيضاً علي عاتق جانب لا يستهان به من المواطنين المصريين الذين شاركوا بقصد أو بدون قصد في خلق أزمات ومشاكل اقتصادية مستمرة، وهو ما يستلزم من جميع فئات المجتمع ضرورة الحفاظ علي المال العام من الإهدار من خلال تغليب الصالح العام علي المصلحة الشخصية، وعدم اتباع سلوكيات الانتهازية والاستغلال وتحقيق المغانم بغض النظر عن مصلحة الوطن.
ولكن… دعونا نتساءل : ماذا بعد 30 يونيو….؟
من المتوقع حدوث تراجع كبير في الوضع الاقتصادي في مصر خاصة إذا ما تطورت الأحداث بصورة سلبية، حيث من المنتظر تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، وانخفاض قيمة الجنيه، وارتفاع كل من عجز الموازنة العامة وعجز ميزان المدفوعات وقيمة الدين الخارجي، وتراجع الاحتياطيات الأجنبية، ونقص السيولة في السوق المحلي، وتراجع معدلات الادخار والاستثمار، وركود السوق مع تراجع الإنتاج ومعدلات الصناعة، وكذا ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، وهروب نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية خارج البلاد.
بما أننا نشهد اقتصاداً مصرياً أشبه ما يكون بحالات اقتصاد الحرب في ملامحه وسماته ومشاكله، فلنأخذ من اقتصاد الحرب أعظم وأهم ما فيه وهو توحيد المجتمع نحو أهداف قومية كبري، وتوافق والتفاف جميع قواه السياسية وطوائفه الاجتماعية من أجل توجيهها لتحقيق أهداف تنموية اقتصادية طويلة المدي، حتي يمكننا بعد سنوات معدودة أن نري طفرة في معدلات النمو الاقتصادي، تؤدي إلي استعادة الجنيه المصري لعافيته، وتطوير وتحسين مستويات الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، وتحسين مستويات المعيشة من خلال زيادة الأجور الحقيقية التي تكون نتيجة زيادة الإنتاج الحقيقي، وزيادة معدلات الصناعة ومعدلات الادخار والاستثمار، وحتي تكون مصر دولة جاذبة للسياحة والاستثمارات ورأس المال الأجنبي وليست طاردة لها.








