لكن في المقابل، تبرز تحديات هيكلية تتعلق بضعف البنية التمويلية وتأخر إصدار التراخيص، فضلًا عن تعديات التنقيب العشوائي، إضافة إلى الحاجة لدمج الثروة المعدنية ضمن سياسات التصنيع والطاقة لتحقيق عائد اقتصادي مستدام.
ويرى الخبراء، أن بناء قاعدة صناعية تعدينية متكاملة يمثل الطريق الأمثل لتقليل فجوة الاستيراد، فبدلًا من تصدير الخامات في صورتها الأولية بأسعار منخفضة، يمكن تحويلها إلى منتجات صناعية متقدمة ذات قيمة مضافة عالية، وهو ما يتطلب تحديث التشريعات التمويلية وربط سياسات التعدين بالصناعة والطاقة.
وفي ظل توجه أنظار المستثمرين إلى مصر كسوق واعدة لقطاعي التعدين والطاقة، يبقى نجاح التجربة مرهونًا بقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين الاستغلال الاقتصادي المستدام للموارد الطبيعية وحماية البيئة المحلية، مع فتح الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في تحقيق “نهضة معدنية جديدة” تحجز للبلاد مقعدًا مستحقًا على خريطة التعدين العالمية.
رحلة إلى باطن الأرض
ووفقًا لمسح نفذه معدو التحقيق، حيث شمل أرشيف الأخبار والبيانات الرسمية والخرائط الجيولوجية الصادرة عن وزارة البترول والثروة المعدنية وهيئة الثروة المعدنية.
ووفق نتائج المسح، تتوزع المعادن الفلزية والصخور والأحجار الكريمة النادرة على امتداد أقاليم الجمهورية، حيث تتصدر المعادن الفلزية القائمة ب3 أحزمة رئيسية.
ويتواجد الحديد في أكثر من 15 موقعًا شرق أسوان ضمن تكوينات الحجر الرملي النوبي، كما تعد الواحات البحرية مركزًا رئيسيًا للإنتاج في مناطق الجديدة والحارة وناصر وجبل غرابي.
وفي الصحراء الشرقية يظهر الحديد في القطاع الأوسط جنوب القصير، خاصة بمناطق جبل الحديد ووادي كريم والدباح وأم نار وأم غميس.
أما الذهب فيتركز في الصحراء الشرقية بأكثر من تسعين منجمًا قديمًا، أبرزها عتود والسكري والبرامية وأم الروس وعطالله، في حين ينتشر المنجنيز في جنوب سيناء بمناطق أم بجمة، التي تعد الأكبر والأهم، إلى جانب أبوزنيمة، بالإضافة إلى منطقة حلايب بجنوب شرق الصحراء الشرقية.
وكشف المسح أيضًا عن تواجد التيتانيوم (الإلمنيت) في الصحراء الشرقية بمنطقتي أبوغلقة وأبوظهر، كما ينتشر ضمن الرمال السوداء الممتدة على طول ساحل شمال الدلتا بين رشيد والعريش، ويتشارك القصدير والتنجستن في الانتشار داخل الصحراء الشرقية بمناطق نويبع والعجلة وأبودباب والمويلحة وزرقة النعام.
أما النحاس (الملاكيت) فيظهر في شبه جزيرة سيناء بمناطق سرابيط الخادم وفيران وسمرة، كما يتواجد في الصحراء الشرقية في أبوسويل ووادي حيمور وعكارم، وغالبًا ما يرتبط بخامات النيكل. في حين ينتشر الكروم (الكروميت) في مناطق البرامية وجبل دنقاش وأبوظهر وأبومروة بالصحراء الشرقية.
وتشير بيانات المسح إلى أن الصخور والمعادن الصناعية المستخدمة في الصناعات الكيماوية والإنشائية تتوزع على نطاق واسع، حيث يتركز الفوسفات في ثلاثة محاور رئيسية: الأول في وادي النيل بين إدفو وقنا بمنطقتي المحاميد والسباعية، والثاني على ساحل البحر الأحمر بين سفاجا والقصير في مناطق جبل ضوي والعطشان والحمراوين، أما الثالث فيمتد داخل الصحراء الغربية بهضبة أبوطرطور.
