يشهد سوق السيارات المصري، توسعا متزايدًا للعلامات الصينية، التي فرضت نفسها بقوة بفضل أسعارها التنافسية ومواصفاتها المتطورة.
وخلال العام الحالي 2025 لم تعد الهيمنة الصينية على السوق المحلي مجرد احتمال، بل واقع تؤكده الأرقام، إذ حققت مبيعات العلامات الصينية نموا بنسبة 130% خلال النصف الأول، متفوقة على علامات تجارية عريقة.
فمع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار السيارات الأوروبية واليابانية، أصبحت السيارات الصينية خيارًا أساسيًا لشريحة واسعة من المستهلكين الباحثين عن معادلة السعر والجودة. ولم تعد جملة “صنع في الصين” تقابل بالتشكيك، بل باتت مرادفًا للجودة المقبولة والسعر المناسب والتكنولوجيا المتطورة.
ورغم التحديات التي تواجهها العلامات الصينية فيما يتعلق بخدمة ما بعد البيع وقطع الغيار، إلا أن الانتشار السريع لها في السوق، والتوسع في الموديلات والتوكيلات، يعكس تحولًا في نظرة المستهلك تجاه الصناعة الصينية.
فى ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة التى تشهدها مصر، ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطن، ظهرت «السيارات الصينية» كأحد أبرز الحلول الواقعية لمشكلات السوق المحلى؛ إذ لم تعد السيارات الكورية واليابانية وحدهما صاحبتى الثقة والأفضلية كما فى السابق، بل تراجعتا نسبياً أمام المد الصينى الذى اجتاح الشوارع المصرية بأسعار تنافسية ومواصفات حديثة.
اقرأ أيضا: «نيسان» تتصدر مبيعات السيارات الملاكي خلال أول 7 أشهر من 2025
ويرى خبراء بالقطاع، تحدثوا لـ«البورصة»، أن هذا الصعود يعكس تقديم الوكلاء أسعاراً تنافسية، وتكنولوجيا حديثة، وتوافر طرازات صينية متنوعة، ما جعلها الخيار الأول لشريحة واسعة من المستهلكين داخل السوق المصرى.
قال خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعى السيارات، رئيس مجلس إدارة شركة «جنباى رويال» فى مصر، إنَّ السوق المصرى أصبح فى الآونة الأخيرة واحداً من الوجهات الإستراتيجية للاستثمارات الصينية فى المنطقة، خاصة فى ظل ما تتمتع به مصر من موقع جغرافى متميز وبنية تحتية متطورة، وإرادة سياسية داعمة لجذب الاستثمار الأجنبى.
أشار «سعد»، إلى أن الشركات الصينية أظهرت التزاماً طويل المدى بالسوق المصرى، سواء من حيث حجم الاستثمارات أو نوعيه السيارات المقدمة؛ حيث تعمل عدة شركات صينية كبرى على توطين الصناعة داخل مصر من خلال إنشاء خطوط إنتاج ومصانع محلية، وهو ما يسهم فى تقليل الاعتماد على الواردات، وزيادة نسب المكوّن المحلى، وتوفير آلاف فرص العمل للشباب المصرى.
وأوضح أنه خلال الفترة المقبلة نتطلع إلى توسيع آفاق التعاون مع الجانب الصينى، لا سيما فى مجالات التصنيع المتقدم والذكاء الاصطناعى، وصناعات البطاريات الكهربائية، بما يدعم خطة الدولة نحو التنمية المستدامة والتحول إلى مركز صناعى ولوجستى إقليمى.
أضاف «سعد»، أن الرابطة واتحاد الغرف التجارية يعقدان لقاءات يومية مع ممثلى شركات السيارات الصينية، لاستقطابهم نحو الاستثمار فى السوق المصرى، عبر إنشاء مصانع وخطوط إنتاج محلية للسيارات، فى محاولة لتفادى تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية.
«على»: نجاح أى علامة تجارية مرهون بقدرة الوكيل على دعم العملاء والصيانة
قال أحمد على، مدير عام علامة «بايك» بالشركة المصرية العالمية للسيارات EIM، إنَّ الانتشار المتزايد للسيارات الصينية فى السوق المصرى لم يأتِ من فراغ؛ بل نتيجة مزيج متكامل من عوامل النجاح، على رأسها التطور الكبير فى التكنولوجيا المستخدمة، وأنظمة الضمان المتميزة التى تقدمها الشركات الصينية، إلى جانب قوة وانتشار شبكة الوكلاء المحليين الكبار فى السوق المصرى.
وأشار إلى أن نجاح أى علامة تجارية لا يعتمد فقط على المنتج؛ بل يرتكز بشكل أساسى على مدى قدرة الوكيل على دعم العملاء وتوفير تجربة امتلاك متكاملة مع ضمانات المدة وخدمات ما بعد البيع والصيانة.
