في سبتمبر 2015، توصلت مصر إلى اتفاق على مستوى الطاقم مع صندوق النقد الدولي، بشأن اتفاق استعداد ائتماني لمدة 22 شهراً، بقيمة 3.16 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (SDR)، بما يعادل 4.8 مليار دولار، وهو ما يمثل 335% من حصة مصر لدى الصندوق.
إلا أن تأجيل زيادات أسعار الوقود، وخفض ضريبة الدخل، وتأخير تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وبلوغ نسبة العجز 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أدى إلى عدم تنفيذ الاتفاق وإلغائه، والبدء في مفاوضات جديدة تمهيداً للتوصل إلى اتفاق في عام 2016.
اتفاق التعويم
في نوفمبر 2016، وافق مجلس إدارة الصندوق على اتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمدة ثلاث سنوات، بقيمة 8.597 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، بما يعادل 12 مليار دولار، وهو ما يمثل 422% من حصة مصر، ومدعوماً بـ3 مليارات دولار من البنك الدولي، و1.5 مليار دولار من البنك الإفريقي للتنمية، بالإضافة إلى 6 مليارات دولار من الدائنين الثنائيين.
في المقابل، التزمت مصر بتحرير سعر صرف الجنيه بالكامل (تعويم نوفمبر 2016، مع انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 48% فوراً)، وزيادة أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، وخفض العجز من 12% إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب خفض الدعم على الطاقة والغذاء، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13%، بالإضافة إلى خصخصة بعض الشركات العامة، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز دور القطاع الخاص لخلق فرص العمل.
نجاح بطعم التضخم
في يوليو 2019، أعلن الصندوق إتمام المراجعة الخامسة والأخيرة للبرنامج، والاتفاق على صرف الشريحة الأخيرة من القرض المتفق عليه في 2016، والذي نفذت مصر بموجبه إصلاحات اقتصادية أسفرت عن ارتفاع النمو الاقتصادي من 4.3% في 2016 إلى 5.6% في 2019، وارتفاع الاحتياطيات النقدية من 17 مليار دولار إلى 45 مليار دولار، وانخفاض العجز المالي إلى أقل من 8%، وتحسن التنافسية التصديرية رغم عدم بلوغها التوقعات، بسبب ضعف البيئة الصناعية والإنتاجية.
وعلى الرغم من نجاح البرنامج، فقد خلف بعض النتائج السلبية، مثل ارتفاع معدل التضخم إلى 33% في 2017 نتيجة التعويم ورفع الدعم، وارتفاع نسبة الفقر من 27% إلى 32%، وزيادة الدين الخارجي إلى 114 مليار دولار.
كورونا يفتح الباب لاتفاق جديد
وعلى الرغم من نجاح برنامج 2016 في تحقيق أهدافه، فإن انتشار جائحة كوفيد-19 شكّل ضغطاً على ميزان المدفوعات نتيجة الإغلاق وأزمة سلاسل الإمداد، وتراجع تحويلات المصريين في الخارج، وتوقف السياحة، وخروج رؤوس الأموال (بما تجاوز 15–16 مليار دولار بين مارس وأبريل 2020)، بالإضافة إلى زيادة متطلبات الإنفاق الاجتماعي والصحي، وهو ما جرى التعامل معه من خلال تمويل صندوق النقد الدولي.
وبناءً على ذلك، في مايو 2020 وافق المجلس التنفيذي للصندوق على تمويل مصر عبر أداة التمويل السريع (RFI) بقيمة 2.037 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، بما يعادل 2.8 مليار دولار، بنسبة 100% من حصة مصر، كمساعدة طارئة لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات العاجلة لمواجهة تداعيات الجائحة.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: مصر وصندوق النقد الدولي.. تاريخ وعِبَر (2)
وفي الشهر التالي من عام 2020، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على الاتفاق الثاني عشر مع مصر، وهو برنامج الاستعداد الائتماني (SBA) بقيمة 3.76 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، بما يعادل 5.2 مليارات دولار، وهو ما يمثل 184.8% من حصة مصر، لمدة 12 شهراً، مع صرف فوري يقارب 2 مليار دولار، وصرف باقي المبلغ (3.2 مليارات دولار) على شريحتين متساويتين مرتبطتين بمراجعات دورية، بهدف دعم الاستقرار الاقتصادي الكلي، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، والحفاظ على الإنفاق الصحي والاجتماعي لحماية المتضررين، وضمان مرونة سعر الصرف وخفض التضخم.