ويتركز التلك في جنوب الصحراء الشرقية في أكثر من 30 موقعًا، أبرزها درهيب والعطشان وأم الساتيت، إضافة إلى جنوب شرق أسوان في وادي العلاقي.
ويتواجد الجبس في شمال الإسماعيلية بمنطقة البلاح، وشرق خليج السويس في رأس ملعب، وغرب الإسكندرية في العلمين والعميد.
أما الكبريت فيُستخرج من ساحل البحر الأحمر وخليج السويس، خصوصًا في مناطق جمسة ورانجا وجبل الزيت، بينما ينتشر الباريت في الصحراء الشرقية والغربية بأكثر من عشرة مواقع، من أهمها جبل الهودي شرق أسوان، وحماطة، ووادي دبب، ووادي شعيث، وجبل علبة.
ويظهر الكاولين في شبه جزيرة سيناء بمناطق وادي نتش ومسبع سلامة وفرش الغزلان، كما ينتشر في الساحل الغربي لخليج السويس عند أبوالدرج والجلالة البحرية، بالإضافة إلى الجنوب في منطقتي كلابشة وأسوان.
وتُستخلص أملاح الصوديوم (النطرون) والبوتاسيوم من وادي النطرون بمحافظة البحيرة، فيما يُستخرج كلوريد الصوديوم من ملاحات ساحل البحر الأبيض المتوسط في مرسى مطروح وإدكو ورشيد وبورسعيد، كما تتواجد رواسب مماثلة في بحيرة قارون بالفيوم.
ويرتكز رمل الزجاج في سيناء بالقرب من أبوزنيمة، وفي منطقة الزعفرانة بخليج السويس، ووادي النطرون، بينما ينتشر الكوارتز في الصحراء الشرقية بجبل الدب وجبل مروات وأم هيجليج، ويتواجد الفلسبار في أسوان والصحراء الشرقية بوادي أم ديسى والعنيجي.
ولم تقتصر الثروات المعدنية في مصر على الفلزات أو الصخور، إذ كشف المسح عن وجود أحجار الفيروز في سيناء بمنطقتي جبل المغارة وسرابيط الخادم، بينما ينتشر الزمرد في الصحراء الشرقية بمناطق زيارا وسكيت وأم كابو ونجرس، أما الزبرجد فتتفرد به جزيرة الزبرجد في البحر الأحمر، وتُعد أسوان موطنًا لأشهر أنواع الجرانيت، كما تتواجد خاماته في الصحراء الشرقية وسيناء.
ويُضاف إلى ذلك أن الرخام يتواجد في الصحراء الشرقية بمناطق وادي المياه وجبل الرخام ووادي الدغبج والعلاقي وأبوسويل، بينما تظهر البريشيا الحمراء في محافظة سوهاج بمنطقتي العيساوية والأنبا بسادة، والبريشيا الخضراء في الصحراء الشرقية.
واستنادًا إلى بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) وبيانات وزارة البترول والثروة المعدنية وهيئة الثروة المعدنية، أن مصر تمتلك طيفًا واسعًا من الموارد المعدنية والصناعية، تشمل معادن استراتيجية وصناعات تحويلية متقدمة.
ووفق أحدث تقاريرها الصادرة في يناير الماضي، بلغ إنتاج الألومنيوم الأولي بنهاية أكتوبر 2023 نحو 280 ألف طن، بزيادة طفيفة عن السنوات السابقة، بينما استقر إنتاج الألومنيوم الثانوي عند 100 ألف طن، وسجل إنتاج النحاس الثانوي المكرر نحو 100 ألف طن أيضًا.
