دعا مركز حلول للسياسات البديلة، الحكومة إلى تبنى تقنيات رى ذكية تعمل بالمجسَّات، كالرى بالتنقيط والرش، ما قد يوفِّر نحو 21.7 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.
وفى دراسة موجزة حصلت «البورصة» على نسخة منها، طالب المركز بإعادة ضبط إستراتيجيات الزراعة، للابتعاد عن أهداف الاكتفاء الذاتى غير المستدامة، والتوجه نحو الاستفادة من كل قطرة ماء، عبر البدء من قطاع الزراعة؛ لأنه الأكثر استنزافاً للمياه.
ويستهلك قطاع الزراعة المصرى نحو 76% من الموارد المائية فى البلاد؛ إذ تعتمد 74.7% من الأراضى الزراعية على أنظمة تقليدية، مثل الرى بالغمر، الذى يهدر نحو نصف المياه المستخدمة.
ودعت الدراسة إلى ضرورة التوسع فى معالجة مياه الصرف الصحى فى المناطق الريفية، والتخلى عن الإدارة المركزية، لتخفيف الضغط عن مواردها المائية المجهدة، عن طريق الوحدات البيولوجية المدمجة (BCUs)، وهى أنظمة لمعالجة مياه الصرف فى موقعها.
وذكر مركز حلول للسياسات البديلة، أن الوحدات البيولوجية المدمجة قادرة على إنتاج نحو 60 متر مكعب من المياه المعالَجة يومياً بتكلفة تتراوح بين 0.34 و0.46 دولار للمتر المكعب، بينما تقارب تكلفة تلك الوحدات تكلفة محطات المعالجة المركزية التقليدية، لكنها لا تحتاج إلى استثمارات بنية تحتية ضخمة.
تحسين البنية التحتية
أشارت الدراسة إلى أهمية رفع الكفاءة والحد من الكم الهائل من فقد المياه، عبر تحديث البنية التحتية المتهالكة، لافتة إلى أن عام 2022 وحده شهد فقد نحو 25.7% من مياه الشرب بسبب التسريب وسوء الإدارة.
واقترحت الدراسة لمعالجة الهدر تعميم استخدام العدَّادات الذكية، وأجهزة استشعار التسرب، وتقنيات التحكم فى الضغط عبر الشبكات المحلية، مع تعزيز ذلك ببرامج للتوعية المجتمعية.
واستشهد المركز فى دراسته بالنجاح الذى حققه المشروع التجريبى الذى نفذه جهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحى وحماية المستهلك، فى خفض استهلاك المياه النظيفة لأكثر من 50% فى المبانى العامة، عبر استخدام الحنفيات (الصنابير) الذكية، كنتائج يمكن تعميمها على مستوى البلاد.
اقرأ أيضا: الحكومة تتوسع فى الرى الحديث للتوافق مع “الصفقات الأوروبية الخضراء”
وللتخفيف من حدة الإجهاد المائى، أوضحت الدراسة أن مصر أمامها سبل التوسع فى استخراج المياه الجوفية على امتداد وادى النيل، إذ بلغت كميات الاستخراج خلال 2023 ـ 2024 من الأنظمة القائمة نحو 9.09 مليار متر مكعب، لكن تلك الكمية، حسب الدراسة، لا تكفى لسد الفجوة بين الاحتياجات من الماء والموارد المتاحة حالياً.
وأشارت إلى أن الخزانات الجيرية المتشققة المحيطة بوادى النيل تعد مصدراً واعداً للمياه الصالحة للشرب؛ إذ إنها لا تتطلب عمليات ضخ كبيرة.. فالمياه فى تلك المناطق مرتفعة بطبيعتها قرب سطح النهر، ما يقلل من تكلفة الاستخراج.
خطط طوارئ
قال الدكتور حسين جويلى، الباحث بكلية الدراسات الأفريقية العليا، إن تعزيز آليات الرصد الفنى للسد الإثيوبى وتحديث البيانات المرتبطة بعملية الملء والتشغيل، بدا أمراً لازماً، لضمان توفير معلومات دقيقة فى الوقت المناسب عن تأثير السد على تدفق المياه إلى الأراضى المصرية، ما يُسهم فى اتخاذ قرارات استباقية لحماية الأمن القومى المائى.
وأضاف لـ«البورصة» أن دعم مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة أصبح أمراً مهماً، لتقديم توصيات علمية قائمة على البيانات حول تأثيرات السد وسبل التعامل معها بالبلاد، مع ضرورة وضع خطط طوارئ للتعامل مع أسوأ السيناريوهات الناتجة عن تشغيل السد الإثيوبى، بما فى ذلك تأثيراته المحتملة على الزراعة والطاقة وإمدادات المياه، مشيراً إلى وجوب اشتمال الخطط على سيناريوهات متعددة لضمان استدامة الموارد الحيوية.
وتوقع أن تدفع أزمة السد الإثيوبى، أطراف النزاع نحو تعاون إقليمى، من خلال اتفاقيات دائمة تنظم كيفية استخدام مياه النيل بطريقة تراعى حقوق جميع الدول، عبر تطوير برامج مشتركة لإدارة المياه والاستثمار فى البنية التحتية المائية، ما يسهم فى تحقيق الأمن المائى والتنمية المستدامة.