ومع نهاية هذا البرنامج، كانت مصر قد حصلت في عام 2020 على نحو 8 مليارات دولار من الصندوق (2.8 مليار من اتفاق التمويل السريع، و5.2 مليارات من برنامج الاستعداد الائتماني)، ما ساهم في جعل مصر من بين الدول القليلة عالمياً التي حققت نمواً إيجابياً في عام 2020 – رغم التباطؤ – مع الحفاظ على استقرار نسبي للجنيه. كما نجح البرنامج في مواجهة الصدمة قصيرة الأجل، لكنه أبرز استمرار التحديات، مثل ارتفاع الدين العام والحساسية للصدمات الخارجية.
اتفاق حرب أوكرانيا.. رفع الدعم عن الوقود
في ديسمبر 2022، ومع تعرض الاقتصاد المصري لتحديات خارجية نتيجة الحرب في أوكرانيا، وتداعيات الحرب في غزة، وانخفاض إيرادات قناة السويس، وافق الصندوق على الاتفاق الثالث عشر وهو تسهيل الصندوق الممدد (EFF) بقيمة 2.34 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، بما يعادل 3 مليارات دولار، وهو ما يمثل 115% من حصة مصر، لمدة 46 شهراً.
ويستهدف هذا الاتفاق الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، ودعم مرونة سعر الصرف، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد مع تعزيز نمو القطاع الخاص، وحماية الفئات الضعيفة من خلال إصلاحات هيكلية ومالية. وفي مارس 2024، جرى توسيع قيمة الاتفاق ليصل إلى 8 مليارات دولار، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار، لمواجهة التحديات الإضافية مثل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتأثير الحرب في أوكرانيا.
اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: مصر وصندوق النقد الدولي.. تاريخ وعِبَر (1)
وارتبط هذا الاتفاق بإصلاحات هيكلية تمثلت في خفض الدعم على الوقود والكهرباء، وزيادة الإيرادات الضريبية، وتقليل العجز المالي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسريع برنامج الخصخصة (بيع 10–11 شركة حكومية بقيمة 3 مليارات دولار خلال 2025–2026)، مع تقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، وتحسين المناخ الاستثماري لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. كما شملت الإجراءات رفع أسعار الفائدة إلى 19% في 2023، ثم خفضها تدريجياً في 2025، مع التركيز على خفض التضخم من 38% إلى 20.4% في 2025.
وقد ساهم هذا الاتفاق في تحقيق استقرار نسبي للجنيه ورفع الاحتياطيات، لكنه واجه تحديات، من بينها اضطرابات البحر الأحمر وتأثيرها على حركة المرور في قناة السويس، حيث انخفضت إيرادات القناة بنحو 50% تقريباً.
الصلابة والاستدامة
في مارس 2025، وافق المجلس التنفيذي للصندوق على الاتفاق الرابع عشر، وهو اتفاق الصلابة والاستدامة (RSF)، وهو أول اتفاق من هذا النوع لمصر، وأحد أدوات التمويل الجديدة التي أطلقها الصندوق في عام 2022، وبموجبه جرى صرف 1.3 مليار دولار كجزء من المراجعة الرابعة.
ويهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز قدرة مصر على مواجهة المخاطر المناخية والبيئية، لا سيما في ظل تأثيرات تغير المناخ التي تهدد دلتا النيل والزراعة، ودعم الاستدامة طويلة الأمد، مثل خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 33% بحلول عام 2030، وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة. كما ساهم الاتفاق في جذب تمويل إضافي من الاتحاد الأوروبي في عام 2025.
ولم يُعلن عن اتفاق مستقل جديد حتى الآن، إلا أنه جرى التوصل إلى اتفاق على مستوى الطاقم في أواخر عام 2024 لتمديد الاتفاق الحالي مع صرف تمويل إضافي.
وفي ديسمبر الجاري، تجري بعثة الصندوق المراجعتين الخامسة والسادسة للاتفاق القائم، والمقرر انتهاؤه في يونيو 2026، حيث جرى إرجاء المراجعة الخامسة لإتاحة الوقت لتنفيذ الإصلاحات، خاصة المتعلقة ببيع الأصول وتصحيح أوضاع بعض المؤسسات. وإلى حين الانتهاء من هذه المراجعة، سنتناول في المقال القادم والأخير ملخص هذه الاتفاقيات والدروس المستفادة منها.