أما إنتاج السبائك الحديدية فقد بلغ 6 آلاف طن من الفيرومنجنيز و60 ألف طن من الفيروسيلكون، في حين وصل إنتاج الذهب من المناجم إلى 13,716 كيلوجرام من المحتوى المعدني (Au content)، محققًا زيادة واضحة بنهاية أكتوبر 2023، مقارنة بإنتاج عام 2021، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
وفيما يخص خام الحديد، فقد استقر الإنتاج عند 560 ألف طن (بمحتوى حديد يقدّر بنحو 350 ألف طن تقريبًا)، بينما ارتفع إنتاج الحديد المختزل المباشر إلى 6 ملايين طن، وهو الأعلى خلال السنوات الخمس الماضية.
وسجّل إنتاج الصلب الخام نحو 9.82 مليون طن، فيما بلغت منتجات اللّف على الساخن حوالي 10 ملايين طن، والقضبان السلكية قرابة 800 ألف طن.
وبحسب التقرير ذاته، بلغ إنتاج الملح 2.3 مليون طن بنهاية أكتوبر 2023، واستقر إنتاج الكوارتز عند 100 ألف طن، والرمل والحصى غير المحدد عند 600 ألف طن، وارتفع إنتاج الصودا الكاوية إلى 400 ألف طن، في حين ظل إنتاج الكبريت البترولي عند 86 ألف طن، وسجّل إنتاج التلك والمواد المشابهة نحو 20 ألف طن.
حنفي: استثمارات الصناعات المعدنية تتجاوز 600 مليار جنيه
قال محمد حنفي، المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، إن الحديد والألومنيوم والنحاس تمثل ركائز أساسية لمعظم الصناعات الثقيلة ومشروعات البنية التحتية في مصر.
وأضاف أن الحكومة فتحت أسواقًا جديدة في دول تشهد خطط إعمار مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا، وفرضت قيودًا على الواردات لدعم الإنتاج المحلي.
وأوضح حنفي، أن مصر لا تمتلك احتياطيات كبيرة من خامات الحديد أو الألومنيوم أو النحاس، ما يضطرها للاعتماد على الاستيراد لتغطية احتياجات الصناعة المحلية، مؤكدًا أن تعميق التصنيع المحلي وتعزيز القيمة المضافة هو الطريق الأمثل لاستدامة ونمو القطاع.
نصر: إنتاج الغاز يغطي 70% من الاستهلاك المحلي.. والاكتشافات الجديدة تعزز الاستقرار
قال حسن نصر، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية، إن سوق الوقود المصري يشهد استقرارًا مدعومًا بمشروعات جديدة لإنتاج الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية، ما ساهم في تعزيز الإمدادات وضمان توافرها في السوق المحلي.
وأضاف نصر، أن الاكتشافات البترولية الحديثة أسهمت في خفض فاتورة دعم المواد البترولية، لافتًا إلى أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يبلغ نحو 4 مليارات متر مكعب يوميًا، ما يغطي نحو 70% من احتياجات البلاد، بينما يتم استيراد الباقي عبر الشركات الأجنبية المستكشفة بمصر.
ولفت نصر إلى أن أحد أبرز التحديات هو ضعف هامش الربح للمنتجات البترولية مقارنة بتكاليف الإنتاج والنقل، ما يضغط ماليًا على بعض محطات الوقود ويؤثر أحيانًا على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها التشغيلية والرواتب.
القليوبي: فاتورة استيراد الغاز والبترول تصل إلى 1.7 مليار دولار شهريًا
قال الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن إنتاج مصر من الزيت الخام يبلغ نحو 510 آلاف برميل يوميًا تشمل المتكثفات، فيما يصل إنتاج الغاز الطبيعي إلى نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، مغطيًا نحو 55% من احتياجات السوق المحلي، بينما يتم استيراد ما بين 43 و45% لتلبية الطلب.
وأضاف القليوبي، أن استهلاك مصر من المواد البترولية يبلغ نحو 84 مليون طن سنويًا، بمتوسط 7.1 مليون طن شهريًا، موضحًا أن فاتورة استيراد الغاز والبترول تبلغ نحو 1.7 مليار دولار شهريًا، بخلاف مستحقات الشركاء الأجانب، نتيجة استيراد ما يقارب 2 مليار قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي لتغطية العجز.