محطة مفصلية
أكد مركز حلول للسياسات البديلة، أن مصر تعتمد بنسبة كبيرة على نهر النيل الذى يوفِّر أكثر من 93% من مواردها من المياه العذبة، بينما زعمت الدراسة أن البلاد لن تواجه الآثار السلبية للسد الذى اكتمل ملؤه مباشرة، حتى تصل تلك الآثار إلى منتهاها بعد 35 عاماً، ثم تستمر نحو 17 عاماً أخرى.
وأشارت الدراسة إلى أن الآثار السلبية المتأخرة ترجع إلى الفقد طويل الأمد من المياه، بسبب البخر والتسرب فى خزان السد خلال فترات جفاف النيل الأزرق، أحد أهم روافد النيل، ما يؤدى إلى انخفاض منسوب المياه وتراجع التدفقات.
وذكرت الدراسة أن أزمة شحِّ المياه فى مصر ليست وليدة السدِّ الإثيوبي، بل إنها نتيجة مسار طويل شهد خلاله نصيب الفرد من المياه تراجعاً متواصلاً على مدى عقود، بينما تُشكِّل المياه المعاد تدويرها نحو 40% من مصادر المياه فى دول أخرى تعانى ندرة المياه منها سنغافورة، بينما لا تتجاوز 26.9% فى مصر.
خط الفقر المائى
قال الدكتور نصر حربى، عضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة دمنهور، إن خطورة السد الإثيوبى على الأمن المائى المصرى هى خطورة إنسانية، تضر بمصلحة المواطن؛ إذ إن حصة الفرد فى مصر أو السودان تحت خط الفقر المائى، عند 600 – 700 متر مكعب، لا سيما أن خط الفقر العالمى للمياه أقل من ألف متر مكعب.
وأوصى بضرورة استغلال الموارد المائية المشتركة، عبر تعاون الدول المتشاركة فى الموارد المائية وحصر إمكانياتها وإبرام اتفاقات للعمل المشترك، مع أهمية اتخاذ الحكومة الإجراءات اللازمة والضرورية لتوعية المستهلك بأهمية المياه وكيفية تأمينها والكلفة المالية لها.
إستراتيجية مائية استباقية
أوصت الدراسة، الدولة بالتعامل مع التداعيات طويلة الأمد للسد الإثيوبى عبر رؤية شاملة تتضمن تحديث البنية التحتية المائية، وتوسيع استخدام أنظمة رى عالية الكفاءة، إلى جانب تبنى حلول لا مركزية لإعادة استخدام المياه. ولضمان نجاح التخطيط الإستراتيجى، لا بد من الاستناد إلى قاعدة بيانات موحدة تصدر عن وزارتى الزراعة والموارد المائية معاً، بما يضمن تنسيق الجهود وتكاملها، لفتح الطريق أمام بناء مستقبل مائى آمن لمصر، حسب الدراسة.
نهر الكونغو
دعت الدكتورة هالة الهلالى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السادس من أكتوبر، إلى إحياء مشروعات مشتركة لتنمية حوض النيل، مثل تنفيذ مشروع نهر الكونغو الذى طرح فى فترة حكم الرئيس السادات، والذى يقوم على ربط نهر الكونغو بالنيل، للتحكم فى الموارد المائية بالبلدان المستفيدة (مصر والسودان وجنوب السودان والكونغو) عبر استغلال جزء من فواقد نهر الكونغو، التى تصل إلى ألف مليار متر مكعب سنوياً تلقى فى المحيط الأطلسى، من خلال إنشاء قناة حاملة بطول 600 كيلو متر لنقل المياه إلى حوض نهر النيل عبر جنوب السودان إلى شمالها، ومنها إلى بحيرة ناصر.
وأضافت لـ«البورصة»، أن الوصول مع إثيوبيا إلى اتفاق يراعى منسوب التخزين المناسب لفترات الجفاف التى يمكن أن تتعرض لها دول المصب، قد يكون فرصة لجعل السد الإثيوبى ذا فائدة لكل الدول، حال وضع خطة إدارة إقليمية تعاونية مستدامة لإدارته بالتنسيق مع دول المصب، لتوفير الطاقة التى تحتاجها إثيوبيا دون التأثير على دول المصب.
وأوصت «الهلالى»، بضرورة غرس ثقافة الترشيد والمحافظة على المياه، وتشجيع الحكومة زراعة المحاصيل التى لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه أوغير الشرهة، مع تحلية مياه البحر، وكذلك تنقية مياه الصرف الصحى والصرف الزراعى، أو ما يعرف بالبزل الصناعى، وكذلك الاستمطار عبر الاستفادة من حالات التغيم فى زيادة الهطل المطرى باستخدام المواد والأدوات المناسبة، مثل نترات الفضة.
الطاقة والمياه
قال الدكتور محمود زكريا، أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا، إن المستقبل قد يشهد توجهاً نحو اعتماد التكنولوجيا المتقدمة فى إدارة وتنظيم الموارد المائية، ما يساعد دول حوض النيل على تحسين استخدام المياه وتقليل الهدر، عبر مراقبة تدفقات المياه والتنبؤ بالتغيرات المناخية واستخدام أنظمة الإنذار المبكر لتجنب مخاطر الفيضانات أو الجفاف.
ولفت إلى أهمية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، مثل أنظمة الإنذار المبكر وإدارة المياه الرقمية، لتحسين عملية إدارة الموارد المائية المشتركة، موصياً بتأسيس منصة تقنية مشتركة تتيح تبادل المعلومات حول مستويات المياه وتدفقات النيل فى الوقت الفعلي، ما يسهل على دول حوض النيل اتخاذ قرارات مناسبة مبنية على بيانات دقيقة.