أوضح مدير علامة «بايك»، أن السيارات الصينية لم تعد مجرد خيار اقتصادى؛ بل أصبحت تقدم تقنيات متقدمة تشمل أنظمة قيادة ذكية، وفى إطار التحول العالمى نحو السيارات الكهربائية، أثبتت العلامات الصينية ريادتها، وطرحت طرازات كهربائية وهجينة بتقنيات بطاريات حديثة.
أضاف «على»، أن التكنولوجيا وحدها لا تكفى لضمان النجاح، لأن القوة الحقيقية تكمن فى وجود وكيل يمتلك شبكة متكاملة من مراكز الخدمة، وضمانات قوية، وفريق دعم فنى مدرّب وقادر على تقديم خدمة ما بعد البيع بجودة عالية.
ولفت إلى أن الشركة تستعد لطرح طرازات جديدة من علامة «بايك» الصينية خلال الربع الأخير من العام الحالى 2025، أو بداية الربع الأول من العام المقبل كأقصى تقدير.
«زيتون»: المستهلك يفضل سيارات تتماشى مع قدرته الشرائية
وأكد منتصر زيتون، عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن السيارات الصينية حققت تقدماً ملحوظاً فى السوق المصرى، بفضل قدرتها على تلبية احتياجات المستهلك المحلى من حيث السعر والتجهيزات.
وأشار إلى أن الشركات الصينية استطاعت أن تقدم سيارات بتكلفة مناسبة تتماشى مع القوة الشرائية للمستهلكين فى مصر، وهو ما ساعد فى تسريع وتيرة انتشارها.
كما لعب تنوع الطرازات والتجهيزات والكماليات المتاحة دوراً رئيسياً فى كسب ثقة شريحة واسعة من العملاء.
وتابع: «خلال فترة زمنية قصيرة، أصبحت العلامات الصينية من أبرز اللاعبين فى السوق المصرى، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، من بينها الأسعار التنافسية، والتوسع الكبير فى خطوط الإنتاج المحلى، فضلاً عن الاستثمارات المستمرة فى مشروعات التجميع داخل مصر. وهذه العوامل ساعدت فى ترسيخ مكانة السيارات الصينية كجزء أساسى من المشهد العام لصناعة السيارات فى البلاد».
أضاف أن العديد من العلامات الصينية لم تكتفِ بتقديم طرازات اقتصادية فقط؛ بل بدأت فى طرح سيارات مزوّدة بتكنولوجيا حديثة تنافس العلامات العالمية، سواء على مستوى أنظمة الأمان أو أنظمة الترفيه والاتصال.
أكد «زيتون»، أن الحضور القوى للسيارات الصينية فى السوق المحلى أسهم فى تحفيز المنافسة بين جميع العلامات التجارية، ما دفع كثيراً من الوكلاء لتحسين خدمات ما بعد البيع، وتقديم عروض تمويل وضمان أكثر مرونة، مما يصب فى مصلحة المستهلك المصرى.
«مصطفى»: النجاح الصينى ليس وليد الصدفة.. بل نتيجة مباشرة لتطوير المنتج
وقال محمد مصطفى، رئيس مجلس إدارة شركة «إكستريم أوتو»، المتخصصة فى بيع واستيراد عدد من العلامات التجارية المتنوعة، إن السيارات الصينية ستواصل الحفاظ على صدارتها فى السوق المصرى خلال الفترة المقبلة، مع توقعات بزيادة فى حجم المبيعات تتراوح بين 10% و30% مقارنة بالعام الماضى.
وأوضح أن السيارات الصينية أصبحت اليوم عنصراً أساسياً فى منظومة مبيعات السيارات بمصر، مرجعاً ذلك إلى ثقة المستهلك المصرى المتزايدة فى هذه الفئة، لا سيما مع ما تقدمه الشركات المصنعة من فترات ضمان ممتدة تصل إلى خمس سنوات أو أكثر، وهو ما يعكس جودة المنتج واستعداد الشركات لتحمّل مسئولية ما بعد البيع.
وأضاف «مصطفى»، أن النجاح الذى حققته العلامات الصينية لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لتطوير المنتج، وتحسين مواصفاته التقنية والفنية، وتقديم سيارات بأسعار مناسبة دون التنازل عن عوامل الرفاهية أو معايير الجودة.
وأشار إلى أن استمرار هذه الريادة مرهون بالحفاظ على نفس النهج التصنيعى والخدمى، وبدعم من الوكلاء المحليين القادرين على توفير مراكز خدمة متطورة وضمانات حقيقية تعزز من قيمة العلامة فى ذهن المستهلك.
كما توقع أن يشهد السوق مزيداً من التوسع فى إنتاج السيارات محليًا، لا سيما فى ظل توجه الدولة لدعم التصنيع المحلى وزيادة الاعتماد على المنتج الوطنى.