وأشار إلى أن ضعف استثمارات البحث والتنقيب يمثل أبرز التحديات للقطاع، لافتًا إلى تركيز الدولة حاليًا على مناطق البحر الأحمر وشمال غرب الإسكندرية والبحر المتوسط والصحراء الشرقية والغربية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأوضح أن استثمارات القطاع المعدني تبلغ نحو 1.9 مليار دولار، منها نحو 0.9–1.4 مليار دولار موجهة لمشروعات الذهب، إلى جانب استثمارات الرمال السوداء والفوسفات والطفلة والكاولين ضمن قائمة تضم 13 معدنًا استراتيجيًا.
وأكد القليوبي، أن قانون التعدين الجديد وتحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية مستقلة يمثلان تحولًا مهمًا، مستهدفًا رفع مساهمة التصنيع التعديني من 1.5% إلى نحو 6% خلال السنوات المقبلة، عبر دخول استثمارات كبرى مثل توسعات «أنجلو جولد أشانتي» ومنجم السكري ومصانع الرمال السوداء وشركات أسترالية جديدة.
وأشار إلى أن مشروعات التصنيع المحلية، مثل مجمع الفوسفات في الوادي الجديد، تُسهم في تقليل فاتورة الاستيراد بنحو 1.8 مليار دولار عبر تحويل الخامات إلى أسمدة بدلًا من تصديرها خامًا، متوقعًا أن يشهد قطاع التعدين طفرة خلال الفترة المقبلة بفضل الاستثمارات الأجنبية وإنشاء مجتمعات صناعية بالمحافظات.
بخيت: منجم السكري ينتج نحو 12 إلى 13 طنًا من الذهب سنويًا
قال الدكتور حسن بخيت، رئيس رابطة المساحة الجيولوجية المصرية، إن المعادن تمثل ركيزة اقتصادية هامة غير مستغلة في مصر، مشيرًا إلى أن وقف تصدير الرمال “خامًا” يتيح تعظيم قيمتها المضافة، مؤكدًا أن الاستراتيجية المثلى توازن بين تصدير جزء منها لجلب العملة الصعبة، وإدخالها في صناعات متطورة مثل الزجاج والسليكون.
وأشار بخيت لـ”البورصة” إلى أن مصر غنية بخامات أخرى مثل الفلسبار المستخدم في صناعة السيراميك، والفحم في سيناء الذي توقف إنتاجه لأسباب مالية، معربًا عن أمله في إعادة تشغيله ضمن الخطط المستقبلية.
ووصف منجم السكري بأنه “أكبر منجم ذهب في الوطن العربي”، كاشفًا أن إنتاجه يصل إلى نحو 13 طنًا سنويًا، بينما يسهم التعدين الأهلي في مناطق كحلايب وشلاتين ومرسى علم بإنتاج 20-30 طنًا سنويًا، فيما يبلغ إنتاج خام الفوسفات نحو 6 ملايين طن سنويًا.
وأضاف بخيت أن مصر تستورد النحاس بنحو مليار دولار سنويًا رغم وجود مواقع غنية به محليًا، مؤكدًا أن عناصر أخرى مثل الليثيوم والرصاص والزنك تحتاج إلى برامج استكشاف وتقييم دقيقة لتحديد احتياطياتها وتحويلها إلى مناجم منتجة.
وفيما يخص خام الحديد، أوضح بخيت أن مصر تمتلك احتياطيات ضخمة في الواحات وسيناء وأسوان والصحراء الشرقية، إلا أن معظم شركات الحديد المحلية، مثل مجموعة “عز”، تعتمد على استيراد خام البيلت، ما يستدعي تأسيس شركات انتقالية تربط بين المحاجر والمصانع لتعظيم الاستفادة من الخامات المحلية.
وأكد أن تطوير قطاع الثروة المعدنية يتطلب جذب الاستثمارات عبر تقديم حوافز وتيسير الإجراءات، وإنشاء قاعدة بيانات رقمية حديثة ومفتوحة أمام المستثمرين، فضلًا عن إعداد كوادر فنية مؤهلة ومدربة، واختيار إدارات قادرة على قيادة القطاع نحو تنمية مستدامة.
