تعويضات الحرب يدفعها المهزوم للمنتصر.. وهذا الوضع لا ينتهي برفع العلم الأوكراني فوق الكرملين
من الناحية الاقتصادية، عادةً ما يكون للأصل قيمة لأن المالك قد يستمد منه فوائد مستقبلية، إذ تتطلب بعض الأصول، مثل العملات المشفرة، إيمانًا جماعيًا بهذه الفوائد، البعض الآخر سيوفر بلا شك متعة مستقبلية.
ولا تزال ثمة أمور أخرى، مثل سندات الخزانة الأمريكية، التي تمثل حق ملكية على حكومة أقوى اقتصاد في العالم، مدعومة بنظام قانوني قوي.
ومع ذلك، للحصول على هذه الفوائد، يجب أن يكون المالك قادرًا على الوصول إلى أصوله، وهنا حيث يعاني البنك المركزي الروسي، الذي يحتفظ بأصوله في الخارج مثل أي بنك مركزي آخر.
وبعد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا عام 2022، جمدت مجموعة السبع هذه الأصول ومنعت الشركات المالية من نقلها.
ومن بين الأصول الروسية البالغة 282 مليار دولار المجمدة في اليابان والغرب، هناك نحو 207 مليارات دولار “أي 191 مليار يورو” محفوظة لدى شركة “يوروكلير”.
وعندما يحين موعد استحقاق دفعات القسيمة على الأصول الروسية أو استرداد السندات، تضع “يوروكلير” الأموال النقدية في حساب مصرفي، وهذا الحساب يضم الآن ما يقرب من 132 مليار يورو.
وخلال العام الماضي، حصلت على عائد قدره 4.4 مليار يورو، وهو عائد مناسب لشركة “يوروكلير” وفقًا لشروطها وأحكامها.
ويدرس صناع السياسات الغربيون الآن ما إذا كان ممكنا استخدام هذه الأصول لمساعدة أوكرانيا.
وربما تضطر روسيا ذات يوم إلى تعويض البلاد عن أضرار الحرب، التي يقدرها البنك الدولي بأكثر من 480 مليار دولار.
وتحتاج أوكرانيا إلى مزيد من المال والأسلحة للتصدي للتقدم الروسي، فضلاً عن الحفاظ على دولتها واقتصادها.
وفي الوقت نفسه، تكافح الحكومات الغربية على نحو متزايد لإيجاد مساحة في ميزانياتها لدعم المجهود الحربي، والحصول على موافقة الهيئات التشريعية على مثل هذا الإنفاق.
وفي 26 من فبراير، أكد دميترو كوليبا، وزير خارجية أوكرانيا، مجدداً ضرورة مصادرة الأصول الروسية.
وبعد يوم واحد، دعت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، زملاءها إلى “كشف قيمة” تلك الأموال.
كما تريد أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، استخدام مكاسب “يوروكلير” غير المتوقعة لشراء معدات عسكرية لأوكرانيا.
كيف يمكن فعل ذلك بالضبط؟
عادةً ما يتطلب أخذ الأصول من شخص ما أمراً من المحكمة، لكن في القانون الدولي تكون الأمور أكثر تعقيدًا بعض الشيء، ولن يكون بوسع محكمة العدل الدولية البت في هذه المسألة إلا إذا وافقت أوكرانيا وروسيا على السماح لها بذلك، وهو أمر غير مرجح في الوقت الحاضر.
ويتمتع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالقدرة على إصدار قرارات ملزمة، والتي تمتلك روسيا للأسف حق النقض عليها.
ويريد البعض، مثل وزير الخزانة الأمريكي الأسبق لورانس سامرز، الاستفادة من حق الدول في اتخاذ ما يسمى بالتدابير المضادة، وهذه الأفعال تعتبر غير قانونية، ويُسمح بها أحيانًا ردًا على أفعال غير قانونية، ولا شك أن أوكرانيا لها الحق في نشر تدابير مضادة.
