
الحكم المسيس والقطاع الخاص المتقلص يقوضان القدرة التنافسية
يشتهر النموذج الاقتصادي لألمانيا ، بعلاقات وثيقة بين أرباب العمل والنقابات، والميتلشتاند- أي الشركات المصنعة الرائدة عالميًا في البلاد- والنظام السياسي الفيدرالي الذي يعزز انتشار الرخاء.
وثمة عنصر آخر ليس مشهورًا بنفس القدر لكنه لا يقل أهمية، وهو بنوك البلاد التي يركز كثير منها على المنطقة، وتقدم تمويلاً منخفض التكلفة وطويل الأجل للشركات الصغيرة إلى المتوسطة.
لسوء الحظ، لم يعد هذا النموذج يحقق النتائج المرجوة، لذا يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون النمو الاقتصادي الألماني هو الأدنى بين أعضاء مجموعة السبع خلال العام الحالي.
كما تواجه بنوك البلاد صعوبات أيضًا، إذ تقدر الهيئة المصرفية الأوروبية أن متوسط العائد على حقوق المساهمين، وهو مقياس للربحية، بلغ 6.5% خلال الربع الأول من 2023، مقارنة بـ10.4% في الاتحاد الأوروبي.
وفي 2020، قدمت البنوك في 8 دول بالاتحاد الأوروبي ، عوائد أقل من البنوك المقرضة الألمانية، لكن بنوك لوكسمبورج لم تفعل ذلك إلا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
وهذا الأداء الضعيف يعكس جزئيًا مراوغات السوق الألمانية، كما تحرص البنوك في البلاد على نحو غير عادي على تقديم قروض ذات فائدة ثابتة، مما قيد قدرتها على الاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة.
نما صافي هامش الفائدة- ما يحصل عليه البنك من القروض مطروحًا منه ما يدفعه للتمويل- بنسبة 0.1 نقطة مئوية فقط منذ يونيو 2020، أي نصف المتوسط في الاتحاد الأوروبي، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
ومع ذلك، هناك أيضًا قضايا أعمق، فالمقرضين الألمان منظمون على نحو غير عادي، وينقسمون إلى ثلاث فئات، ألا وهي مقرضي القطاع الخاص، والبنوك العامة، والبنوك الإقليمية.
تعتبر البنوك غير الخاصة، التي تملك 57% من أصول القطاع المصرفي، مؤسسات محافظة لها أهداف بجانب الأرباح، مثل دعم الشركات المحلية، وتحتوي العديد من البنوك العامة على ساسة يلعبون دور الرؤساء أو أعضاء في مجالس الإدارة.
هذا النظام المتسم بالتوجه السياسي يجلب إدارة سيئة للمخاطر، كما يقول نيكولاس فيرون من مؤسسة بروجيل الفكرية، فعلى سبيل المثال، تتعرض كثير من هذه البنوك للعقارات بشكل كبير، مما يجعلها عرضة للانخفاضات الأخيرة في الأسعار.
تعمل البنوك العامة والتعاونيات أيضاً على أساس مبدأ “المنطقة إقليمية” الذي يمنعهم من البحث عن أعمال في أراضي بعضها البعض، لكنها تشكل بدلاً من ذلك شبكات، حيث تمتلك أكبرها أصولاً أكثر من أي بنك أوروبي منفرد، مما يتيح لها تقاسم التكاليف وخفض حجم رأس المال المطلوب منها لتمويل نفسها.
ونتيجة لذلك، تقلصت هوامش ربح بنوك القطاع الخاص، مما يصعب عليها المنافسة مع المؤسسات الأخرى.
النظام الألماني المالي غير العادي يناسب تمامًا دعم الشركات الإقليمية، لكنه أقل ملائمة لدعم الأعمال الأكثر خطورة، مثل الشركات الناشئة اللازمة للتحول الأخضر أو الرقمنة، والتي تتطلب تمويل من أسواق رأس المال بجانب أشكال التمويل الأكثر تقليدية.
ورغم أن الساسة وصُناع السياسات الألمان، منخرطون في النقاش حول مستقبل الاقتصاد الألماني، إلا أن النقاش حول مؤسساتها المالية لم يبرز بعد، ولعل بنوك البلاد أصبحت ببساطة كياناً لا يمكن التشكيك فيه.