الساعي: معادن مصر قريبة من السطح.. واستغلالها يوقف نزيف الاستيراد
قال المهندس أيمن الساعي، رئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق، إن معظم خامات مصر قريبة من سطح الأرض، ما يقلل تكلفة استخراجها مقارنة ببلدان أخرى تعتمد على التعدين في الأعماق.
أشار إلى أن تنمية القطاع تحقق عوائد دولارية ضخمة وتوقف نزيف الاستيراد، عبر إدخال الخامات في سلاسل الصناعات التحويلية المحلية.
وأضاف الساعي لـ”البورصة”، أن الخريطة الجيولوجية المصرية تزخر بالثروات المتنوعة، موضحًا أن الرمال السوداء تمتد بطول 400 كيلومتر من رشيد إلى رفح وتحتوي على معادن مثل الماجنتيت والإلمنيت والمونازيت، بينما تضم هضبتا المقطم والجلالة احتياطيات ضخمة من الحجر الجيري، وتتميز منطقة سمالوط بالمنيا بأعلى درجات نقاء للحجر الجيري في العالم تصل إلى 99.9%.
وأشار إلى أن حزام الفوسفات يمتد من سفاجا والقصير مرورًا بوادي النيل حتى الواحات الداخلة والخارجة باحتياطيات تتراوح بين 3 و5 مليارات طن، غالبًا ما يصاحبه الطفلة الزيتية المستخدمة في صناعة الأسمدة والأعلاف والصناعات الحربية.
كما تنتشر الرمال البيضاء عالية النقاء في سيناء والزعفرانة ووادي الدخل، وتدخل في صناعة الزجاج، فيما توجد رمال الكاولين في وادي قنا وتستخدم في صناعات السيراميك والورق والمطاط والبورسلين.
وأشار الساعي إلى انتشار الليثيوم في الصحراء الغربية والبحيرات المالحة الجافة مثل سيوة والفرافرة وموريس بالفيوم، وأهميته في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، إلى جانب الذهب الذي يتواجد بكثافة على امتداد طريق مرسى علم – إدفو وبين سفاجا والقصير ورأس غارب والغردقة.
وأكد أن النهوض بقطاع التعدين يتطلب استراتيجية لتعظيم القيمة المضافة، وإنشاء معامل مركزية متخصصة لتحليل ودراسة الخامات في مختلف المحافظات، وتوفير التدريب والدعم الفني للمستثمرين، موضحًا أن الاستثمار التعديني لا يتطلب دائمًا رؤوس أموال ضخمة، إذ يمكن البدء بمشروعات صغيرة إذا توفرت المعرفة والبيئة التشريعية الجاذبة.
كمال: التعدين لا يساهم بأكثر من 0.5% في الناتج.. والفرص واعدة إذا استمر الدعم
قال المهندس أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، إن مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي لا تتجاوز 0.5% فقط (نحو 20 مليون دولار سنويًا)، بينما توقع ارتفاع العوائد إلى 3-5 مليارات دولار سنويًا خلال 5-7 سنوات إذا استمرت التسهيلات الحكومية ودُعمت الاستثمارات الجديدة.
وأشار كمال إلى أن القيمة المضافة من تصنيع الخامات محليًا تفوق تصديرها خامًا، موضحًا أن طن الفوسفات الخام يباع بنحو 80 دولارًا فقط، بينما ترتفع قيمته إلى نحو 120 دولارًا بعد المعالجة، وتضاعف مرات عدة عند تحويله إلى حمض الفوسفوريك.
وأوضح أن مشروع “المثلث الذهبي” يستهدف التصنيع المحلي بدلًا من تصدير المعادن خامًا، قائلاً إن رمال السيليكا التي لا يتجاوز سعر المتر المكعب منها 50 جنيهًا يمكن تحويلها بعد التصنيع إلى نجف كريستال أو شرائح إلكترونية بملايين الجنيهات.