وتندرج العقوبات وتجميد الأصول ضمن هذه الفئة، وقد تم استخدامها على نطاق واسع ضد روسيا، ولا ينطبق هذا على مصادرة الأصول، على الأقل في معظم تفسيرات القانون الدولي، وذلك لأنها لا رجعة فيها، وستسعى إلى معاقبة روسيا، بدلاً من إحداث تغيير في سلوكها.
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن أوكرانيا لديها مطالب قوية ضد روسيا، لكنها لا تستطيع استخدام أي أصول روسية مجمدة لتسويتها، فالغرب ليس لديه مطالب لكنه لديه الكثير من الأصول، وبالتالي فإن التحدي يكمن في إيجاد طريقة لمطابقة هذه الأصول مع المطالب.
وفي بحث حديث، يقترح لي بوشيت، خبير في القانون الدولي، وزملاءه مثل هذه الطريقة، فهم يزعمون أن الغرب من الممكن أن يقدم قرضاً لأوكرانيا، وفي مقابل ذلك تستطيع أوكرانيا أن تعرض مطالباتها على روسيا كضمان، وسيوافق الغرب على استخدام هذه الضمانات فقط لسداد القرض.
وعندما ترفض روسيا حتماً السداد، فإن الغرب سيكون قادراً حينها على استخدام إجراءات حبس الرهن على الضمانات.
هل سينجح هذا الأمر؟
تتمثل إحدى الصعوبات في أن الهيئة الدولية لا يزال يتعين عليها تحديد حجم المبالغ المستحقة لأوكرانيا، وربما تستطيع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تستعين بالبنك الدولي لتحليل الأرقام، لكن هذا يتطلب دبلوماسية حذرة نيابة عن الغرب، فضلاً عن دعم فرنسا وألمانيا، اللتان لم تعجبهما حتى الآن الاقتراحات التي تنطوي على تفسيرات إبداعية للقانون الدولي.
يقول بوشيت إن التحول في النهج ليس كبيرًا تمامًا كما قد يبدو في البداية، وذهب الغرب بالفعل إلى اتخاذ خطوات كبيرة من خلال تجميد الأصول والتوضيح أنه لن يعيدها ما لم يتم دفع التعويضات.
ويشير إلى أن “روسيا لن تدفع تعويضات، فتعويضات الحرب يدفعها المهزوم للمنتصر، وهذا الوضع لا ينتهي برفع العلم الأوكراني فوق الكرملين”.
أما الصعوبة الثانية فتطرحها بلجيكا، التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى معظم الأصول الروسية المجمدة، وبالتالي ستحتاج إلى تلقي معظم المطالبات ضد روسيا من أوكرانيا، وربما تكون مترددة في لعب مثل هذا الدور المحوري، نظرًا لاحتمال الانتقام.
وليس من العدل أيضاً أن نتوقع من دولة بهذا الحجم أن تكون المزود الرئيسي للقرض الأولي لأوكرانيا.
ومن أجل التغلب على هذه الصعوبة، يقترح بوشيت تقديم القرض الأولي لأوكرانيا بطريقة مشتركة مع شرط المشاركة، وهو ما من شأنه أن يمكن البلدان المقرضة من التجمع معاً عند تقديم الأموال وتلقي الضمانات.
مثل هذا النهج شُيد لتمويل حكومات الأسواق الناشئة في السبعينيات والثمانينيات قبل أن تتولى أسواق تمويل السندات المسؤولية.
وكما هي الحال الآن، كانت هناك حاجة إلى آلية لتقاسم المخاطر والحصول على الضمانات.
لكن ربما لا تكون هناك حاجة للاستيلاء على الأصول الروسية على أية حال، والواقع أن الاتحاد الأوروبي يخطط بالفعل لتطبيق ضريبة غير متوقعة على أي أرباح تتراكم.
وإذا استمر استنزاف العوائد إلى أجل غير مسمى، فإن الفارق بين مصادرة الأصول ومصادرة الدخل يصبح أصغر فأصغر.
ومن الناحية الاقتصادية، أصبح الغرب بالفعل مالكاً للأصول الروسية، وكل ما تبقى الآن هو تمويل الحرب في أوكرانيا.