مصرفيون: لابد من حدوث توازن بين الاقتراض الحكومى والإنتاجى لتحقيق النمو
لم يقف البنك المركزى دون أن يحرك ساكنا وهو يشاهد الحكومة تغير دفة السياسة المالية 180 درجة، لتتحول إلى سياسة توسعية صرفة.
واستجاب البنك المركزى سريعاً لمؤشرات الحكومة وقام بتعديل توجهات سياسته النقدية لتستهدف تحريك النمو ربما على حساب التضخم الذى لا يزال يسجل رقما مزدوجا.
وبمجرد رحيل الرئيس السابق محمد مرسى قام البنك المركزى بخفض أسعار الفائدة المحلية ثلاث مرات قبل أن يثبتها مجددا.
وفقدت الفائدة الأساسية 150 نقطة أساس لتسجل %8.25 للايداع و%9.25 للاقراض بالرغم من أن التضخم لا يزال عند مرتفعا لمساندة السياسة التوسعية التى بدأتها الحكومة الحالية المعتمدة على ضخ السيولة فى شرايين الاقتصاد.
وبلغت معدلات التضخم %11.6 فى ديسمبر الماضى على أساس سنوى.
قال اسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى السابق ورئيس مجلس ادارة بنك مصر-ايران، إن البنك المركزى يحدد سياساته بناءً على المؤشرات التى يحصل عليها، والأوضاع الاقتصادية الراهنة الاستثنائية وتتطلب قرارات وسياسات مختلفة للسيطرة عليها، لأن الأقتصاد فى أمس الحاجة لزيادة الإنتاج وهو ما دفع المركزى لتخفيض العائد الذى يعد أحد اهم عوامل تشجيع الاقتراض.
وتراجعت تكلفة الاستدانة الحكومية التى كانت قد سجلت معدلات قياسية بعد الثورة، وفقدت اربع نقاط مئوية نتيجة الدعم الخليجى الذى حصلت عليه مصر بعد رحيل مرسي، وهو ما أعطى الفرصة للبنك المركزى للمضى قدما فى مساندة التوجهات الحكومية.
واستمر العائد على الاذون فى التراجع ليصل إلى أدنى معدلاته لأجل 91 يوماً منذ نحو عام مسجلا %10.3، كما سجلت %11.2 على الأذون لأجل 182 يوماً، وقامت البنوك بالتوسع فى اكتتابات أدوات الدين خلال الستة أشهر الماضية لتتعدى نسب التغطية المرتين فى كثير من العطاءات.
وقفز العجز الكلى للموازنة العامة خلال السنة المالية المنتهية فى يوينو الماضى إلى 243 مليار جنيه يمثل %14 من الناتج المحلى الاجمالى نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة على الدين الحكومى وارتفاع مخصصات دعم الطاقة.
وتقول الحكومة انها تستهدف عجزا بمعدل %10 من الناتج المحلى خلال العام المالى الحالى.
وتوقع حسن أن يشهد الاقتصاد مزيداً من الاستقرار خلال العام الجارى، مشيرا إلى أن قرارات البنك المركزى بتخفيض العائد على الكوريدور بشكل متوالى ستظهر أثارها على الاقتصاد ومعدلات النمو العام الجارى، حيث ان تراجع تكلفة الاقتراض ستحفز المستثمرين على زيادة الطلب على الائتمان.
وطالب محافظ البنك المركزى السابق بضرورة ان تعاود البنوك للتوسع فى الاستثمارات المباشرة من خلال تمويل، والمساهمة فى المشروعات الاستثمارية الانتاجية التى تقلل من حجم الاستيراد وتدعم ميزان المدفوعات، متوقعا أن يكون هناك دوراً فعالاً للجهاز المصرفى وعلى رأسه البنك المركزى فى دعم معدلات النمو خلال 2014.
ومن جانبه، قال رئيس مجلس إدارة أحد البنوك العربية العاملة فى مصر، ان قرار التخفيض سيؤتى ثماره فى حالة حدوث توازن بين الاقتراض الحكومى واقراض القطاع الانتاجى، نظرا لكونه جزء كبير من الاقتراض الحكومى لصالح سد عجز الموازنة، فى حين أن الاقتراض الإنتاجى متجه نحو دعم الاستثمار بشكل أساسى.
وأكد أهمية أن توجه الحكومة اقتراضها لمشروعات سريعة الانتاج كى تساهم فى خفض الأسعار بشكل مباشر وبالتالى يكون المركزى نجح فى تحقيق معادلة مزدوجة الهدفين وهى كبح التضخم ودفع معدلات النمو فى نفس التوقيت.
ويقول محمد أبوباشا محلل الاقتصاد الكلى فى المجموعة المالية هيرميس ان البنك المركزى مستعد للتغاضى عن معدلات التضخم فى الوقت الحالى لصالح الاهتمام بالنمو.
وأشار ياسر يسرى مسئول خزانة بأحد البنوك الأجنبية إلى أن معدلات التضخم الراهنة رغم ارتفاعاتها، لكنها لم تصل لمستويات قياسية كما كان من قبل، مشيرا إلى أن المركزى يحدد أولوياته فى ضوء ما يتطلبه الاقتصاد، لذا فأن تغييره لسياساته النقدية يأتى لتلبية احتياجات اقتصادية أهمها دعم مستويات الانتاجية التى تراجعت بشكل ملحوظ، متوقعاً أن يستمر البنك المركزى فى دعم النمو من خلال تثبيت أسعار العائد على الكوريدور عند معدلات متدنية.
أضاف أن دفع النمو سيقلل من متطلبات النقد الأجنبى التى يتم الاعتماد عليها فى تلبية احتياجات الدولة من السلع المستوردة والأساسية، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار الراهن ناتج عن تراجع معدلات الإنتاج وليس ارتفاع معدلات السيولة كما كان من قبل.
ويرى يسرى أن المرونة التى بدت فى تعاملات وقرارات البنك المركزى الأخيرة سواء من حيث إدارة ملف السيولة أو أسعار العائد ساهمت فى إنقاذ العديد من الملفات الاقتصادية وأثبتت جدواها، متوقعا أن يكون تغيير البنك المركزى لسياساته المعهودة بناءً على رؤية مستقبلية
لدى قياداته.