وأضاف أن المشروع أُطلق في 24 يوليو 2017 على مساحة نحو 2.2 مليون فدان بين قنا وقفط وسفاجا والقصير، مع إنشاء عاصمة جديدة تبعد 100 كيلومتر عن قنا لتستوعب نحو 2 مليون نسمة، بحجم استثمارات نحو 16.5 مليار دولار، منها 2.5 مليار للبنية التحتية، على أن يتم تنفيذه عبر 6 مراحل تمتد إلى 30 عامًا، ويوفر المشروع نحو 350 ألف فرصة عمل، بعوائد سنوية 6-8 مليارات دولار.
وأشار كمال إلى أن استثمارات مشروع سنتامين تجاوزت 7 مليارات دولار، فيما رصدت شركة أشانتي نحو 3 مليارات دولار أخرى، مؤكدًا أن تطوير المناطق الـ18 الجديدة المرخصة قد يدفع إجمالي استثمارات القطاع إلى نحو 30 مليار دولار.
وحول قطاع البترول والطاقة، قال كمال إن السوق تشهد استقرارًا نسبيًا، لكنها تواجه تحديات ارتفاع فاتورة الاستيراد المستحوذة على 35% من الاستهلاك المحلي، إلى جانب متأخرات الشركاء الأجانب، مشيرًا إلى أن حجم استثمارات القطاع 8-10 مليارات دولار سنويًا، فيما يبلغ إنتاج مصر من البترول والغاز نحو 1.2 مليون برميل يوميًا.
ولفت إلى أن التعديات على الأراضي التعدينية وتأخر إصدار التصاريح، تمثل أهم تحديات الاستثمار، مؤكدًا أن تطوير القطاع يتطلب رؤية متكاملة تشمل البترول والكهرباء والثروة المعدنية والطاقة المتجددة والنووية، أو دمج “الثروة المعدنية” ضمن وزارة الصناعة لتعزيز الصناعات التعدينية وتحقيق الاستفادة المثلى من الخامات المحلية.
أبوجازية: رسوم الترخيص حُددت بـ5 ملايين ورسوم التجديد بمليون جنيه كل 3 سنوات
وقال بسام أبوجازية، الخبير القانوني، إن القانون الجديد للثروة المعدنية رقم 87 لسنة 2025 أعاد هيكلة القطاع لجذب الاستثمارات عبر إطار أكثر وضوحًا، تحت مسمى هيئة الثروة المعدنية والصناعات التعدينية لتحل محل الهيئة القديمة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص لتنمية الثروات المعدنية.
وأضاف أبوجازية لـ”البورصة”، أن القانون أدخل تنظيمًا غير مسبوق لنشاط معامل تحاليل الصخور والخامات، عبر إخضاعها لنظام تراخيص خاص، ما يرفع جودة ودقة التحاليل التي تُبنى عليها قرارات التقييم الجيولوجي، مع تحديد رسوم تراخيص لا تتجاوز 5 ملايين جنيه للتأسيس ومليون جنيه للتجديد كل 3 سنوات.
وذكر أن القانون فرض عقوبات تتراوح بين مليون و7 ملايين جنيه كغرامات على مزاولة نشاط معامل التحاليل دون ترخيص، مع غلق المنشأة المخالفة ومضاعفة العقوبة حال العود، كما منح الهيئة موازنة مستقلة مع تحديد مواردها المالية بشكل منظم، مع توجيه 25% من الفائض السنوي للخزانة العامة.
الشركات المستحوذة على إنتاج المعادن
وأشارت بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) في “الكتاب السنوي للمعادن 2021: مصر” إلى وجود شركات محدودة بالمواقع الإنتاجية الكبرى تمثل العمود الفقري لقطاع التعدين.
وجاء كامل إنتاج الذهب من منجم السكري تحت إدارة شركة سنتامين البريطانية، بإجمالي إنتاج بلغ 14,069 كيلوجرام، وباحتياطيات مؤكدة تقدر بنحو 180 طنًا، حسب آخر إحصاء بنهاية 2020.
أما في قطاع صخور الفوسفات، فقد تصدرت “النصر للتعدين” قائمة المنتجين بإجمالي 3.5 مليون طن من مناجم السباعية الشرقية والغربية ومنجم القصير على البحر الأحمر.
وفي قطاع الحديد والصلب، تُعد مجموعة عز للصلب المنتج الأبرز في مصر والشرق الأوسط بطاقة إنتاجية نحو 7 ملايين طن سنويًا، أما في قطاع الألومنيوم، فقد واصلت شركة مصر للألومنيوم (Egyptalum) ريادتها كمنتج وحيد للخام الأولي في البلاد، بطاقة إنتاجية سنوية نحو 320 ألف طن.
ميلاد: تحويل السبائك إلى مشغولات ذهبية مفتاح رفع العائدات التصديرية
قال هاني ميلاد، رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية، إن تحويل صادرات الذهب من سبائك خام إلى مشغولات مصنعة يُعد مسارًا لتحقيق عائدات تصديرية تدعم الاحتياطي الدولاري لمصر.
أضاف ميلاد لـ”البورصة”، أن شعبة الذهب قدمت مذكرتين رسميتين للجهات المعنية، الأولى تتعلق بالإعفاءات الضريبية واسترداد ضريبة القيمة المضافة على صادرات المشغولات الذهبية، والثانية تطالب بإدراج المشغولات الذهبية ضمن برنامج رد الأعباء التصديرية لدعم قدرتها التنافسية بالأسواق الخارجية.
وأشار إلى أن مصر تنظم سنويًا معرض “نيبو” لمصانع وشركات الذهب والمجوهرات لعرض أحدث التصميمات والإنتاجات، كما تتيح المشاركة في المعارض الدولية، ما انعش التصدير خلال السنوات الأخيرة.
ووصف ميلاد استثمارات قطاع الذهب الحالية بأنها “جيدة”، لكنها لاتزال دون مستوى الإمكانيات المتاحة، مؤكدًا أن مصر قادرة على جذب استثمارات أكبر حال توفير الحوافز والإجراءات الداعمة للصادرات المصنعة.
وأضاف أن الموافقة على مذكرتي الإعفاءات الضريبية ورد الأعباء التصديرية تحفّز المصنعين والمستثمرين للتوسع في الإنتاج والتصدير، ما يعزز تنافسية المنتج المصري عالميًا، مشيرًا إلى أن البلاد على أعتاب التحول إلى مركز إقليمي لصناعة الذهب والمجوهرات، بسبب خبراتها الصناعية وموقعها الجغرافي ومزاياها التنافسية.
غالي: طاقة صناعة الرخام الإنتاجية تضاعفت إلى 60 مليون متر سنويًا
قال المهندس إبراهيم غالي، عضو مجلس إدارة غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، إن صناعة الرخام والجرانيت في مصر تشهد ما وصفه بـ”عصر النهضة الجديدة”، مُرجعًا ذلك إلى مشروعات الدولة، أبرزها مجمع مصانع الجلالة، واصفًا له بأنه من أكبر المجمعات الصناعية عالميًا في المجال.
وأضاف غالي لـ”البورصة”، أن صناعة الرخام من أعرق الصناعات التي برع فيها المصريون القدماء منذ آلاف السنين، وظلت لسنوات مركزًا عالميًا قبل أن تنتقل الريادة إلى إيطاليا، إلا أن الدولة أعادت إحياء القطاع مؤخرًا عبر تحديث المجمعات وتوسيع الطاقة الإنتاجية.
ووفقًا لتصريحاته، تضاعفت الطاقة الإنتاجية للقطاع خلال السنوات الأخيرة من نحو 30 مليون متر مربع سنويًا إلى أكثر من 60 مليون متر مربع، ما جعل الخامات المصرية المتنوعة الألوان محط اهتمام دولي، مع ميزة جغرافية تقلل تكلفة الشحن والتصدير في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا.
وأوضح أن صناعة المحاجر “صناعة عالية المخاطر” تتطلب استثمارات ضخمة، داعيًا إلى دعم لوجستي وتمويلي وإجرائي مستمر، مع إعادة النظر في رسوم تصدير الكتل لتعزيز تنافسية المنتجات المصرية عالميًا، على غرار إيطاليا وتركيا وإسبانيا التي تقدم حوافز لصادراتها.
حسنين: نستورد 65% من المواد الخام.. و35% منها يمكن إنتاجها محليًا
قال الدكتور عز الدين حسنين، الخبير الاقتصادي، إن أبرز ثروات مصر المعدنية تشمل الرمال البيضاء المستخدمة في صناعات الزجاج والرقائق الإلكترونية، مشيرًا إلى أن مصر تستورد نحو 65% من المواد الخام، بينها 35% مواد معدنية يمكن توفيرها محليًا عبر تعميق التصنيع والتعدين.
وأضاف حسنين لـ”البورصة”، أن توطين صناعة الخامات المعدنية وتحويلها إلى مستلزمات إنتاج ومنتجات نهائية قد يوفر فاتورة استيراد بنحو 15 مليار دولار سنويًا، مع الإشارة إلى أن الرمال السوداء تعد أهم الثروات المعدنية لما تحتويه من عناصر ومعادن نادرة تدخل في صناعات استراتيجية.
ولفت إلى أهمية زيادة الاستثمارات في التعدين مع تسويق الموارد المعدنية المصرية دوليًا، خاصة بمنطقة المثلث الذهبي، مشيرًا إلى أن الدراسات الجيولوجية تؤكد امتلاكها احتياطيات قد تجعلها “قاطرة للتنمية الاقتصادية إذا حظيت بالدعم الكافي”.
ووفقًا لتصريحاته، تمتلك مصر حوافز استثمارية قوية تشمل إعفاءات ضريبية وجمركية، واستقرار سعر الصرف، ومؤشرات الاقتصاد الكلي، ما يمنحها قدرة تنافسية لجذب الاستثمارات الصناعية والتعدينية، خاصة مع استمرار الثروات المعدنية غير المستغلة بالكامل.
الشافعي: الرمال السوداء كنز وطني يدر عوائد بمليارات الدولارات ويدخل في 54 صناعة
قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن قطاع التعدين المصري شهد “انفراجة” خلال السنوات الأخيرة بفضل وضوح الرؤية الحكومية والدعم المباشر من القيادة السياسية، متوقعًا تحقيق عوائد بعشرات مليارات الدولارات خلال السنوات المقبلة حال استغلال الرمال السوداء بالشكل الأمثل.
وأوضح الشافعي لـ”البورصة”، أن مصر تمتلك من الرمال السوداء احتياطيات وصفها بـ”الكنز الوطني”، تدخل في أكثر من 54 صناعة حيوية، منها الطائرات والغواصات والمركبات الفضائية والصناعات العسكرية، وأنابيب البترول ومواد الإشعاع النووي، بالإضافة إلى السكك الحديدية والسيراميك والزجاج والكريستال والمستحضرات الطبية والتجميلية، مع إمكانية استخدامها في بدائل بطاريات الليثيوم.
وأشار إلى أن المرحلة الأولى من مشروع مصنع الرمال السوداء بالبرلس بكفر الشيخ، الذي افتتح في 19 أكتوبر 2022، استهدفت استخلاص الركائز المعدنية وتسويق المنتجات محليًا وعالميًا، موضحًا أن مصر تمتلك 11 موقعًا لاستخراج الخام.
وأضاف أن تعظيم العائد من الرمال السوداء يتطلب تنفيذ مشروعات صناعية متكاملة لتحويل مكوناتها إلى منتجات عالية القيمة الاقتصادية، مؤكدًا أن الاستثمارات الحالية لاتزال محدودة، وأن بعض القوى الدولية قد لا تشجع التوسع في المجال لما يمنحه من ميزة تنافسية استراتيجية لمصر في السوق العالمي للمواد عالية التقنية.








